قديسو اليوم: 23 تشرين الثاني 2016
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : تذكار القديس امفيلوكوس
ولد هذا القديس في الكابدوك من اسرة شريفة وكان صديقاً حميماً للقديسين العظيمين باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزي وقد ضاهاهما بغزارة علمه وغيرته على المعتقد الكاثوليكي. وصار قاضياً فقام بوظيفته بكا نزاهة مراعياً جانب العدل والاستقامة.
اختاره الاكليروس والشعب اسقفاً على مدينة ايقونية سنة 374 فانكب على العمل بغيرة ونشاط. وروى تاودوريطس انَّ القديس طلب يوماً من الملك تاودوسيوس ان يمنع الاريوسيين من بث مفاسدهم في المدن والقرى، فاغضى الملك عن الاجابة. فقام القديس يوماً بواجب الاحترام نحو الملك ولم يكترث لابنه، فاستاء منه الملك، فقال: انك تستاء من عدم احترامي لابنك، فكيف لا يستاء الله من الاراتقة وعدم احترامهم لابنه الكلمة الازلي؟ فانتبه الملك وامر بمنع الاريوسيين من الاجتماعات وشتَّت شملهم.
وفي السنة 381 حضر القديس امفيلوكوس المجمع المسكوني الثاني المنعقد في القسطنطينية ووضع مقالاً نفيساً في طبيعة الروح القدس ومفاعيله، شاجباً بدعة المكدونيين. وألَّف كتباً عديدة مفيدة تؤيد المعتقد الكاثوليكي القويم. ثم رقد بسلام سنة 394. صلاته معنا. آمين.
أبينا الجليل في القديسين أمفيلوخيوس أسقف أيقونية (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)
هو أحد أبرز الآباء الذين اشتركوا في المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية (381 م). وكان هذا المجمع قد دحض هرطقة مقدونيوس ناكر ألوهية الروح القدس، كما أنجز دستور الإيمان وجعله على الصورة التي نعرفها اليوم.
كان أمفيلوخيوس قريباً من المعلمين الكبّادوكيين الكبار: باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتيوغريغوريوس النيصصي. وخير صورة عنه نستقيها من رسائلهم.
ولد في بلدة كبّادوكية اسمها قيصرية الثانية بين العامين 340 و345 للميلاد من عائلة أرستقراطية. القديس غريغوريوس اللاهوتي هو ابن عمته ومشيره ورفيق جهاده. تلقى من العلم نصيباً وافراً فدرس على المعلم الوثني المعروف ليبانيوس الأنطاكي وامتهن المحاماة في القسطنطينية ابتداء من العام 364 م.
كمحام، امتاز أمفيلوخيوس بحكمته واستقامته، كما بمحبته ودماثته، وكان خطيباً مفوهاً. إحساسه بالظلم كان مرهفاً واندفاعه في طلب العدالة كان حماسياً جامحاً. كل ذلك هيأ له سبل النجاح والشهرة. فكان لا بد، في المقابل، من أن يتحرك الحسد في قلوب زملائه المتضررين، ضعفاء النفوس، فحاولوا الإساءة إليه واستغلال دفاعه عن مجرم متستر محتال لتشويه سمعته. وقد كان للقديس غريغوريوس اللاهوتيدور فاعل في خلاصه من ورطته. وعلى الأثر أصيب أمفيلوخيوس بصدمة وترك المهنة، كما بتدبير من الله، بعدما خبر استحالة إحقاق العدل بين الناس، وتحوّل، بتأثير من ابن عمته أيضاً، صوب العدالة الإلهية. انصرف إلى الإلهيات. كان قد مضى عليه في المحاماة ست سنوات.
