قديسو اليوم: 15 كانون الأول 2016
ولما أثار الملك ادريانوس الاضطهاد على المسيحيين، قبض عليه والي مدينة سينَّا وسجنه وكّلفه السجود للأصنام. فأبى مجاهراً بإيمانه بالمسيح والسجود له دون سواه. فأمر بتعذيبه. فبسطوه على صفائح من حديد محمية. ووضعوه في قدر مملوءة زيتاً وشحماً وأضرموا النار تحتها، فبقي سالماً يشكر الله. فعند هذه المعجزة الباهرة آمن الوالي كواريوس وجميع الحاضرين. ولما علم الملك بما جرى أمر بقطع رؤوسهم جميعاً، ورأس ألوتاريوس معهم. ثم جاءت امه آنثيا وانطرحت على جسده الطاهر تقبله وتبكيه. فضربوا عنقها وفاز الجميع باكليل الشهادة سنة 130 للمسيح. صلاتهم معنا. آمين.
القدّيس الشهيد في الكهنة ألفثاريوس ورفقته (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)
"لقد استأهلت أيها الأب الحلة الكهنوتية. بما أنك سميّ الحريّة الإلهية. وبتعليمك حسن العبادة بجرأة. ثقفتنا بالأقوال والأفعال. وإذ تممت قصدك في الاستشهاد. تلألأت في الأمرين كليهما. ونلت الإكليل مضاعفاً من لدن المسيح الإله. فإليه ابتهل أيها الشهيد في الكهنة أن يخلّص نفوسنا".
(ذكصا الإينوس – صلاة السحر)
هكذا تخاطب الكنيسة الشهيد في الكهنة ألفثاريوس الذي أبصر النور في مدينة رومية لأب اسمه أفجانيوس كن موظفاً كبيراً في خدمة قيصر وأم تقية اسمها أنثيّا. أبوه، فيما يبدو، كان وثنياً وقد رقد وألفثاريوس طفل. أما أمّه فاهتدت إلى الإيمان بالرب يسوع عبر تلاميذ الرسول بولس مباشرة.
نشأ ألفثاريوس مسيحياً وترعرع على محبة الله وحفظ الوصايا. وإذ كان لامعاً وأبدى قدرة فائقة على التعلم، اقترح أحد معلّميه على والدته أن تأخذه إلى أسقف رومية القديس أنيقيطس الحمصي (150-161 م). فلما امتحنه الأسقف وبانت مواهبه غير العادية ونعمة الله عليه أخذه على عاتقه.
وُضعت اليد على ألفثاريوس قارئاً وهو في سن الثالثة عشرة وشماساً وهو في الخامسة عشرة وكاهناً وهو في السابعة عشرة وأسقفاً على إلّيريا وهو في العشرين. ويبدو، لروح الله فيه ولفهمه وغيرته، أنه حقّق، في مجال نشر الكلمة بين الوثنيين، نجاحاً كبيراً. كل الوثنيين الذين التقاهم، إما نجح في هدايتهم إلى المسيح أو كانوا يكنّون له احتراماً وتقديراً فائقين.
على هذا لم يلبث خبر ألفثاريوس أن بلغ أذني قيصر. وإذ كان القلق قد ساوره بسبب تزايد المسيحيين، أوفد أحد القادة العسكريين الموثوق بهم لديه، واسمه فيليكس، ليلقي القبض على القدّيس. ويبدو أن فيليكس تسلّل إلى المخبأ الذي كان القدّيس يقيم فيه الصلاة. فلما بلغه كان ألفثاريوس يعظ المؤمنين، فانتحى ناحية ووقف يسمع. ولكن ما أن انتهى رجل الله من الكلام حتى تقدّم إليه فيليكس، لا ليلقي عليه القبض بل ليعبّر له عن رغبته في أن يصير مسيحياً. فكلّمه ألفثاريوس بكلام الحياة ثم عمده.
بعد ذلك، لم يشأ قديس الله أن يعود فيليكس إلى قيصر فارغاً فالتمس العودة معه. وبالجهد رضي فيليكس أن يصحبه إليه.
وقف ألفثاريوس أمام قيصر فسأله هذا الأخير عن إيمانه فاعترف بالرب يسوع إلهاً حقيقياً أوحداً فأحاله على التعذيب. وإذ عمد الجلاّدون إلى ضربه بالسياط وإلى إلقائه على سرير محمى بالنار، ثم إلى سكب الزيت المغلي عليه، لم يتزعزع ولا غيّب الألم كلمة الله في فمه فوبّخ الطاغية على اضطهاده حملان المسيح الودعاء.
