قديسو اليوم: 17 كانون الثاني 2017
فحسده الشيطان واخذ يجرِّبه. امَّا انطونيوس فكان ينتصر على هذه التجارب بالصوم والصلاة والتأمل. ولم يكن يقتات بسوى الخبز والملح وقليل من الماء.
وبالرغم من انتصاراته على التجارب، لو يكن الشيطان لينفكَّ عن منازلته.
وانفرد في الصحراء ودخل قبراً قديماً اقام فيه اشهراً. وما زال الشيطان يهاجمه بصور حيوانية مرعبة، لكنه كان يقاومها بمعونة الله. وفي هذا العراك الهائل اشرق في ذلك الكهف نورٌ سماوي وظهر الرب يسوع. فصرخ انطونيوس:" اين كنت يا سيدي؟" فاجابه الرب:" كنتُ هنا، يا انطونيوس، اشاهد جهادك".
ثم توغل في صميم الصحراء، واستأنف حياة التأمل ومناجاة الخالق مدة عشرين سنة، الى ان عرف الناس بمقرّه فأخذوا يأتونه من كل صوب. وطلب الكثيرون منهم ان يقبلهم في عداد تلاميذه، فاجاب طلبهم ونزل معهم الى ضفاف النيل، حيث انشأ لهم ديورة عديدة.
وكثُر عدد الرهبان جداً وانتشر عبير الفضائل المسيحية في تلك البراري. وكان انطونيوس يزور الاديار ويثبِّت الرهبان في دعوتهم. ومن اقواله المأثورة:" يا بني لا تهمل ذكر الابدية؛ قل لنفسك في كل صباح انك ربما لا تعيش الى المساء، وعند المساء انك ربما لا ترى نور النهار. قاوم التجربة بشجاعة، ان الشيطان ضعيف امام الصوم والصلاة واشارة الصليب".
وفي السنة 311 ثار الاضطهاد بشدة على المسيحيين، فهبَّت نار الغيرة في قلب انطونيوس فسار الى الاسكندرية يشدد عزائم الشهداء ويرافق المسيحيين الى المحاكم ويشجّعهم على الثبات في الايمان. ولما خمدت نار الاضطهاد، عاد الى صومعته يتابع حياته النسكية.
ومنَّ الله عليه بموهبة شفاء الامراض وطرد الشياطين، فتقاطر الناس اليه افواجاً فخاف من روح الكبرياء، فهرب الى برِّية تيبايس العليا. وبعد ان عثر رهبانه عليه زار ادياره وحثَّ الرؤساء والرهبان على مواصلة السير في طريق الكمال، وعاد الى خلوته.
ثم زار القديس بولا اول النساك كما ذكرنا في ترجمة هذا القديس.
وفي السنة 325 ازدات هرطقة الاريوسيين تفشياً في الاسكندرية، فدعاه القديس اتناسيوس اليها فلبَّى انطونيوس الدعوة، رغم كبر سنه، فخرجت المدينة لاستقباله. فأخذ يحذرَّهم من الهرطقة الاريوسية، ويبَّين لهم انَّ المسيح اله حق وانسان حق. ثم عاد الى جبله.
وكانت له المنزلة الكبرى لدى العظماء والملوك، لا سيما الملك قسطنطين الكبير الذي كتب اليه يطلب صلاته وشفاعته.
وفي المرحلة الاخيرة من حياته، زار اديرة رهبانه محرِّضاً الجميع على الثبات في طريق الكمال. ورقد بسلام في 17ك2 سنة 356 وله من العمر مئة وخمس سنين.
من تركته الروحية سبع رسائل شهيرة كان قد وجهها الى بعض اديرة المشرق. وقد نقلت من القبطية الى اليونانية واللاتينية وطبعت مندمجة بين تآليف الاباء.
وحسبنا ان نذكر المناسك والنساك الكثر الذين اقتدوا به متخذين طريقته في لبنان. وما وادي قاديشا، ودير مار انطونيوس قزحيا التاريخي الشهير بمعجزاته في طرد الشياطين الا دليل على ما لهذا القديس من الشفاعة لدى الله ومن الثقة والكرامة في قلوب اللبنانيين.
والرهبانيات المارونيات الثلاث أبت إِلا ان تدعى باسمه المبارك منذ نشأتها وان تتبع طريقته النسكية.
ولذلك حق له ان يدعى "كوكب البرية" ومجد الحياة الرهبانية وشفيع الجماعات والافراد في كل مكان وزمان. صلاته معنا. آمين.
القديس أنطونيوس الكبير (بحسب الكنيسة السريانيّة الكاثوليكية)
ولد سنة 251 في مدينة كوما في صعيد مصر (اليوم كوم العروس)، من أبوين مسيحيين تقيين حسب قول أثناسيوس بطريرك الإسكندريّة. نشأ في بيت كريم ومال إلى الفضيلة. فلم يرغب في الآداب اليونانيّة خوفاً من أن تفسد الوثنيّة عقله. مات والداه وهو شاب وله أخت صغيرة. فلم تبهره الأموال الطائلة التي ورثها بل بقي محافظاً على فضيلته. وعني بأمر شقيقته فكان لها الأخ الشفيق. سمع الكاهن يوماً يتلو الإنجيل ويقول: "إذا أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع كل شيء لك وأعطه للمساكين ليكون لك كنز في السماء وتعال إتبعني" (متى 21:19)... فكان لهذه الآية وقعها العميق في قلبه، فمضى وباع ما يملك تاركاً لشقيقته نسصيبها، ووزّع حصّته على الكنائس والفقراء واعتزل الدنيا، وتتلمذ لأحد النسّاك عائشاً حياة التقشّف والزهد، ولم يكن يقتات إلاّ مرّة واحدة في النهار.
وحسده الشيطان فهاجمه بكل قواه وبثّ في قلبه الأسف على ما خلّفه وراءه من شقيقة بحاجة إلى عنايته وأموال وضياع ومجد. أمّا هو فكان ينتصر على هذه التجارب بالصوم والصلاة. وبالرغم من إنتصاراته على التجارب لم يكن الشيطان لينفك عن منازلته.
وانفرد في الصحرا، ودخل قبراً قديماً أقام فيه عدّة شهور، وناوأه الشيطان كثيراً وهجم عليه مرّة بصورة وحوش ضارية من السباع والدببة والخنازير والحيّات والعقارب، فكان يقاومها بقوّة الصليب ويصلّي.
وحينئذٍ ظهر الرب يسوع له في نور أشرق من ذلك القبر وملأ قلبه تعزية وشدّد عزيمته. فهتف أنطونيوس بلهجة المستغيث "يا يسوع، أين كنتَ فيما كنت أغرق في أمواج هذه العاصفة؟" فأجابه الرب: "كنت هنا بالقرب منك، أشاهد آلامك وأفرح بانتصاراتك وسأكون دائماً معك وسأجعل إسمك كبيراً في الدنيا".