ومالت نفس أمفيلوخيوس إلى الحياة المسيحية الكاملة، فبدأ يحلم بالحياة النسكية في الصحراء هو وصديق له اسمه هيراكليدوس. ولكن، أثناه عن عزمه، جزئياً، وضع عائلي ضاغط فلازم البيت ليعنى بوالده العجوز المريض لأنه لم يكن ثمة من يهتم به غيره. في تلك الأثناء تعرف أمفيلوخيوس بالقديس باسيليوس الكبير، وكان بعد كاهناً، فأحبه وصار له صديقاً عزيزاً وتلميذاً. وأمفيلوخيوس هو من وجّه إلى القديس باسيليوس أهم رسائله. فكتابه عن الروح القدس مثلاً أهداه إليه. وعندنا منه أربع مجموعات من القوانين الكنسية كتبها لأمفيلوخيوس بشكل رسائل جواباً على أسئلة سبق لأمفيلوخيوس أن وجهها إليه.
وحلّ العام 370 للميلاد وفيه صار القديس باسيليوس رئيساً لأساقفة قيصرية الكبّادوك، فبدأ أمفيلوخيوس يقلّل من زياراته لصديقه خشية أن يدعوه للخدمة الرعائية في الكنيسة. ولكن، فرغ في العام 374 للميلاد كرسي إيقونية التي هي مدينة في آسيا الصغرى وعاصمة مقاطعة ليكاونية الجديدة، فأراده القديس باسيليوس عليه فاعترض وحاول الهرب ثم رضخ. يذكر أن القديس باسيليوس، يومها، كان في مواجهة قاسية والفريق الآريوسي يدعمه الإمبراطور والنس الهرطوقي، وكان بحاجة ماسة إلى أساقفة مستقيمي الرأي يثق بهم.
هذا وقد تبين، فيما بعد، أن اختيار باسيليوس لأمفيلوخيوس كان في محله. فلقد أثبت قديسنا أنه جدير بالمهمة الصعبة الموكلة إليه إذ أعاد النظام إلى أبرشيته وضبط أمورها. ولما كان ثابت الإيمان طاهر السيرة جريئاً مقداماً وصاحب مواهب خطابية وكتابية مميزة فإنه تصدى للهرطقة الآريوسية وسواها من الهرطقات الشائعة، آنذاك، بكل قوة وفعالية وتصميم. ولم يكف أمفيلوخيوس، يوماً، عن اعتبار باسيليوس معلماً له ومرشداً، وكان يعود إليه في دقائق العقيدة كمثل تلميذ يتسقّط من معلمه الجواب الأكيد.
واستمر قديسنا في خط سيره هذا بعد وفاة القديس باسيليوس (+379) ليحارب بدعة مقدونيوس وأفنوميوس (أشدّ الآريوسيين تطرفاً) والمسّاليانيين الذين قالوا بأن من مفاعيل خطيئة آدم أن في كل إنسان شيطاناً لا يخرج بالمعمودية بل بالصلاة المركّزة المستمرة.
وقد حضر أمفيلوخيوس المجمع المسكوني الثاني جنباًَ إلى جنب والقديسين غريغوريوس اللاهوتي وغريغوريوس النيصصي، كما ساهم في إعلان ألوهية الروح المقدس ووحدة جوهره مع الآب والابن. والمجامع المسكونية منذ المجمع المسكوني الثالث في أفسس (431) تتعاطى وكتاباته باعتباره سلطة آبائية مرموقة.
وللدلالة على غيرة أمفيلوخيوس في وجه الآريوسية، يروي ثيودرويتوس أسقف قارة (393-466م)، في تاريخه، أنه طلب من الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير أن يتشدّد في ملاحقة الآريوسيين الذين ما فتئوا يبثون سمومهم في المدن والقرى رغم قرارات المجمع بشأنهم. ولكن تبين أن الإمبراطور لم يكن متحمساً لذلك ما فيه الكفاية. لذا دخل أمفيلوخيوس عليه مرة ثانية وكان بجانبه ابنه أركاديوس بعدما ما جرى إعلانه إمبراطوراً بالمعيّة فدنا الأسقف من الإمبراطور ثيودوسيوس وحيّاه التحية المألوفة، أما أركاديوس فتجاهله كأنه غير موجود. فلما رأى ثيودوسيوس ذلك غضب واعتبر الأمر مهيناً له ولابنه. فقال له أمفيلوخيوس: "أترى يا جلالة الإمبراطور، وأنت ملك الأرض، كيف أنك لا تحتمل أن يحتقر أحد ابنك فتغضب وتعتبر الإساءة إليك، فكم بالأحرى يرذل الله، وهو الملك والأب، أولئك الذين يجدفون على ابنه ويقولون أنه دونه منزلة!" فتنبّه ثيودوسيوس للأمر وعمل منذ ذلك الحين على منع الآريوسيين من الاجتماع وبدّد شملهم.