وعرض أحد خدّام قيصر واسمه خوريبوس، أو ربما خوريمون، أن يُدخل ألفثاريوس إلى فرن للتعذيب كان قد ابتدعه. في تلك اللحظة صلّى رجل الله من أجل هداية أعداء الله لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون، فاخترقت النعمة قلب خوريبوس وأنارت بصيرته فاستنار وتغيّر من وحش يتلذّذ بتعذيب الناس إلى حمل وديع هادئ. للوقت أخذ خوريبوس جانب القديس ودافع عنه واعترف بالمسيح أمام الجميع فيما أصيب قيصر والحاضرون بالذهول. ثم إن خوريبوس دخل إلى الآتون الذي ابتدعه. دخل إليه بثقة وجرأة. ولكن أبت النار أن تمسّه بأذى فجرى قطع رأسه، وكذلك فعل الجلادون بفيليكس.
أما ألفثاريوس فعانى المزيد من التعذيب وألقي للحيوانات فلم تؤذه. وأن اثنين من الجنود آمنا بالمسيح بفضله وتمت شهادتهما. أخيراً ضرب الجلادون رأسه بالسيف. وما كادوا يفعلون حتى أسرعت أنثيا، والدة القديس، لتضمّ جسد ابنها المخضّب بالدم حباً فهاش إليها الجنود وفتكوا بها، هي أيضاً، فاختلط دمها بدم ابنها.
يذكر أن ثمّة من يظن أن أسقف رومية الذي رعى ألفثاريوس كان أناكلتس لا أنيقيطس، وان استشهاده كان في زمن أدريانوس قيصر (117-138م) لا في زمن أنطونينوس (138-161م)، حوالي العام 130م. وهناك تقليد ثالث يقول إنه استشهد في أيام القيصر سبتيموس ساويروس (193-211م).
يذكر أيضاً أن الشهيد هو شفيع النساء الحاملات اللواتي يسألنه الوضع بالسلامة، وكذلك المسافرين في البحر والمرضى. بهذا المعنى ترتل له الكنيسة في أبوستيخن صلاة غروب العيد، هذا اليوم، الأنشودة التالية:
"لقد تحنّنت أيها الأب على النسوة الدانية ولادتهن، الملازمات في هيكلك، وجُدت عليهن بالخلاص، وكذا منحت آخرين مستمدّين منك بحرارة السير حسناً في البحر، وأنك تخوّل الصحة للمرضى، متلألئاً في العجائب".
هذا، ويبدو من تيبيكون الكنيسة العظمى في القسطنطينية. من القرن العاشر للميلاد. أن رفات القديس ألفثاريوس، أو بعضها على الأقل، أودعت كنيسة حملت اسمه فوق ما يسمى بالهضبة القاحلة وهي الهضبة السابعة من هضاب المدينة والمدعوّة كسيرولوفوس.
أما رفاته اليوم فمع الأخذ في الاعتبار أنه يمكن أن تكون قد اختلطت برفات قديس أخر يحمل الاسم نفسه يعيّد له اليوم وهو معروف باسم ألفثاريوس كوبيكولاريوس، فإنها تتوزع على اليونان وقبرص وفلسطين وربما مناطق أخرى. بين هذه الأمكنة كنيسة القيامة في القدس ودير كيكّو في قبرص وديري كسيروبوتاموس وسيمونوس بتراس في جبل أثوس ودير القديس يوحنا اللاهوتي في باتموس ودير الثالوث القدوس في تسانغارولون (أكروتيري) اليونانية حيث يوجد قسم من جمجمته ودير ديونيسيو في جبل أثوس حيث توجد ذراعه اليمنى.
تذكار القديس الشهيد في رؤساء الكهنة إلِفثاريوس (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)
وُلد القديس إلِفثاريوس (أي حُر) في مدينة رومة، في النصف الثاني من القرن الأول للمسيح. وكانت أمّه أنثيا إمرأة فاضلة تقيّة، فربّته تربية صالحة. ثم قدّمته للحبر الأعظم أناكلتس، فثقّفه في العلوم الدينيّة، فنبغ فيها، فرسمه في الدرجات الكنسية. فقام يخدم الشعب، بتلك الغيرة الرسوليّة المتّقدة التي كان أولئك الرعاة الأولون قد أخذوها عن الرسل.
ثم منحه الحبر الأعظم الدرجة الأسقفيّة، وأرسله راعياً لأقليم إلِيريا, فاتّسع أمامه أفق العمل، فصار يكرز بالمسيح، ويهدي الشعوب إلى الإيمان بالإنجيل.