وبعد سنين عديدة مارس فيها أعمال النسك، شعر بدافع باطني إلى الإنفراد في صميم الصحراء وهو آنئذٍ في الخامسة والثلاثين من سنّه. واستأنف حياة التأمّل في صومعة طوال عشرين سنة إلى أن إكتشف الناس مقرّه. فأخذوا يأتونه من كل صوب. وطلب الكثيرون منهم أن يقبلهم في عداد تلاميذه. فأجاب طلبهم ونزل معهم إلى ضفاف النيل حيث أنشأ لهم ديورة عديدة تحيط بصومعته.
وكثرت أديرته فكان ينتقل فيها مشجّعاً على ممارسة القوانين الرهبانيّة، وله أقوال مأثورة: أذكر الأبديّة- ربما لا تعيش للمساء أو لا ترى النهار- قاوم التجربة بشجاعة- الشيطان يخاف من الأعمال الصالحة وإشارة الصليب تهزمه- أتقن عملك واعتبر كل عمل كأنّه الأخير. وفي سنة 311 ثار الإضطهاد بشدّة على المسيحيين، فهبّت نار الغيرة في قلب أنطونيوس فسار إلى الإسكندريّة يشدّد عزائم الشهداء ويرافق المسيحيين إلى المحاكم ويشجّعهم على الثبات في الإيمان.
ولمّا عاد أنطونيوس من الإسكندريّة عادت إليه الناس أفواجاً ليباركهم ويشفي مرضاهم. وكثر الزوّار جداً حتى ضاق بهم أنطونيوس ذرعاً، فهرب إلى قفار الطيّبة العليا، وعبر النهر بالقرب من مدينة بني سويف الحاليّة، ورافق قافلة من العرب ثلاثة أيام حتى وصل جبل القلزم الصخري المرتفع، فودّع العرب وطلب إليهم أن يحملوا إليه شيئاً من الزاد كلّما مرّوا به. وصعد الجبل وأخذ يختلي هناك في صومعة متابعاً حياته النسكيّة.
وبعد أن عثر رهبانه عليه، زار أدياره وحث الرؤساء والرهبان على مواصلة السير في طريق الكمال، ثم عاد إلى خلوته... وفي سنة 325 إذدادت هرطقة الآريوسيين تفشيّاً في الإسكندريّة، فدعاه القديس أثناسيوس، فلبّى الدعوة رغم كبر سنّه. فخرجت المدينة لإستقباله، فأخذ يحذّرهم من الهرطقة الآريوسيّة ثم عاد إلى جبله.
وكان كلّما تقدّم في السن إزداد كمالاً وتواضعاً رغم إجلال الملوك والشعوب له. فقد كتب إليه الملك قسطنطين يطلب صلاته ويلتمس أن يجيبه على رسالته، وكذلك أمراء البلاط القسطنتطيني. وكان شديد الإحترام للإكليروس حتى الأصغر سناً ودرجة فيهم، ويركع ويطلب بركة الأساقفة منهم. وكان يجلّ أثناسيوس لدفاعه عن الإيمان ضد الآريوسيين.
شعر أنطونيوس بدنو أجله فدعا تلميذيه الأقربين مكاريوس وأماسيوس وقال لهما: إثبتا في الإيمان، لا تدفنا جسدي باحتفال ولا تعلما أحداً بمقرّي. وزّعا ثيابي: فردائي الأول للبطربرك أثناسيوس وقد وهبني إيّاه جديداً وأعيده إليه، والثاني إلى سيرابيون أسقف توميس، والمسح لكما وباركهما وتمدّد ومات. فعمل تلميذاه كما قال، ورقد بسلام في 17 كانون الثاني سنة 356 وله من العمر مئة وخمس سنين.
القديس البار انطونيوس الكبير أبو الرهبان (بحسب الكنيسة الأورثوذكسيّة)
كتب سيرة أبينا البار القديس أنطونيوس الكبير رئيس أساقفة الإسكندرية القديس أثناسيوس الكبير. وجّهها لمنفعة الرهبان بناء لطلبهم. كما ورد بعض أخباره في مصادر أخرى.
ولد القديس أنطونيوس في قرية صغيرة في صعيد مصر تدعى كوما قرابة العام 250م. كان أهله من أعيان البلد، ذوي ثروة يعتدّ بها، مسيحيّين فنشأ على التقوى. وكانت له أخت أصغر منه سنّاً. اعتاد ملازمة البيت إلا للضرورة أو للخروج إلى الكنيسة. ولمّا يشأ أن يحصّل العلم الدنيوي تجنّباً للخلطة بالناس. لكنه كان يصفي جيِّداً لما يُقرأ عليه ويحفظه في قلبه. سلك في بساطة وامتاز بكونه رضيّاً وعفّ عن الملذات.
لما توفّي والده تأمّل فيه وقال: تبارك الله! أليست هذه الجثّة كاملة ولم يتغيّر منها شيء البتة سوى توقّف هذا النفس الضعيف؟! فأين هي همّتك وعزيمتك وسطوتك العظيمة وجمعك للمال؟! ثم أردف: إن كنت أنت قد خرجت بغير اختيارك فلا أعجبنّ من ذلك بل أعجب أنا من نفسي إن عملتُ مثل ما عملت أنت. وقد ذكر القدّيس أثناسيوس الكبير أنه ترك العالم بعد وفاة أبيه بستّة أشهر. فيما ذكرت مصادر أخرى أنه ترك والده بغير دفن وخرج يهيم على وجهه مخلّفاً وراءه ما كان له من مال وأراضٍ وخدم. لسان حاله كان: ها أنا أخرج من الدنيا بإرادتي كيلا يخرجوني مثل أبي رغماً عنّي. عمره، يومذاك، كان ثمانية عشر أو ربما عشرين ربيعاً.
انصرف أنطونيوس إلى النسك متأمّلاً في ذاته، متدرِّباً على الصبر. لم يكن في بلاد مصر يومذاك أديار. فقط بعض الشيوخ كان يتنسّك، هنا وثمّة، في مكان قريب من بيته أو قريته. فتّش أنطونيوس عن مثل هؤلاء في جواره فوجد بعضاً. كان منهم، على حد تعبير القدّيس أثناسيوس، "كالنحلة الحكيمة" لا يرجع إلى مكانه إلا بعدما يراهم ويتزوّد لديهم بما ينفعه في طريق الفضيلة. يتعلّم من الواحد الفرح ومن الآخر الصلوات الطويلة. من هذا التحرّر من الغضب ومن ذاك الإحسان. يأخذ عن فلان السهر وعن فلان الصبر وعن فلان النوم على الأرض. لاحظ وداعة هذا وطول أناة ذاك، وتشدّد بإيمان هذا ومحبة ذاك.
كان أنطونيوس جالساً في قلايته، يوماً، فاستبدّ به روح ملل وصغر نفس وحيرة فضاق صدره وأخذ يشكو إلى الله حاله قائلاً: أحبّ يا رب أن أخلص، لكن الأفكار لا تتركني، فماذا أعمل؟ فجأة رأى إنساناً جالساً أمامه يلبس رداء طويلاً، وهو متّشح بزنّار صليب كالإسكيم الرهباني، وعلى رأسه قلنسوة. وأخذ الرجل يضفر الخوص. ثم قام للصلاة. ثم جلس من جديد وأخذ يعمل في ضفر الخوص وهكذا دواليك. كان هذا ملاكاً من عند الله جاء يعزّي القدّيس ويقوّيه ويعلّمه. لذلك قال له: "اعمل هكذا تسترح!".