وعاش القديس أمفيلوخيوس حتى أواخر القرن الرابع للميلاد. آخر ذكر له ورد في مناسبة المجمع الذي انعقد في مدينة القسطنطينية سنة 394م وعرض لشؤون أبرشية بصرى في بلاد حوران. رقد بسلام في الرب بعدما وطّد استقامة الرأي وحب الفضيلة في شعبه مخلفاً مواعظ وشعراً وكتابات قيمة لم يبق إلا قليلها.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : أبينا الجليل في القديسين غريغوريوس أسقف أغريغنتية
نشأ القدّيس غريغوريوس في إحدى مدن صقلية الإيطالية. كان أبواه خاريطن وثيودوتي تقيين، وقد نذراه لله وهو في "مهد الأقمطة" وعهدا به إلى عرّابه بوطاميانوس الأسقف وهو في سن الثامنة. وما أن بلغ الثانية عشرة حتى صار قارئاً. كان يومذاك قد حفظ كتاب المزامير غيباً. وإذ كان الله قد منّ عليه بصوت عذب فإن قراءته للكتاب المقدس كانت بهجة لنفوس سامعيه. غير أن اهتمامه الأول كان لا في تلاوة الكتاب المقدس بل في التأمل فيه ليل نهار. لذلك استعان بالصوم والصلاة. ولما بلغ الثامنة عشرة من عمره استبد به شعور جامح دفعه لزيارة الأماكن المقدسة فغادر إليها متوخياً فهماً أفضل لأسرار الكتاب المقدس.
من صقلية إلى أورشليم
وبتدبير من الله التقى غريغوريوس في تونس، في طريقه إلى أورشليم، ثلاثة رهبان كانوا متوجهين إلى هناك فأخذوه معهم.
عبر المسافرون بطرابلس الغرب وبعض مدن مصر ولم يصلوا إلى القدس إلا بعد أربعة أشهر من انطلاقهم لأن الرحلة كانت على الأقدام. ويبدو أن غريغوريوس حافظ خلالها على نظام غذائي صارم فلم يكن يتناول الطعام سوى مرة واحدة كل يومين أو ثلاثة، كما استمر منشغلاً بتأملاته في الكتاب المقدس.
أقام غريغوريوس في الأرض المقدسة ست سنوات قضى أربعاً منها راهباً في الصحراء برعاية شيخ روحاني مجرّب. وقد كان قبلة الأنظار. كثيرون مجّدوا الله عليه لصرامته في النسك وكماله المبكر في فضائل الطاعة والصبر واليقظة واستنارته في فهم غوامض الكتاب المقدس. وقد نما غريغوريوس في النعمة والقامة إلى حد جعل عارفيه يلقبونه بـ "الذهبي الفم" الثاني.
وعرج على أنطاكية
ومن القدس انتقل قديسنا إلى أنطاكية فالقسطنطينية حيث نزل في دير على اسم القديسين سرجيوس وباخوس. همّ غريغوريوس في هذا الدير كان الصلاة والتأمل في مؤلفات القديس يوحنا الذهبي الفم. ويبدو أنه اعتاد السلوك يومذاك كغريب عن جسده حتى لم يكن يتناول إلا قليلاً من الخضار، ويومي السبت والأحد فقط.
اطلاع القديس غريغوريوس على كتابات الآباء كان واسعاً ومدهشاً.