فقُبض عليه وأودع السجن، على عهد الملك أدريانس. ولمّا يئس الولاة من إجتذابه إلى تقدمة الذبيحة للأوثان، عذّبوه كثيراً بأنواع شتّى، ثم ضربوا عنقه وعنق والدته أنثيا في مدينة مسّينا، حيث قادوه مغلولاً ليزيدوا في إهانته وتعذيبه. وهكذا انتقل مع أمّه القديسة الفاضلة إلى السعادة الخالدة، نحو سنة 130.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : تذكار البار بولس الملقّب بالبسيط
أن هذا البار بولس دُعي البسيط لسذاجة عقله وبساطة حياته. لكنّه امتاز بطاعته التي كانت فوق مألوف طاعة سائر الرهبان والنسّاك. فكافأه الله عليها بمواهب روحيّة سامية، ومنحه موهبة صنع العجائب.
كان بولس قروياً من صعيد مصر. وكان أمّياً وبسيطاً جدّاً، لا يعرف من أمور الحياة سوى فلاحة أرضه وكسب معيشته بعرق وجهه. ولم يكن له شأن لدى الناس، سوى ما يكون لصغار الفلاحين البسطاء. لكنّه كان رجلاً مستقيماً يقدّس حقوق الله وحقوق الناس، لأنّه لم يكن يعرف الخبث، ولا يدري ما هو الأحتيال والكذب.
وعاش هكذا ستين عاماً ذهبت بهدوء وسكينة. ولكن شاءت الأقدار أن يحمله أهل قريته، وهو في هذا العمر، على أن يقترن بسرّ الزواج بفتاة حديثة السن، طمعت في بساطته وكبر سنّه وما كان عليه من سعة الرزق، لتعيش كما توحي إليها أهواؤها وأميالها ونزعات شبابها. فاتّخذته ستاراً لعشرتها الرديئة وأسلمت ذاتها إلى كل أنواع الرذائل الدنيئة. أمّا هو فلم يكن يدري بشيء ولا ينتبه إلى شيء، مع كثرة الأقاويل وما كان يسمعه من كلام السخرية والتلميح.
واسترسلت تلك المرأة الفاسقة في الرذيلة، فلم تعد تحسب حساباً لزوجها المسكين البسيط، ولا لألسنة الناس وازدرائهم بها واشمئزازهم منها، إلى أن فاجأها يوماً رجلها في حالةٍ مريبة في بيته نفسه. فدارت الدنيا به. لكنّه لم يفُه بكلمة، بل ترك البيت وخرج وهام في البريّة على وجهه. وظلّ سائراً من مكان إلى مكان، حتى وصل إلى منسك القديس أنطونيوس الكبير. فشعر في نفسه كأنّ هاتفاً يقول له: هنا تجد الراحة والطمأنينة.
فانطرح بولس على قدمي القديس أنطونيوس، وأخذ يتضرّع إليه أن يقبله في عداد تلاميذه. فجثا بولس على الباب وأخذ في الصلاة. فتركه أنطونيوس ساعات طوالاً. فبقي جاثياً يصلّي ويتضرّع. فلمّا رأى أنطونيوس طاعته وحسن صلاته، عاد إليه وأقامه وقبله بين تلاميذه.
فامتاز بولس بالفضائل النسكية منذ أيامه الأولى. أمّا التواضع فكان غريزيّاً فيه منذ حداثته. لكن بواس جرى أيضاً في تلك الفضيلة تحت نظر أنطونيوس شوطاً بعيداً فإنّه كان يرى نفسه أحقر النسّاك شأناً، وأصغرهم قدراً، واقلّهم علماً وفهماً ودارية. وهذّب أنطونيوس الكبير تلك النفس الساذجة الوديعة. فأضحى بولس الناسك الحبيب على قلب الجميع بطاعته، وبساطة نفسه، وكثرة صياماته،وصمته وصلاته.
وراقت في عين الرب تلك الحياة البسيطة البعيدة عن التكلّف، وإجهاد العقل، وأعمال الفكر، فمنحه صنع العجائب. لكنّه بقي الناسك المتواضع المتذلّل، الكثير السذاجة، الكامل الطاعة، حتى أنّه كان يخرج الشياطين بأمر الطاعة، حينما كان أنطونيوس يكلّفه بذلك.