من ذلك الوقت، اتخذ أنطونيوس الزيّ الذي رأى الملاك متّشحاً به وصار يصلّي ويعمل على الوتيرة التي رآه يعمل بها، فاستراح بقوة الرب يسوع.
كان أنطونيوس يصلّي باستمرار ويعمل بيديه. أما عمله فكان يبيعه ويستعين بالمحصلة لتأمين حاجة نفسه إتماماً لما قيل "بعرق جبينك تأكل خبزك". أما الباقي فكان يوزّعه على الفقراء.
إلى ذلك كان يصغي إلى تلاوات الكتاب المقدّس ما وسعه إلى ذلك سبيلاً ويجهد حتى لا يسقط شيء مما يتلى على الأرض. همّه كان أن يحفظه ليكون في ذاكرته بديلاً عن الكتاب المقدّس.
لم ترق غيرة أنطونيوس لعدو الخير فأخذ يتصدّى له بقوة متزايدة. أخذ يذكّره بالممتلكات التي خلّفها وراءه ليبثّ فيه الأسى، وبأخته التي أهملها ليشعره بالذنب. عظّم لديه حلاوات مودّة الأقرباء وأطايب العيش. لو بقي في قومه لنفعهم وكان فيهم سيِّداً. نفخ فيه الشرّير روح المجد الباطل. ذكّره، بالمقابل، بصعوبات الفضيلة وجهاداتها. لفته إلى ضعف جسده وطول المدة التي ينبغي عليه تمضيتها في أتعاب قد لا تتمخّض في النهاية عن شيء. وشوش له أن جهده هذا مضيعة للوقت فيما الشباب يعبر ولا يعود. أثار في ذهنه الأفكار القبيحة ودغدغه في جسده وظهر له في الليل بهيئة امرأة لعوب. كل هذا وغيره قاومه أنطونيوس بالثبات والعزم والإيمان بالله والصلاة المستمرة والصوم وذكر الموت والنار والدود. وبنعمة الله غلب.
لم يطق عدو الخير غلبة الشاب عليه. أخذ يصرّ بأسنانه وكأنه خرج من طوره. أخذ يظهر له في الخيال كعبد أسود. كفّ عن مهاجمته بالأفكار واتخذ صوتاً بشرياً. سأله أنطونيوس من أنت؟ فقال: أنا صديق الزنى. أنا من ينصب فخاخ الزنى ويثير الدغدغة في الشباب. أنا روح الزنى. فاعتصم أنطونيوس بالله وواجه الشيطان بشجاعة قائلاً: أنت تستحق كل احتقار! أنت مظلم العقل وعديم القوة! مثلك مثل ولد صغير! لن أهتمّ لك بعد اليوم لأن معيني الرب. فلم يعد الشيطان يجسر على الدنو منه. غادره بأصوات مخنوقة من الخوف.
تحصينه لنفسه: لم يظهر أنطونيوس أي تكاسل أو تراخ لانتصاره على الشيطان. كان يعرف أن الشيطان لا بدّ أن يعيد الكرّة وبطرق أخرى "لأن الشيطان ربيب الخطيئة". لهذا السبب زاد أنطونيوس من قسوته على نفسه. فكثيراً ما كان يمضي الليل ساهراً في الصلاة. لا يأكل سوى مرة واحدة في اليوم، بعد غروب الشمس، أحياناً كل يومين وأحياناً كل أربعة أيام. طعامه كان الخبز والملح والماء. لا ينام إلا قليلاً على الأرض، ولا يمتّع نفسه بأية لذّة جسدية. يبدأ حياته النسكية من جديد كل يوم وكأنه أول يوم له في النسك. همّه كان أن يظهر أمام الله طاهر القلب، مستعداً للسلوك في مشيئته بكل قواه.
ولكي يضيِّق أنطونيوس على نفسه طلب السكنى في قبر، بعيداً عن القرية. طلب من أحد معارفه أن يأتيه بالخبز. أغلق عليه صاحبه الباب وانصرف. فاهتاج الشيطان وأبالسته وكأن أنطونيوس جاء يهاجمه في عقر داره، في مقر الموت. فانقضّ عليه، ذات ليلة، وجرّحه كثيراً حتى سقط على الأرض. كان الألم عليه شديداً، أشدّ من ضربات الإنسان بمقادير، ولم تعد فيه قوة على الكلام. لكن، بعناية الله، أتى صاحبه في اليوم التالي يحمل الخبز. فلما فتح الباب رآه مطروحاً على الأرض كالميت فحمله إلى كنيسة القرية حيث تحلّق حوله الناس تحلّقهم حول رجل ميت. لكنه استردّ وعيه في نصف الليل. وإذ وجد الجميع نياماً إلا صاحبه أشار إليه بأن يعود به إلى القبر.
لم يقوّ أنطونيوس في القبر على الوقوف. استلقى على الأرض وأخذ يصلّي. ثم صرخ بقوة: أنا هو أنطونيوس! أنا هنا! لن أهرب من جراحاتكم! لا شيء يفصلني عن محبة المسيح. إني ولو اصطفّ عليّ عسكر فإن قلبي لا يخاف (مزمور26). فجمع الشيطان كلابه وهاجمه من جديد. بدا المكان كما في زلزلة وبدت الجدران مفتوحة والأبالسة تدخل وتخرج منها بشكل حيوانات متوحّشة وزحّافات. ثم أخذت تصوّر له وكأنها تنقضّ عليه لكنها لم تقترب منه ولا مسّته بأذى. غير أن ضجيج الأشباح كان مخيفاً وغضبهم عنيفاً. الضغطة عليه قوية كانت. ألمه الجسدي كان شديداً. بدا كأنه يُجلد ويُنخس. لكنه كان صاحياً، ساهراً، ساكن القلب. قال وهو يهزأ بالشياطين: لو كنتم تملكون القوة لكفاكم أن يأتي عليّ حيوان واحد منكم، لكن الرب جعلكم عديمي القوة!
وإذ رفع أنطونيوس نظره إلى سقف المقبرة رآه ينفتح شيئاً فشيئاً. وإذا بشعاع من النور ينزل عليه. فجأة اختفت الشياطين وزال ألم جسده وعاد البناء كما كان. فتنفّس أنطونيوس الصعداء وأدرك أنّه ربّه في النور فسأله: أين كنت؟! لماذا لم تظهر قبل الآن لتريحني من العذاب؟ فأتاه صوت يقول له: كنت هنا يا أنطونيوس. كنت انتظر جهادك. وبما أنك صبرت ولم تُهزم فسأكون لك عوناً على الدوام وسأعمل ليكون اسمك معروفاً في كل مكان. فلما بلغه الصوت تقوّى فنهض وصلّى وأحسّ بجسده أكثر قوة من ذي قبل. عمره، يومذاك، كان خمسة وثلاثين عاماً.