أحضره بطريرك القسطنطينية مرة لديه لامتحانه. وفيما بدأ البطريرك بتلاوة مقطع غامض للقديس غريغوريوس اللاهوتي ليشرحه له أكمله قديسنا غيباً وقدّم بشأنه تفسيراً جلياً.
هذا وقد كان للقديس غريغوريوس، أثناء إقامته في القسطنطينية، دور مهم في دحض هرطقة المشيئة الواحدة ورد العديدين من الذين تبنوها إلى الإيمان القويم.
بعد القسطنطينية توجّه قديسنا إلى رومية حيث أقام فترة من الزمن إلى أن جرى اختياره أسقفاً على مدينة أغريغنتية القريبة من بريتاريوم، موطن قديسنا الأول في صقلية. وقد منّ عليه الله منذ ذلك الحين بموهبة صنع العجائب.
إشاعة كاذبة بشأنه
كأسقف انصرف غريغوريوس بغيرة إلهية وهمة لا تعرف الكلل إلى تنظيم أبرشيته وسيامة الكهنة والشمامسة وافتقاد رعاياه والسهر على المساكين والاهتمام بالتعليم الديني للصغار، وغير ذلك من شؤون الرعاية، فأحبّه الناس وتعلقوا به. وقد جرت على يده حوادث شفاء كثيرة كتطهير البرص وإبراء الصم والبكم والمشلولين وطرد الأرواح الشريرة. وإذ لم ترق نجاحاته لعدو الخير حرّك بعض ضعفاء النفوس الحاسدة الذين منهم كاهن يدعى سابينوس وشماس يدعى كريشنسيوس فبدأوا يثيرون ضده إشاعات مفادها أن فيه شيطاناً لأنهم وجدوه لا يأكل ولا يشرب، وأن ما يأتيه من عجائب شفاء للمرضى إنما هو من عمل السحر والشعوذة. وقد تمادى الحاسدون في تآمرهم عليه إلى حدّ دفعوا معه بامرأة هوى إلى تمثيل دور قذر لتشويه صورته وسمعته. الرواية، في هذا الشأن، تقول أن المرأة تسللت إلى داره يوماً فيما كان يقيم الذبيحة الإلهية في الكنيسة. وما إن عاد برفقة بعض الناس الذين كان منهم سابينوس الكاهن وكريشنسيوس الشماس إلى دار المطرانية حتى خرجت المرأة من غرفة نومه في حال مثيرة للشبهات. وطبعاً صعق الحاضرون، وأخذ الكاهن والشماس المتآمران يعيّران الأسقف ويحركان الحاضرين ضده، فيما وقف غريغوريوس صامتاً هادئاً وكأنه مستعد أن يتحمل نتائج شائنة لم يرتكبها. كحمل بريء من العيب سيق إلى الذبح ولم يفتح فاه.
ألقي غريغوريوس في السجن، وبات الناس كأنهم مقتنعون بأنه مذنب. ثم جرى نقله إلى رومية حيث بدا البابا هناك مقتنعاً هو أيضاً بثبات التهمة عليه. لذلك حبسه سنتين كاملتين من دون محاكمة. أخيراً تألفت هيئة خاصة للنظر في قضيته. وإذ حضرت المرأة الزانية للشهادة، استبد بها روح شرير فأخذت ترغي وتزبد. ولما حارت المحكمة في أمرها صلّى القديس غريغوريوس من أجلها فخرج منها الروح الخبيث. إذ ذاك اعترفت، بدموع، أنها اتهمت رجل الله زوراً وأنها فعلت ذلك بدافع الرشوة. ثم كشفت عمن كانوا وراء المؤامرة فبانت الحقيقة وأُعيد لغريغوريوس الاعتبار فيما كان نصيب المفترين الخزي. تقول الرواية في هذا الشأن أن أكثر من مئة شخص وجدت وجوههم سوداء كالفحم لذنبهم وجرى نفيهم.