ومنح الله بولس معرفة أسرار الضمائر. فإنّه رأى يوماً في الكنيسة رجلاً أسود الهيأة مخيفاً، وكان قد وقف شيطان عن يمينه وآخر عن يساره. أمّا ملاكه الحارس فكان متنحيّاً بعيداً ساتراً وجهه بيديه. فارتاع بولس من ذلك المنظر المستغرب. فجثا على ركبتيه، ووضع رأسه بين يديه، وبقي كل وقت الصلاة يتضرّع إلى الله لأجل ذلك الإنسان التاعس، ويذرف الدموع على حاله. فلمّا انتهى وقت الصلاة رفع رأسه ونظر، وإذا بذلك الأسود المخيف قد انقلب إلى شاب جميل الهيأة، مشرق الطلعة، يسطع النور من جوانبه. فابتهج بولس، وسبّح الرب، وأقبل نحو ذلك الرجل وسأله ماذا حدث له وقت الصلاة. فأجابه وقال: يا أبت، كنت مثقلاً بخطيئة دنسة، فشعرت في نفسي بقوّة تدفعني إلى التوبة. ثم إعترفت بخطيئتي وتناولت جسد الرب. وها أنا ذا سعيد وقلبي يطفح غبطة وشكراً. فلمّا سمع بولس هذا الكلام بكى هو أيضاً، وسبّح الرب على جوده وحنانه ورحمته.
وهكذا عاش بولس بالقداسة والتقى والبساطة المسيحيّة حياته كلّها، ورقد بالرب في أواسط القرن الرابع، مملوءاً نعمة واستحقاقات سماويّة. وأن جميع ما كتبناه عنه أخذناه عمّا تركه لنا روفينس وبلاديوس اللذان عاشا معه وشاهدا فضائله وعجائبه.
نياحة البابا إبرام ابن زرعة "62" (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)
في مثل هذا اليوم من سنة 970 ميلادية تنيح القديس أنبا ابرام بابا الإسكندرية الثاني والستون، كان هذا الآب من نصارى المشرق، وهو ابن زرعة السرياني وكان تاجرا ثريا وتردد علي مصر مرارا وأخيرا أقام فيها، وكان بتحلي بفضائل كثيرة، منها الرحمة علي ذوي الحاجة، وشاع ذكره بالصلاح والعلم، وعندما خلا الكرسي البطريركي، اجمع رأي الأساقفة والشيوخ العلماء علي اختياره بطريركا، فلما جلس علي كرسي الكرازة المرقسية وزع كل ماله علي الفقراء والمساكين، وفي أيامه عين قزمان الوزير القبطي ابن مينا واليا علي فلسطين، فأودع عند الآب البطريرك مئة آلف دينار إلى إن يعود، وأوصاه بتوزيعها علي الفقراء والمساكين والكنائس والأديرة إن مات هناك، فلما بلغ البطريرك خبر استيلاء هفكتين علي بلاد الشام وفلسطين، ظن إن قزمان قد مات، فوزع ذلك المال حسب الوصية، ولكن قزمان كان قد نجا من الموت وعاد إلى مصر فاخبره الآب بما فعله بوديعته فسر بذلك وفرح فرحا جزيلا، ومن مآثره انه ابطل العادات الرديئة، ومنع وحرم كل من يأخذ رشوة من أحد لينال درجة بالكنيسة، كما حرم علي الشعب اتخاذ السراري وشدد في ذلك كثيرا، فلما علم بذلك الذين اتخذوا لأنفسهم سراري، استيقظ فيهم خوف الله، كما خافوا أيضًا من حرمه، فأطلقوا سبيل سراريهم وذهبوا إليه تائبين، ما عدا رجلا من سراة الدولة، فانه لم يخف الله تعالي ولا حرم هذا الآب الذي وعظه كثيرا وأطال أناته عليه، حيث لم يرتدع ولم يخش إن يهلكه الله، ومع هذا لم يتوان الآب عن تعليمه إصلاحه، بل أتضع كالمسيح معلمه وذهب إلى داره، فلما سمع الرجل بقدوم الآب إليه اغلق بابه دونه، فلبث الآب زهاء ساعتين أمام الباب وهو يقرع فلم يفتح له، ولا كلمة، ولما تحقق إن هذا المسكين قد فصل نفسه بنفسه من رعية المسيح، واصبح بجملته عضوا فاسدا، رأي انه من الصواب قطعه من جسم الكنيسة حتى لا يفسد بقية الأعضاء، فحرمه قائلا “ إن دمه علي رأسه، ثم نفض غبار نعله علي عتبة بابه، فاظهر الله آيته في تلك الساعة أمام أعين الحاضرين إذ انشقت عتبة الدار، وكانت من الصوان، إلى نصفين، وبعد ذلك اظهر الله قدرته حيث افتقر حتى لم يبق معه درهم واحد، كما طرد من خدمته مهانا، وأصابته بعض الأمراض التي آدت إلى موته اشر ميتة، وصار عبرة لغيره، إذ اتعظ به خطاة كثيرون وخافوا مما أصابه.