بعد ذلك خرج أنطونيوس إلى الصحراء. لم يتخلّ الشيطان عن ألاعيبه. جعل له في سبيله قرصاً فضياً كبيراً وذهباً كثيراً فجاز بالكل وهو عالم أنه من الشرّير لإعاقته وإلهائه. ولما وجد عبر النهر حصناً مهجوراً مليئاً بالزحّافات عبر إليه وسكن فيه فهربت الزحّافات. أقفل على نفسه عشرين سنة لا يقبل الخبز إلا مرتين في السنة من السقف. فلما رغب قوم في الاقتداء به في نسكه أتوا وفتحوا الباب عنوة فخرج إليهم كمن هيكل الله، فتعجّبوا لأنهم رأوه في حالته المعتادة. لا ترهّل ولا ضعف. كان عقله راجحاً وحالته طبيعية. لم يكن عابساً ولا ضاحكاً. وقد أعطى الرب الإله بواسطته الشفاء لعدد كبير من المرضى الحاضرين وطهر آخرون من الشياطين. كما أعطاه الرب نعمة كبيرة في الكلام فعزّى الحزانى وصالح المتخاصمين. قال لهم: ينبغي ألا نصنع في العالم شيئاً أرفع من محبة المسيح. حثّهم على تذكّر الخيرات الآتية ومحبة الله للإنسان، وأقنع الكثيرين باختيار حياة التوحّد. هكذا نشأت الأديار على الجبال واستحالت الصحراء مدينة.
كلّم القديس أنطونيوس جماعة من الرهبان، مرة، قال: الكتاب المقدّس كاف للتعليم؛ لكن، حسناً أن يشدّد الواحد الآخر في الإيمان وأن نطيِّب النفس بالكلام الروحي. لا نفكِّرن في الرجوع إلى الحياة الدنيا بعد أن خرجنا منها. لا نقل إننا عتقنا في الحياة النسكية بل ليزد حماسنا وكأننا نبدأ كل يوم. كل ما في العالم نقايضه بشيء يساويه، أما وعد الحياة الأبدية فيُشرى بسعر بخس. إذا ما تركتم بيتاً أو ذهباً فلا تفتخروا ولا تكتئبوا. ما لم نكفر بكل شيء من أجل الفضيلة فسنتركه حتماً ساعة يأتي الموت، وعلى الأرجح لأناس لا نريدهم. لنثبت في نسكنا كل يوم عالمين أننا إن تهاونّا يوماً واحداً فلن يسامحنا الله بسبب ماضينا الحسن بل سيغضب علينا لتهاوننا.
إذا ما عشنا وكأننا نموت كل يوم فلن نخطأ. لنجاهد ناظرين دائماً إلى يوم الدينونة لأن الخوف والصراع ضد التجارب يحبطان سهولة اللذّة وينهضان النفس الساقطة. لا تخافوا عندما تسمعون عن الفضيلة لأنها ليست ببعيدة عنا وليست خارج أنفسنا بل فينا. الفضيلة أمر سهل يكفي أن نريده. روحانية النفس من طبيعتها، أي أن تكون مستقيمة كما خُلقت. اكتساب الفضيلة صعب عندما نضطر للبحث عنها خارج أنفسنا. أما إذا كانت فينا فلنحفظ أنفسنا من الأفكار الدنسة. لنجاهد كي لا يطغى علينا الغضب ولا تتسلّط علينا الشهوة. أعداؤنا مرعبون وخدّاعون وصراعنا هو ضدّهم. جمهرتهم كثيرة في الجو وهي ليست بعيدة عنا وأنواعها متعدّدة. يريدون إعاقتنا عن الارتفاع إلى السماوات حسداً لأنهم من هناك سقطوا. نحتاج إلى الصلاة الكثيرة والنسك لنحصل من الروح القدس على موهبة تمييز الأرواح. يجب على كل واحد منا أن يصلح سواه وفق خبرته مع الشياطين. لا تخافوا من هجماتهم لأنهم يُهزمون حالاً بالصلوات والأصوام والإيمان بالرب. لكنهم لا يتوقّفون عن الهجوم. يقتربون بغش وخبث، بالشهوة الدنسة، بالخيالات. لا نرتعب من الخيالات. ليست هي بشيء وتختفي بسرعة. يكفي الإنسان أن يحمي نفسه بالإيمان وإشارة الصليب. الشياطين وقحون جداً. هكذا يظهر رئيس الشياطين: "عيناه كهدب الصباح. من فمه تخرج مصابيح مشتعلة. شرار نار يتطاير منه. من منخاريه يخرج دخاناً كما من قدر منفوخ أو من مرجل. نَفَسُه يشعل كالجمر واللهيب يخرج من فمه" (أيوب4). يرعب ويتكلم بفخر واعتزاز. علينا ألاّ نخاف من ظهوراته ولا نأبه لكلماته لأنه كاذب ولا يتكلّم بالصدق أبداً. والمخلّص قبض عليه بصنّارة ووضع الرسن في فكّه كالدابة وكهارب أوثق منخره وثقب شفتيه. أوثقه الرب حتى نسخر منه.
والشياطين قادرة على أن تأخذ الشكل الذي تريده. فكثيراً ما تتظاهر، وهي مختفية، بأنها ترتّل أو تتلو أقوالاً من الكتاب المقدّس. أحياناً تردّد ما نقرأه وكأنها صدى. تارة تنهضنا للصلاة كي لا ننام. تفعل هذا باستمرار لتمنع عنا النوم. تتخذ أحياناً شكل الرهبان وتتكلّم بتقوى لتخدعنا. تجرّ الذين خدعتهم إلى حيث تريد. لذلك لا نصغينّ إليها حين تنهضنا للصلاة وحين تنصحنا بألا نأكل أبداً وتتهمنا وتوبُخنا في أمور وافقتنا فيها سابقاً. والشياطين تسعى لتقود المستقيمين إلى اليأس، مظهرة لهم إن الحياة النسكية غير نافعة. تثير فيهم الاشمئزاز وتجعلهم يظنون أن الحياة الرهبانية حمل ثقيل.
ومع أن الشياطين اعترفت بالحقيقة للرب: "إنك أنت ابن الله" (لوقا4) فقد أغلق أفواهها وأعاقها عن الكلام خوفاً من أن تزرع الشر مع الحق، ومن أن نألفها ونصغي إليها، حتى ولو نطقت بالحق. فمن غير اللائق أن نتعلّم من الشيطان الذي لم يحافظ على مركزه.
وبما أن الشياطين لا تقدر على شيء فإنها تلجأ إلى التهديد، إذ لو كانت ذات قوة لما تردّدت في ارتكاب الشر حالاً ولما تركت مسيحياًَ واحداً على قيد الحياة.
السلاح الكبير ضد الشياطين هو حياة مستقيمة وإيمان بالله. فهي تخاف صوم النسّاك وسهرهم وصلواتهم ووداعتهم وسكينتهم وعدم محبّتهم للفضّة وكرههم للمجد الباطل واتضاعهم ومحبّتهم للفقراء وإحساناتهم وعدم غضبهم، وقبل كل شيء إيمانهم بالمسيح.