بعد ذلك عاد القديس غريغوريوس إلى أبرشيته وسط تهليل الشعب المؤمن وقد استمر في خدمتها إلى أن رقد بسلام في الرب في أواخر القرن السادس أو أوائل القرن السابع للميلاد. والكنيسة تمدحه وتستجير به بالترنيمة التالية:
"لما كنت نذرت للرب منذ الطفولة كمثل صموئيل المجيد قديماً، سمعت المخلص يدعوك ثلاثاً نظيره أيضاً. ولما كنت قد طهّرت نفسك بنعمة الفضائل، أهلت لتلقي نعمة الكهنوت، فقدت قطيعك إلى مراعي معرفة الله وتلألأت بالأشفية. فيا أبانا غريغوريوس تشفع إلى المسيح الإله أن يمنح غفران الزلات للمؤمنين المقيمين، من كل القلب، تذكارك المقدس".
تذكار القديس غريغوريوس أسقف أكرغنتية (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)
ولد القديس غريغوريوس في أوائل القرن السادس في مدينة أكرغنتية، في صقليّة. ونشأ في أسرة مسيحيّة طيّبة، كانت تمتاز بعطفها على المساكين وإحسانها إلى الفقراء. وأن الله، الذي كثيراً ما يكافىء أفعال الرحمة التي يفعلها الوالدون بدعوة واحدٍ أو أكثر من بينهم إلى شرف الكهنوت، دعا غريغوريوس إلى الأسقفية وأفاض عليه نعمه ليتكمّل بالقداسة.
وبرع غريغوريوس في العلوم، وامتاز منذ حداثة سنّه بالفضائل، فاختبر أسقفاً على مدينته. فسخر له الله أناساً ملأ الحسد قلوبهم، فملأوا حياته مرارة. لكنّه احتمل ذلك بصبر وطول أناة عجيبين، جديرين بالأساقفة القديسين.
وساس رعيته بغيرة لا تعرف الكلال، فكان، على مثال بولس، كلاًّ للكل، وأباً حنوناً للكبار وللصغار. وكان على الأخص شديد العناية بكهنته، يسهر على نفوسهم، وعلى راحتهم، ويقدّم لهم كل مساعدة في أعمالهم. وكان عطوفاً على الفقراء والمساكين وصغار النفوس والعقول، ويبذل كل غالٍ ونفيس في تخفيف وطأة الشقاء عن نفوسهم وأجسادهم.
وبعد حياة حافلة بأعمال البرّ والقداسة، رقد بالرب، وانضم إلى طغمة الأساقفة الأبرار الذين يملكون مع المسيح في ملكوت السعادة والأنوار.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : تذكار القديس أمفلوخيوس أسقف أيقونية
هو من كبار الأساقفة، الذين لمعوا بفضائلهم وعلومهم في ذلك القرن الرابع، الشهير بأعاظم الأساقفة والآباء القديسين. وكان من بلاد الكباذوك نظير صديقيه وزميليه باسيليوس وغريغوريوس اللاهوتي. ومثلهما حمل عالياً علم الإيمان الكاثوليكي المقدّس، في المعرك الشديدة التي قامت بين الكنيسة المقدّسة والبدعة الآريوسيّة الفظيعة.
نال أمفلوخيوس في حداثته حظّاً وافراً من العلوم، فنبغ في الفصاحة والبيان والحقوق، وتعاطى المحاماة مدّة سنوات طويلة أمام المحاكم الرومانيّة. ولمّا وجد ولاة الشأن فيه المقدرة والنشاط والنزاهة، عيّنوه قاضياً في مدينة القسطنطينية. فكبر إسمه، واتّسعت دائرة عمله، وبسمت له الدنيا بأمجادها. إلاّ أنّها لم تغوه بغرورها ومطامعها. فكان الرجل الرصين، والمسيحي الصادق، والحاكم النزيه المستقيم العادل. وكان يخاف من الحساب الذي سوف يؤدّيه هو أيضاً أمام منبر المسيح القاضي الأكبر.