وفي زمان هذا الآب كان للمعز وزيرًا اسمه يعقوب بن يوسف، كان يهوديًا واسلم، وكان له صديق يهودي، كان يدخل به إلى المعز أكثر الأوقات ويتحدث معه، فاتخذ ذلك اليهودي دالة الوزير علي المعز وسيلة ليطلب حضور الآب البطريرك ليجادله، فكان له ذلك، وحضر الآب ابرام ومعه الآب الأنبا ساويرس ابن المقفع أسقف الاشمونين، وأمرهما المعز بالجلوس فجلسا صامتين، فقال لهما “لماذا لا تتجادلان؟" فأجابه الأنبا ساويرس “كيف نجادل في مجلس أمير المؤمنين من كان الثور أعقل منه“ فاستوضحه المعز عن ذلك، فقال إن الله يقول علي لسان النبي "إن الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه أما إسرائيل فلا يعرف (اش 1: 2)" ثم جادلا اليهودي وأخجلاه بما قدما من الحجج الدامغة المؤيدة لصحة دين النصارى، وخرجا من عند المعز مكرمين، فلم يحتمل اليهودي ولا الوزير ذلك، وصارا يتحينان الفرص للإيقاع بالنصارى، وبعد أيام دخل الوزير علي المعز وقال له إن مولانا يعلم إن النصارى ليسوا علي شيء، وهذا إنجيلهم يقول "لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل " ولا يخفي علي أمير المؤمنين ما في هذه الأقوال من الادعاء الباطل، وللتحقق من ذلك يستدعي البطريرك لكي يقيم الدليل علي صدق دعوى مسيحهم، ففكر الخليفة في ذاته قائلا "إذا كان قول المسيح هذا صحيحا، فلنا فيه فائدة عظمي، فان جبل المقطم المكتنف القاهرة، إذا ابتعد عنها يصير مركز المدينة أعظم مما هو عليه الآن، وإذا لم يكن صحيحا، تكون لنا الحجة علي النصارى ونتبرز من اضطهادهم، ثم دعا المعز الآب البطريرك وعرض عليه هذا القول، فطلب منه مهلة ثلاثة أيام فأمهله، ولما خرج من لدنه جمع الرهبان والأساقفة القريبين، ومكثوا بكنيسة المعلقة بمصر القديمة ثلاثة أيام صائمين مصلين إلى الله، وفي سحر الليلة الثالثة ظهرت له السيدة والدة الإله، وأخبرته عن إنسان دباغ قديس، سيجري الله علي يديه هذه الآية، فاستحضره الآب البطريرك وأخذه معه وجماعة من الكهنة والرهبان والشعب، ومثلوا بين يدي المعز الذي خرج ورجال الدولة ووجوه المدينة إلى قرب جبل المقطم، فوقف الآب البطريرك ومن معه في جانب، والمعز ومن معه في جانب أخر، ثم صلي الآب البطريرك والمؤمنون وسجدوا ثلاث سجدات، وفي كل سجدة كانوا يقولون كيرياليسون يا رب ارحم، وكان عندما يرفع الآب البطريرك والشعب رؤوسهم في كل سجدة يرتفع الجبل، وكلما سجدوا ينزل إلى الأرض، وإذا ما ساروا سار أمامهم، فوقع الرعب في قلب الخليفة وقلوب أصحابه، وسقط كثيرون منهم علي الأرض، وتقدم الخليفة علي ظهر جواده نحو الآب البطريرك وقال له، أيها الأمام، لقد علمت الآن انك ولي، فاطلب ما تشاء وأنا أعطى، فلم يرض إن يطلب منه شيئًا، ولما ألح عليه قال له "أريد عمارة الكنائس وخاصة كنيسة القديس مرقوريوس (أبو سيفين) التي بمصر القديمة، فكتب له منشورا بعمارة الكنائس وقدم له من بيت المال مبلغا كبيرا، فشكره ودعا له وامتنع عن قبول المال فازداد عند المعز محبة نظرا لورعه وتقواه، ولما شرعوا في بناء كنيسة القديس مرقوريوس، تعرض لهم بعض الأشخاص، فذهب المعز إلى هناك ومنع المعارضين، أستمر واقفا حتى وضعوا الأساس. كما جدد هذا الآب كنائس كثيرة في أنحاء الكرسي المرقسي، ولما أكمل سعيه تنيح بسلام بعد إن جلس علي الكرسي ثلاث سنين وستة أيام. صلاته تكون معنا ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً: استشهاد القديس باطلس القس
في مثل هذا اليوم نعيد بتذكار القديس باطلس القس الشهيد. صلاته تكون معنا آمين.