وإذا ما تظاهرت الشياطين بالنبوءة فلا تبالوا بها. إنها لا تعرف الأمور التي لم تحدث. وحده الله يعرف كل شيء قبل حدوثه. للشياطين أجساد أكثر خفّة من أجساد الناس لذلك تسرع وتخبر بأشياء حدثت بالفعل. وهي لا تفعل هذا حباً بالناس بل لتقنعهم بأنها قادرة فيثقوا بها؛ ومتى ملكتهم انقضّت عليهم وأهلكتهم. وهي تقوى على التخمين ولا تقوى على المعرفة المسبقة. فلا نعجبنّ بها ولو تكلّمت بالصدق أحياناً. ثم ماذا ينتفع الذين يصغون إلى الشياطين إذا ما عرفوا المستقبل قبل أيام؟ المعرفة لا تصنع الفضيلة ولا هي علامة الخُلق الصالح. لا يدان أحد لأنه يجهل المستقبل ولا يُطوَّب لأنه يعرفه. بل سيحاكم المرء على صونه الإيمان وحفظه الوصايا.
لا نتعبنّ للحصول على معرفة المستقبلات بل لإرضاء الله بسيرتنا. وأنا أؤمن أن النفس المتطهِّرة من الأفكار الشرّيرة والمحافظة على الطبيعة التي خلقها الرب فيها تقدر أن تكون رائية أكثر مما يرى الشيطان، لأنها تملك الرب الذي سيعلن لها كل شيء.
أما كيف نفرِّق الأرواح الشرّيرة عن الأرواح الصالحة فالرب يعطينا قوة التمييز بينها. لا يكون ظهور الأرواح الصالحة مرعباً بل هادئاً. تخلق فرحاً في النفس وشجاعة. والأفكار التي تولّدها تبقي النفس غير متزعزعة إلى أن تنيرها من هذا الفرح فتعرف. والأرواح الصالحة تطرح الخوف بالمحبة التي تظهرها كما فعل الملاك الذي ظهر للنسوة عند قبر الرب وعندما ظهر للرعاة. أما هجوم الأرواح الشرّيرة وظهورها الخيالي فترافقه جلبة وضربات وأصوات وصراخ كهجوم الأولاد الأشرار واللصوص. ومتى ظهرت ساد الرعب واضطراب النفس وتشويش الفكر والتهجّم والتهامل والحزن وتذكّر الأقرباء وخوف الموت. وفوق ذلك نتجت رغبة في الشر وكسل في اكتساب الفضيلة واضطراب في الخُلق. إذا رأيتم روحاً واعتراكم الخوف أولاً ثم حلّ محل الخوف فرح لا يُعبّر عنه وحماس وشجاعة وإقدام ومحبّة لله فتشجّعوا وصلّوا للرب. أما إذا رأيتم أرواحاً أثارت فيكم اضطراباً وضربات خارجية وتخيّلات دنيوية وتهديداً بالموت فاعلموا أن هذا هجوم من الأرواح الشرّيرة.
وتكلّم القديس أنطونيوس عن نفسه، قال: كم من مرة طوّبتني الشياطين وباسم الرب أبدتها! أتت مرّة في الظلام حاملة نوراً خيالياً وقالت: أتينا لننيرك يا أنطونيوس فأغلقت عينيّ وصلّيت فانطفأ نور الأشرار للحين. أتتني ترتّل وتتفوّه بآيات كتابية فكنت كأصمّ لا يسمع! ظهر لي مرة شيطان متعظّم طويل القامة جداً وتجرّأ على القول: أنا هو قوّة الله، أنا هو العناية الإلهية، ماذا تريد أن أعطيك!؟ أما أنا فذكرت اسم المسيح وبصقت عليه وأعتقد بأني لطمته. وحالما سمع اسم المسيح اختفى ومن معه. مرة كنت صائماً فأتاني الشيطان كراهب وفي يده خبز خيالي وقال لي: كلْ وكفّ عن العذابات الكثيرة. أنت إنسان وسوف تمرض! فأدركت حيلته ونهضت للصلاة فاختفى للحين.
عندما تأتي الشياطين إلينا فإنها تعاملنا بحسب حالتنا النفسية مكيِّفة التخيلات التي تثيرها وفق أفكارنا وتفعل بمغالاة ما تجدنا مفكّرين فيه. فإذا وجدتنا خائفين أكثرت التخيّلات والتهديدات لتعذِّب النفس الشقيّة. وإذا وجدتنا فرحين بالرب، مفكِّرين في الصالحات ابتعدت عنا خازية. فلكي نزدري العدو علينا أن نتذكّر الإلهيات دائماً وأن تكون نفسنا فرحة.
وساد الكنيسة اضطهاد في زمن الإمبراطور الروماني مكسيميانوس. فترك القديس أنطونيوس منسكه وتبع الشهداء القدّيسين إلى الإسكندرية. حرّكه الشوق إلى موت الشهادة. لم يسلم نفسه بل خدم المعترفين بالإيمان في السجون والمناجم وشدّدهم أمام المحاكم. كان يقبِّل الشهداء ويرافقهم حتى يقضوا نحبهم. وقد عرّض نفسه للموت مراراً. كان يصلّي لكي يستشهد لكن الرب حفظه من أجل منفعتنا ومنفعة الآخرين. وعندما رأى الكثيرون أسلوب حياته رغبوا في الاقتداء به.
لما رأى القدّيس أنطونيوس أن الناس يقمعونه ولا يتركون له فرصة للخلود إلى النسك على هواه فكّر في الصعود إلى ثيبة العليا حيث لا يعرفه أحد، لكن صوتاً جاءه وقال له أن يدخل إلى الصحراء الداخلية. ولكي يتبيّن الطريق إلى هناك مرّت به جماعة من البدو رضيت أن يصحبها. فبعدما سار ثلاثة أيام وثلاث ليال أتى إلى جبل عال فيه مياه عذبة باردة وسهل يضمّ أشجاراً من النخيل.
عاش أنطونيوس هناك وحيداً أوّل الأمر وكان البدو يمرّون به ويقدّمون له بعض الخبز. اكتفى بالخبز والبلح. ثم عرف تلامذته مكان وجوده فأخذوا يرسلون إليه الطعام. كما أتوه بمعول وفأس وبعض القمح فأخذ يفلح الأرض ويزرعها. قصده كان أن يأكل من تعبه ويخفّف عن الإخوة مشقة تزويده بما يحتاج إليه. كما زرع بض الخضار لأن قوماً كانوا يزورونه، فأحب أن تكون لهم الخضار عزاء. وكانت الوحوش تأتي وتشرب من الماء في بقعته، وكثيراً ما أتلفت مزروعاته. فأمسك وحشاً بلطف مرة وقال له: لماذا تسبّبون لي الأذى وأنا لا أصنع بكم شرّاً؟ باسم الرب يسوع ابتعدوا عن المكان! من ذلك الحين لم تعد الوحوش تقترب.
اثنان من الرهبان كانا ذاهبين مرة إلى الدير فنفد ماؤهما في الطريق، وكانا على بعد يوم واحد فمات أحدهما وأشرف الثاني على الموت. في تلك الساعة استدعى القديس أنطونيوس في الجبل راهبين وقال لهما: خذا جرّة ماء واحملاها بسرعة إلى الطريق المؤدّي إلى مصر. هناك تجدان راهبين أحدهما مات والآخر ينتظر الموت ما لم تسعفوه. هذا ما أعلنه الله لي فيما كنت أصلّي. ولما وصل الراهبان إلى المكان وجدا كما قال لهما القدّيس فأعانا الحي فانتعش ودفنا الميت. ولعلّ سائلاً يسأل: لماذا لم يتكلّم أنطونيوس قبل موت الثاني؟ هذا قول في غير محلّه لأن حكم الموت لم يكن في يد القدّيس بل في يد الله الذي حكم على الواحد بالموت وأعلن عن الآخر للحياة.