لكن الحسّاد وأصحاب المطامع ناصبوه العداء، وراحوا يصوّبون له سهام الكذب والإفتراء. وكادوا يصلون إلى بغيتهم وينالون مأربهم لو لم يتداركه القديس غريغوريوس صديقه بدفاعه عنه، بغيرته المعهودة وفصاحته المسموعة، فظهرت براءته وعظمت في النفوس مكانته.
إلاّ أن تلك الصدمة التي كانت تطرحه، تركت في نفسه أئراً عميقاً. فجعل ينظر إلى الدنيا وأمجادها ومسرّتها بغير العين التي كان ينظر إليها بها كن قبل. وانتهز صديقه غريغوريوس الفرصة، وجعل يحدّثه عن سرعة زوال الدنيا، وحقارة أموالها وأمجادها،، ويبيّن له اباطيل الصداقة البشريّة وقلّة وفائها. فراح أمفلوخيوس يفكّر في أمور الآخرة، ويتأمّل في حقيقة أباطيل الحياة. فقادته تأمّلاته إلى التعلّق بالله وحده، لأنّه وحده الأب الحنون والصديق الوفيّ والركن الذي لا يتزعزع. فاستقال من وظيفته سنة 367، واعتزل في بيته، وجعل دأبه قراءة الكتب المقدّسة، والتأمّل في آياتها الإلهيّة السامية. واتّخذ له مرشداً القديس باسيليوس، وكان لا يزال كاهناً، وجعل همّه درس حقائق الإيمان واكتساب الفضائل المسيحيّة. فتقدّم بخطى واسعة في طرق الفضيلة والكمال.
وفي سنة 370، إرتقى القديس باسيليوس إلى كرسي رئاسة أساقفة قيصريّة الكباذوك، فوضع عينه على صديقه أمفلوخيوس ليضمّه إليه، فيربح بذلك بطلاً مقداماً وجنديّاً باسلاً. إلاّ أن أمفلوخيوس مانع في ذلك هرباً من مسؤوليات الكهنوت الكبيرة، واعتقاداً منه أنّه غير أهلٍ لتلك الدرجات السامية.
كان الله قد رسم لخادمه الأمين أمفلوخيوس خطّة محكّمة الترتيب، في أطوار حياته، وحقّقها له نقطة فنقطة. بدأً فأراه بطلان مجد العالم، ثم أذاقه مرارة حلاوة الدنيا. ثم أضاء قلبه بأنواره السماوية، ثم رقّى صديقه ومرشده إلى الدرجة الأسقفية، وانتظر ريثما تنضج تلك النفس تحت أشعّة شمس العدل، يالتأمّل والصلاة والآلام والإختلاء. وهكذا قادها، مرحلة فمرحلة، في سبل الحياة، حتى أوصلها إلى مذابحه، وأقامها لكي تخدمه في معابده، وتتفانى في سبيل النفوس التي اشتراها بدم إبنه.
ففي سنة 374، فرغ كرسي أيقونية، بوفاة راعيه فوستينس. فقام الأساقفة والكهنة والشعب، واختاروا أمفلوخيوس لهذا المنصب العالي. فاضطرب وتخوّف وهرب. لكن إرادة الله كانت واضحة، فاضطُرّ أن يذعن لها. فأقيم رئيس كهنة على ذلك الكرسي الأول في إقليم ليكاونيا.
فكتب إلى أبيه ومرشده القديس باسيليوس، يخبره بما كان، ويبدي له مخاوفه. فأجابه باسيليوس بكتاب رائع، يشجّعه على حمل أعباء الخدمة الرعائية. لكن أمفلوخيوس لم يكتفِ بذلك الكتاب، بل سافر إلى قيصرية الكباذوك وزار باسيليوس، واستنار بإرشادته، ووضع معه خطّة الدفاع عن الإيمان الكاثوليكي القويم بشتّى الوسائل من الخطابة والكتابة والعمل.
وعاد أمفلوخيوس إلى كرسيه وأكبّ على الشغل، بما عُرف به من نشاط وعلم ومقدرة. فكان رجل عمل أكثر ممّا كان رجل تأليف وفلسفة. وكان للنفوس قائداً هماماً، ولشعبه راعياً مملوءاً غيرة رسولية. وجاهد ضد الآريوسيّة بحزمٍ لا يعرف الكلال. ووضع سنة 376 رسالة وجهها إلى أساقفة ولايته، على أثر إجتماع السينودس الإقليمي، وفيها شرح المعتقد الكاثوليكي بأوضح بيان، ولا سيّما في ما يختص بألوهة الروح القدس. وفي سنة 381، حضر المجمع المسكوني الثاني المنعقد في مدينة القسطنطينية، ولمّا ارفضّ عقد المجمع، ألّف مقالاً نفسيّاً في طبيعة ومفاعيل الروح القدس.
واشتهر أمفلوخيوس بغيرته وجرأته. لأنّه لم يكن ليهاب الملوك في دفاعه المجيد عن الإيمان. وهكذا قضى الأسقف أمفلوخيوس القديس حياته في أعمال القداسة والغيرة الرسوليّة ورقد بالرب في أواخر القرن الرابع، مملوءاً فضائل واستحقاقات سماويّة، وذهب ليملك إلى الأبد مع المسيح، رئيس الرعاة الصالحين ومثال الأساقفة القديسين.
نياحة البابا زخارياس 64 (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)
في مثل هذا اليوم من سنة 1027 ميلادية تنيح القديس العظيم الأنبا زخارياس الرابع والستون من باباوات الإسكندرية، كان من أهل الإسكندرية، ورسم قسا بها، وكان طاهر السيرة، وديع الخلق، ولما تنيح القديس فيلوثاؤس البابا الثالث والستون، اجتمع الأساقفة ليختاروا بالهام الله من يصلح، وبينما هم مجتمعون في كنيسة القديس مرقس الرسولي يبحثون عمن يصلح، بلغهم إن أحد أعيان الإسكندرية المدعو إبراهيم بن بشر وكان مقربا من الخليفة، قدم له رشوة، وحصل منه علي مرسوم بتعيينه بطريركا، وأوفده مع بعض الجند إلى الإسكندرية، فحزنوا وطلبوا بقلب واحد من الله إن يمنع عن كنيسته هذا الذي يتقدم لرعايتها بالرشوة ونفوذ السلطان، وإن يختار لها من يصلح، وفيما هم علي هذا الحال، نزل الآب زخارياس من سلم الكنيسة يحمل جرة، فزلت قدمه وسقط يتدحرج إلى الأرض، وإذ ظلت الجرة بيده سالمة تعجب الأساقفة والكهنة من ذلك، وسألوا عنه أهل الثغر، فاجمع الكل علي تقواه وعلمه، فاتفق رأيهم مع الأساقفة علي تقدمته بطريركا، ووصل إبراهيم بن بشر فوجدهم قد انتهوا من تكريس الآب زخارياس بطريركا، فلما اطلع الآباء الأساقفة علي كتاب الملك استدعوا إبراهيم وطيبوا خاطره ورسموه قسا فقمصا، ثم وعدوه بالأسقفية عند خلو إحدى الإبراشيات، أما الآب زخارياس فقد قاسي شدائد كثيرة، منها إن راهبا رفع عده شكاوي ضده إلى الحاكم بأمر الله الذي تولي الخلافة سنة 989 ميلادية فاعتقله وألقاه للسباع فلم تؤذه، فلم يصدق الحاكم علي متولي أمر السباع وظن انه اخذ من البطريرك رشوة، فابقي السباع مدة بغير طعام ثم ذبح خروفا ولطخ بدمه ثياب البطريرك وألقاه للسباع ثانية فلم تؤذه أيضًا بل جعلها الله تستأنس به، فتعجب الحاكم وأمر برفعه من بين السباع واعتقله ثلاثة اشهر، توعده فيها بالقتل والطرح في النار إن لم يترك دينه، فلم يخف البطريرك، ثم وعده بان يجعله قاضي القضاة فلم تفتنه المراتب العالمية، ولم يستجب لأمر