وفيما كان أنطونيوس جالساً في الجبل، مرة، رفع عينيه إلى السماء فرأى إنساناً مرتفعاً ورأى الذين يصادفونه فرحين جداً. وفيما كان القدّيس يتعجّب ويطوِّب هذا المصف الجليل صلّى لكي يعرف من هو. فأتاه صوت يقول له إنها نفس آمون راهب نترية. المسافة بين الجبل ونترية كانت ثلاثة عشر يوماً. فأخبر أنطونيوس تلاميذه أن آمون مات منذ برهة. فلما مضى ثلاثون يوماً على ذلك، أتى بعض الإخوة من نترية وأخبروا عن موت آمون الشيخ في نفس اليوم ونفس الساعة التي أخبر عنها أنطونيوس.
كذلك أخبروا أنه لما نزل أنطونيوس إلى الأديار الخارجية طلب منه الرهبان أن يصعد إلى السفينة ليصلّي معهم. فاشتمّ رائحة نتنة جداً فسأل عما تكون، فنفى ركاب السفينة أن يكون على ظهر السفينة غير السمك المملّح. وفيما أنطونيوس متحيِّر متسائل إذ بشاب فيه أرواح نجسة، وكان مختبئاً، يظهر ذاته. فزجر أنطونيوس الشيطان باسم الرب يسوع فخرج منه وعاد الرجل صحيحاً. إذ ذاك تبدّدت رائحة النتن بالكلّية.
نهض أنطونيوس، مرة، للصلاة في الساعة التاسعة فشعر بأنه يُخطف عقلياً. كان ينظر إلى نفسه وكأنه واقف خارجها، كما أحسّ بأن هناك من يقوده في الفضاء. غير أن جماعة من الأرواح الشرّيرة اعترضت سبيلهم وطلبت أن تعرف ما إذا كان أنطونيوس مسؤولاً أمامها أم لا. ولما رغبوا في محاسبته على أعماله منذ يوم ولادته لم يسمح لهم الذين كانوا يصطحبونه قائلين: كل شرّ فعله من يوم ولادته محاه الرب. ولكن مسموح لكم التحدّث عما فعله من اليوم الذي صار فيه ناسكاً وأعطى الرب وعداً. وإذ كانت التهمة من دون إثبات خلت طريقه من العوائق. فلما عاد أنطونيوس إلى نفسه رأى أنه واقف أمام ذاته، فاندهش لأنه عرف كم علينا أن نحارب من الأعداء وبأية أتعاب سيعبر المرء الفضاء.
كان أنطونيوس يحترم قوانين الكنيسة ويجلّ الإكليروس ويحني رأسه للأساقفة والكهنة. لم يكن يخجل من أن يتعلّم من أحد. كما كان يطرح الأسئلة ويرجو أن يسمع آراء الإخوة. وإذا ما اتفق أن وُجد وسط جمهرة من الرهبان وأراد أحدهم التعرّف إليه، كان يدنو منه على الفور ويوجّه كلامه إليه. لم يكن مختلفاً عن باقي الرهبان في طول قامته وعرضها بل خُلُقه وطهارة نفسه. نفسه هادئة وحواسه مستكينة ووجهه وضّاء لفرحه بالرب. كل حركات جسده كانت تعكس حالة روحه. ولم يكن عابساً أبداً.
وكان للقدّيس دوره في دحض عدد من الهرطقات التي شاعت في زمانه. لم يكن في شركة وأتباع مليتيوس، أسقف ليكوبوليس المصرية، الذي سام أشخاصاً من خارج أبرشيته فأحدث شقاقاً دام سنوات. كما علّم أن مصادقة المانويين، القائلين بإلهي الخير والشر، دمار للنفس. وأوصى بعدم الاقتراب من الآريوسيين أو مشاركتهم معتقدهم الوخيم. وقد طرد الآريوسيّين الذين أتوا إليه في الجبل ليكلّموه. قال إن كلامهم أخطر من سمّ الأفاعي.
يذكر أن أنطونيوس نزل من الجبل وأتى إلى الإسكندرية ليشهد للإيمان القويم ويشجب الآريوسية. قال: هذه الهرطقة سابقة للمسيح الدجّال ولا يختلف أتباعها عن الوثنيّين في شيء. وقد أخرج الرب الإله على يديه، هناك، شياطين كثيرة. كما أثّر في نفوس العديد من الوثنيّين حتى قيل إن الذين اعتنقوا المسيحية بفضله، في أيام قليلة، فاق الذين يعتنقونها في سنة كاملة. ولما أراد قوم إبعاد الجموع عنه لئلا يزحموه ويزعجوه أجاب: ليست الجموع أكثر عدداً من الشياطين التي نصارعها في الجبل!
لم يتعلّم القديس أنطونيوس القراءة والكتابة، لكنه كان رجلاً ذكياً حكيماً. جاءه مرة فيلسوفان فعرفهما من وجهيهما وقال لهما من خلال مترجم: لماذا أتعبتما نفسيكما في المجيء للقاء رجل أحمق. ولما قالا له إنه ليس أحمق بل حكيماً، أجابهما: إذا ابتغيتما رجلاً أحمق فباطلاً تعبتما وإذا حسبتماني فطناً فكونا مثلي لأن المرء يحبّ أن يقتدي بالخير. فتعجبّا منه وتركا المكان.
وظنّ فلاسفة آخرون، أتوا إليه، أن بإمكانهم أن يسخروا منه، فسألوه: هل العقل سبب العلم أم العلم سبب العقل؟ أجاب: ذو العقل الصحيح لا يحتاج إلى العلم! فاندهشوا وذهبوا متحيّرين.
هذا ولم يكن أنطونيوس فظّ الخُلق بسبب عيشه في الجبل بل كان فرحاً واجتماعياً، وكان القادمون إليه يُسرُّون به.
مرة، حاول بعض الفلاسفة استعمال القياس المنطقي في كلامهم على الصليب الإلهي، فحدّثهم طويلاً ثم ختم حديثه بالقول: أنتم لا تؤمنون بالله لأنكم تطلبون مقاييس منطقية. نحن لا نعتمد أساليب الحكمة الهلينية في الإقناع بل نُقنع بالإيمان الذي يسبق الصناعة المنطقية. وكان هناك، قريباً منه، مرضى بهم شياطين فأقامهم في الوسط قائلاً: أبرئوا هؤلاء بقياسكم المنطقي أو بأي فن آخر أو بالسحر وادعوا أصنامكم! فإذا كنتم لا تقدرون على إخراج الشياطين فأوقفوا حربكم ضدّنا فتروا قوة صليب المسيح. ولما قال هذا دعا باسم يسوع ورسم إشارة الصليب ثلاث مرّات على المرضى فنهضوا للحين كاملي العقل يسبّحون الله. فتعجّبوا وانصرفوا بعدما قبّلوه واعترفوا بالفائدة التي نالوها منه.
يذكر أن آخر الدراسات بشأن رسائل القدّيس أنطونيوس السبعة بيّن أن قدّيسنا لم يكن أميّاً وكان يعرف اليونانية بعضاً وكان عارفاً ببعض التيّارات الفلسفية، أقله في المستوى الشعبي، كما كان متأثّراً بفكر المعلمين اللاهوتيين المصريّين، أمثال أوريجنيس وكليمنضوس الإسكندري.
جاء إلى أنطونيوس، مرة، قائد عسكري ورجاه أن ينزل من الجبل لمقابلته فنزل وكلّمه وطلب العودة سريعاً، فتمنى القائد عليه أن يبقى معه مدّة أطول فأجابه: إذا بقي السمك على اليابسة طويلاً مات، وإذا أقام الرهبان بين الناس طويلاً أصيبوا بالتراخي.
وكان جبل القديس أنطونيوس جبلين، واحد خارجي وواحد داخلي. وقد اعتاد زيارة الرهبان في الجبل الخارجي. فلما أتاهم مرة عرّفته العناية الإلهية أنه على وشك المغادرة إلى ربه فكلّمهم قائلاً: هذه هي زيارتي الأخيرة لكم. لا أدري إذا كنا سنلتقي في هذه الحياة بعد اليوم. حان وقت رحيلي وقد بلغت مائة عام وخمسة. فبكوا وعانقوه. فكلّمهم وكأنه يترك مدينة غريبة ليعود إلى مقرِّه. أوصاهم ألا يتهاملوا في الأتعاب ولا يكلّوا في النسك بل أن يعيشوا وكأنهم يموتون كل يوم. كما أوصاهم بحفظ أنفسهم من الأفكار الدنسة، والسلوك في غيرة القدّيسين وحفظ تقليدات الآباء. ثم غادرهم.
بعد أشهر قليلة مرض فدعا الناسكين اللذين كانا معه خمسة عشر عاماً وخدماه في شيخوخته. قال لهما: ها أنا أسير على طريق الآباء والرب يدعوني. فكونا صاحيين. اهتما بالحفاظ على غيرتكما كما لو كنتما في البداءة. تنفّسا المسيح دائماً و آمنا به. تذكّرا نصائحي. اتحدا أولاً بالمسيح ثم بالقدّيسين الذين ستلتقيانهم بعد الموت في المساكن الأبدية. لا تفسحا في المجال للآخرين بنقل جسدي إلى مصر كي لا يضعوه في بيوتهم. ادفنا جسدي تحت التراب ولا يعرف أحد غيركما المكان لأني سأحصل عليه بلا فساد في قيامة الأموات. وزّعا ثيابي. أعطيا أثناسيوس ثوبي الذي كان كفراش لي والأسقف سرابيون ثوبي المفرّى الآخر، واحتفظا أنتما بكسائي المكسو بالشعر.
وحالما قال هذا عانقاه فمدّ رجليه ونظر إليهما كصديقين قادمين إليه، وفرح جداً والتمع وجهه بهاءً. ثم مات وانضمّ إلى الآباء.
وقد ختم القديس أثناسيوس سيرة القديس أنطونيوس بالقول إنه لم يُعرف بسبب مؤلفاته ولا بسبب حكمة خارجية أو فن ما بل بسبب اتّقائه لله. فلا أحد ينكر إنها موهبة من الله، إذ كيف وصلت شهرته إلى إسبانيا وفرنسا وروما وإفريقيا وهو قابع في الجبل لو لم يكن من أخصّاء الله؟ فحتى لو عمل أخصّاؤه في الخفاء وسعوا إلى تجنّب انتباه الناس فإنهم يعرفون.
ثم خاطب القديس أثناسيوس الرهبان الذين وجّه إليهم كتابه فحثّهم على قراءته على بقية الإخوة ليعرف الجميع كيف يجب أن تكون حياة الرهبان ويقتنعوا بأن الرب يسوع يمجِّد الذين يمجِّدونه ويقود الذين يخدمونه إلى النهاية.
وفي مثل هذا اليوم أيضًا: القديس الشهيد الجديد جاورجيوس يوانّينا الأبيري السائس
من عائلة فقيرة. عمل لدى ضابط تركي كسائس عربات. بقي على مسيحيته رغم كل شيء. كان الأتراك يدعونه حسن. تزوج مسيحياً. ادّعى بعض الاتراك أنه مسلم واسمه حسن. وان زواجه المسيحي فعل ردّة .
دافع عن نفسه، ولكن تمكن الأتراك زوراً من استصدار حكم اعدام بحقه ما لم يصر مسلماً. تمسك بإيمانه بالمسيح فجرى إعدامه شنقاً. قيل انبعث منه الطيب وعاين حراسه نوراً إلهياً ينزل عليه. كما جرت بواسطته، وقت مراسم الدفن، عجائب جمة.
تذكار أبينا البار القدّيس المتوشّح بالله أنطونيوس الكبير (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)
ولد أنطونيوس نحو سنة 251 في مدينة كوما، في صعيد مصر، أيام كانت النصرانيّة لا تزال رازحة تحت تهديدات سيوف القياصرة الرومانيّين المضطهدين.
ونشأ أنطونيوس في بيت كريم من أرباب الوجاهة والغنى. إلاّ انّه كان ميّالاً منذ نعومة أظفاره إلى التقوىوالتمسّك بأهداب الفضيلة، وازدراء ملذّات هذه الدنيا ونعيمها. ولم يرغب في العلوم العالية والآداب اليونانيّة، خوفاً من أن تفسد الوثنيّة عقله وتنال من فضيلته.
ومات والداه وهو شاب يافع، وله أخت صبيّة أصغر منه. فلم تبهره الأموال الطائلة التي ورثها، ولم يزهُ بغناه، ولم يسرع راكضاً إلى أطايب الحياة ومفاسد الدنيا، بل بقي محافظاً على فضيلته وطهارته، متمسّكاً بجبال التقوى، مزدرياً بغرور الحياة ونعيمها.
وعني بأمر شقيقته، فكان لها الأخ الصالح المحب الشفيق، وسياجاً ضد هجمات خداع عصره، ولاسيّما وقد كانت شابة حديثة السن، كريمة الحسب والنسب، وافرة الغنى.
وكان أنطونيوس دائم التأمّل بالإلهيّات، كثير التفكّر في زوال الدنيا ودوام الأبديّة.
فذهب وباع أملاكه وضياءه وأعطى شقيقته ما يعود إليها من ميراث والديها، ووكّل أمرها إلى بعض العذارى المتعبّدات، ووزّع ما خصّه على الكنائس والفقراء، وقصد أحد النسّاك. فتتلمذ له، وبدأ تحت إرشاده حياة الزهد والصلاة والطاعة والتجرّد. وأخذ يميت إرادته بأنواع الإستسلام لمشيئة رئيسه، ويخضع جسده بجميع أصناف التقشّف والزهد. فلا يأكل إلاّ مرّة واحدة في النهار، ويقضي أيامه ولياليه في التأمّل والصلاة والشغل اليدوي، ويرقد على الحضيض، ويجلد ذلك الجسد الطموح المتمرّد المملوء صحةً ونضارةً وشباباً واندفاعاً.
إلاّ أن الله، الذي يريد الفضيلة السامية أساساً صخريّاً، سمح للشيطان أن يمتحن عبده أنطونيوس بجميع أنواع التجارب. فهاجمه الشيطان بكل قواه. لكن أنطونيوس نظر إلى المصلوب أمامه، وصمد لذلك الهجوم الشيطاني بكل ثبات، فرحاً لكونه أضحى فقيراً ذليلاً لأجل المسيح.
لكن أنطونيوس كان يقوم ويقاوم ويصلّي ويتضرّع، ويستغيث بالله وبالبتول مريم، ويطرد الشيطان ويهزمه. وهكذا كل يوم وكل ساعة، والتجربة لا تسكت، وأنطونيوس لا يهدأ، حتى أصبح مثالاً وشفيعاً للنفوس الكثيرة التجارب، الكثيرة الشدائد.
وانفرد أنطونيوس يوماً في الصحراء، ودخل قبراً قديماً، وبقي هناك أشهراً يمارس أعمال النسك والتقشّف. فكان الشيطان يناوئه كثيراً. أمّا إرادته فكانت واقفةً تهاجم لا تنثني ولا تستسلم.
وبعد أن مارس أنطونيوس سنين عديدة أعمال النسك على يد أعظم وأبرع النسّاك إستهوته الصحراء، وكان له من العمر وقتئذٍ خمس وثلاثون سنة.
فحمل معه شيئاً من الخبز يكفيه ستة أشهر، ودخل في تلك المفاوز، بين صخور الجبال ورمال الأودية المنبسطة على ضفّة النيل الغربيّة. وتراءى له مجد الله يملأ تلك البراري الصامتة. فجعل يسير في تلك الفلوات، بروحٍ وثّابة نحو الإختلاء والصمت والتفرّغ ليل نهار لمناجاة الخالق وحده دون سواه.
وبقي كذلك سنين طويلة بعيداً عن الناس، قريباً من الله. وكان أحد الأخوة يأتيه كل ستة أشهر بشيء من الخبز والتمر والماء، حتى عرف الناس مقرّه. فأخذوا يأتونه ليتبرّكوا به ويسمعوا أقواله ونصائحه.
وتكاثر عدد الزوّار جدّاً. وكانوا يأتونه من بعيد، من القرى ومن العواصم. ورغب إليه كثيرون أن يقبلهم في عداد تلاميذه ويسمح لهم بإتباع طريقته، فترك عزلته ونزل إلى ضفاف النيل، حيث أنشأ لهم ديورة عديدة.
أمّا أنطونيوس، فكان مثالاً للجميع بالصوم والصلاة والتأمّل العقلي وحفظ الصمت وشغل اليدين. وكان يلبس المسح على جسمه، ويرتدي من فوقه برداءٍ من جلد الغنم.
وكان طعامه الخبز والملح، وكان يأخذ بعض الأحيان قليلاً من البلح. وكان لا يأكل إلاّ مرّةً واحدة كل ثلاثة أو أربعة أيام. وكانت مواعظه لأبنائه ولزواره بسيطة قليلة الكلام، إلاّ أنّها كانت سهاماً ناريّة تذهب مسرعةً إلى القلب فتستقر فيه.
وسنة 350، ثار الإضطهاد بشدّة على المسيحيّين على زمان القيصرين ذيوكلسيانس ومكسميانس دايا. فجرت الدماء كالأنهار، وكثر عدد الشهداء في البلاد المصريّة، حتى بلغ الألوف.
فتالّم أنطونيوس كثيراً لهبوب تلك العاصفة الهوجاء على المسيحيّين، وأوصى رهبانه أن يلتجئوا إلى الله بالصلاة والصوم، ليخفّف عن الكنيسة ويلاتها، ويشدّد عزائم الشهداء تحت سيوف المضطهدين العتاة. ولمّا خمدت نار الإضطهاد، عاد إلى صومعته يتابع حياة النسك بالصوم والصلاة.
وما كاد أنطونيوس يعود من الإسكندريّة، حتى عادت إليه أفواج الناس، يحملون إليه مرضاهم وأولادهم، لينالوا منه نعمة الشفاء وبركة النجاح في الحياة. فكان يباركهم ويرشدهم ويشفي المرضى منهم. وخاف أن يتسرّب إلى نفسه الميل إلى الكبرياء. فعزم على الهرب إلى صحراء بعيدة والإنزواء في قفار ثيبا العليا، ذات المسالك الوعرة والأودية الناشفة والجبال الصخريّة والرمال المحرقة.
فترك صومعته وقلعته ورهبانه، وانسلَّ من غير أن يعلم به أحد، وصعد إلى الجبل فوجد مغارةً. فدخلها وجعلها مسكنه وصومعة نسكه وعباداته.
فكان يقضي أيامه في مناجاة الخالق في تلك الصحاري الجرداء الصامتة، وينام قليلاً، ويقوم عند منتصف الليل، فيركع ويصلب يديه وينظرإلى السماء. ويبقى هكذا مأخوذاً بالبدائع الإلهيّة، لا تلهيه دنيا ولا حياة ولا حركة ولا ضوضاء ولا زيارة إنسان ولا صوت حيوان، حتى الصباح، يناجي الخالق على ذلك الجبل الأجرد، كما كان موسى يناجيه على جبل سينا مدّة أربعين يوماً.
وقضى أنطونيوس في تلك الصحراء زمناً طويلاً، بعيداً عن أبنائه وأدياره وزوّاره. وكان هؤلاء ينتظرون رجوعه ويطلبونه. فلمّا طال غيابه، أوجسوا خيفةً عليه. فشدّدوا في البحثعنه حتى عثروا على مخبئه. فجاؤوا إليه جموعاً غفيرة، وطلبوا إليه أن لا يتركهم يتامى. فنزل إليهم وعاد إلى ديورته. فاستقبلته ألوف الرهبان وجماهير الشعب بأعظم مظاهر الإبتهاج والإكرام. وكانوايزحمونه ويقبّلون يديه ويتسابقون إلى لمس طرف ردائه، وينظرون بخشوع إلى روعة ذلك الوجه الصبيح المشرق بأنوار المسيح.
فزار ديورته وثبّت الرؤساء والرهبان، وشجّعهم على متابعة السير في طرق الكمال ثم ودّعهم، وطلب إليهم أن يتركوه يعود إلى خلوته في جبل القلزم. وهكذا عاد أنطونيوس من جديد إلى الصحراء، لينفرد في ممارسة عباداته وأعمال النسك التي كانت تتعشّقها نفسه. ومنذ ذلك الحين أضحى ذلك الجبل كوكباً منيراً في الآفاق المصريّة، تسير الألوف على ضيائه لتأتي إلى أنطونيوس وتتبرّك بزيارة ذلك الشيخ القدّيس.
قد امتاز أنطونيوس في حياته وبعد وفاته بصنع العجائب. ولذا ترى الناس يركضون إليه لينالوا ما يبتغون من النعم.
وكان كلّما تقدّم أنطونيو