الحاكم، أخيرا أطلق سبيله بوساطة أحد الأمراء، فذهب إلى وادي هبب وأقام هناك تسع سنين، لحق الشعب في أثنائها أحزان كثيرة ومتاعب جمة، كما هدمت كنائس عديدة، وتحنن السيد المسيح فأزال هذه الشدة عن كنيسته وحول الحاكم عن ظلمه، فأمر بعمارة الكنائس التي هدمت، وإن يعاد إليها جميع ما سلب منها، وصدر الأمر بقرع الناقوس ثانيا، وبعد ذلك أقام الآب زخارياس اثني عشر عاما، كان فيها مهتما ببناء الكنائس وترميم ما هدم منها، وبقي في البطريركية ثمانية وعشرون عاما، وانتقل إلى الرب بسلام، صلاته تكون معنا ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : استشهاد القديس تادرس فيرو
تذكار استشهاد القديس تادرس فيرو. صلواته تكون معنا ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : نياحة الأنبا يوساب بجبل الاساس
تذكار الأنبا يوساب بجبل الاساس. صلواته تكون معنا ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : نياحة الأنبا تيموثاوس أسقف أنصنا
في مثل هذا اليوم تنيح القديس الأنبا تيموثاؤس أسقف انصنا، وقد نشا منذ حداثته بارا تقيا، وترهب وهو لا يزال صغيرا، فسلك في حياة الفضيلة، ونظرا لما كان عليه من الخصال الحميدة والفضائل والعلم اختير أسقفا علي مدينة انصنا، فداوم علي وعظ المؤمنين وإرشاد الناس إلى الإيمان بالمسيح، فقبض عليه الوالي وعذبه بأنواع العذاب داخل السجن وخارجه مده ثلاث سنوات متوالية، وكان معه في السجن كثيرون قبض عليهم من اجل الإيمان، ولم يزل هذا العاتي يخرج منهم ويسفك دمهم بعد تعذيبهم، إلى إن بقي في الحبس جماعة قليلة كان منهم هذا الاب، ولما أهلك الرب دقلديانوس، وملك المحب للمسيح قسطنطين، وأمر بإطلاق المحبوسين في سبيل الإيمان بالمسيح بجميع الأقطار الخاضعة لسلطانه، فخرج هذا القديس من بينهم ومضي إلى كرسيه وجمع الكهنة الذين في إبروشيته، ورفع صلاة إلى الله تعالي دامت ليلة كاملة، وكان يطلب من اجل خلاص نفس الوالي الذي عذبه قائلا " لان هذا يا رب هو الذي سبب لي الخير العظيم باتصالي بك، فاحسن إليه ليتصل بك"، فتعجب المجتمعون من طهارة قلب هذا الآب العامل بقول سيده " احبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم"، ولما اتصل خبر ذلك بالوالي تعجب قائلا " لقد كنت أظن انه يذمني علي ما لحقه مني، فقد أسأت إليه كثيرا ولكنه قابل إساءتي له بالدعاء لي، حقا إن مذهب هؤلاء القوم مذهب الهي وليس أرضي"، ثم أرسل فاستحضره واستعلم عن حقائق الدين المسيحي، فعرفه الآب سبب تجسد الابن، وما تكلم به الأنبياء عنه قبل ذلك بسنين كثيرة، وبعد ما بين له إتمام أقوالهم واثبت ذلك من نصوص الإنجيل، آمن الوالي بالمسيح فعمده الآب الأسقف وترك الولاية وترهب، أما القديس فظل مداوما علي تعليم رعيته، حارسا لها، إلى إن تنيح بسلام، صلاته تكون معنا آمين.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : تذكار رئيس الملائكة الجليل جبرائيل
تذكار رئيس الملائكة الجليل جبرائيل. صلواته تكون معنا ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين.