دينيّة
15 تشرين الأول 2016, 05:31

قديسو اليوم: 15 تشرين الأول 2016

تذكار القديس لوكيانس كاهن انطاكية الشهيد (بحسب الكنيسة المارونية) ولد لوكيانس سنة 240، في سوريا. وتوفي والداه وهو في الثامنة عشرة من العمر. فتتلمذ لرجل يدعى كربوس، قدير بشرح الكتب المقدسة.فانعكف على الصلاة ومطالعة الكتاب المقدس. ثم جاء انطاكية وأنشأ فيها مدرسة لتفسير الاسفار الالهية. وقد اشتهرت مدرسته بالعلوم اللاهوتية، فأخرجت علماء اعلاماً، تفاخر بهم الكنيسة، نظير يوحنا فم الذهب وسواه.

 

فألقى القبض عليه الملك مكسيميانوس واخذ يتملقه ويعده بالمراتب السامية، ان هو كفر بالمسيح. فأجاب:" أنا مسيحي ولا شيء يفصلني عن محبة المسيح". فأذاقوه أمرّ العذابات، ثم طرحوه في السجن، فكان يعزِّي المؤمنين والمسجونين، ويثبتهم في ايمانهم، الى ان سفك دمه لاجل الفادي الالهي سنة 312.

وقد مدحه القديس الذهبي الفم بخطاب بليغ. وألف كتباً نفيسة، لم يبق منها سوى رسالة وجهها من السجن الى مسيحيي انطاكية وقانون الايمان الذي استشهد ببعض فقراته القديس يوحنا مارون في رسالته الى ابنائه في لبنان. صلاته معنا. آمين!

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : تذكار القديس آشعيا الحلبي العجائبي

ولد آشعيا في مدينة حلب. كان ابوه سوماخوس والياً على حلب من قبل الملك قسطنطين الكبير. شبَّ آشعيا على حب الفضائل ولا سيما العفة. فنذر بتوليته لله، على غير علم من والديه.

بعد زواجه اتفق مع خطيبته على حفظ العفة. فذهبت الى دير الراهبات. وانضوى هو تحت لواء القديس اوجين، يسير معه في طريق الكمال الانجيلي والتبشير.

وكان ابوه سوماخوس قد جدّ في طلبه فوجده بالهام الله في دير القديس اوجين، ففرح وتعزَّى به جداً.

ثم عاد آشعيا الى نواحي حلب وبنى قلِّيَّةً عاكفاً فيها على الصلاة والتقشف. فذاع صيت قداسته وعجائبه، فأتاه الكثيرون يتتلمذون له، فأقام لهم قلالي حول منسكه، ووضع لهم قوانين.

وبعد ان عاش في الرهبانية اثنتين وسبعين سنة، رقد بالرب في اواخر القرن الرابع واليه تنتسب الرهبانية الانطونية، وقد شيَّدت على اسمه ديرها الامّ، على احدى اجمل قمم لبنان – جهة المتن. صلاته معنا. آمين!

 

أشعيا الحلبي العجائبي(بحسب الكنيسة السريانية الكاثوليكية)

ولد أشعيا في مدينة حلب. كان أبوه سوماخوس والياً على حلب من قبل الملك قسطنطين الكبير. شبَّ أشعيا على حب الفضائل ولا سيما العفة، فنذر بتوليته لله، على غير علم من والديه. بعد زواجه اتفق مع زوجته على حفظ العفة. فذهبت الى دير للراهبات، وانضوى هو تحت لواء القديس أوجين، يسير معه في طريق الكمال الانجيلي والتبشير.

وكان أبوه سوماهوس قد جدّ في طلبه، فوجده بإلهام الله في دير القديس أوجين، ففرح وتعزّى به جداً. ثم عاد أشعيا الى نواحي حلب، وعكف في صومعة على حياة الصلاة والتقشف. فذاع صيت قداسته وأعاجيبه، وتتلمذ على يده كثيرون.

وبعد أن عاش في الرهبانية اثنتين وسبعين سنة، رقد بالرب في أواخر القرن الرابع. وإليه تنتسب الرهبانية الأنطونية اللبنانية. وقد شيّدت على اسمه ديرها الأم، على إحدى أجمل قمم لبنان - جهة المتن.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : آسيا العجائبي

هذا كان من الأشراف أيام الملك تاودوسيوس الكبير. أراد أبوه أن يزوجه، فهرب خفية الى طورسينا وترهّب هناك. مارس أسمى الفضائل ثم جاء الى انطاكية وبنى في جوارها ديراً ضمّ عدداً كبيراً من الرهبان. واهتم آسيا بتدبيرهم على أكمل وجه. منحه الله موهبة المعجزات. توفي في أواخر القرن الرابع للمسيح.

 

القديس البار‎‎ الشهيد في الكهنة لقيان كاهن مدينة أنطاكية(بحسب الكنيسة الارثوذكسية)

نشأ لقيان في مدينة أنطاكية العظمى، والبعض يقول في مدينة سميصاط السورية التي منها بولس السميصاطي، أسقف أنطاكية الهرطوقي المعروف. تلقى في شبابه قسطاً وافراً من العلوم الدنيوية. ولما مات والداه وهو في سن الثانية عشرة وزع ما لديه على الفقراء وارتحل إلى مدينة الرها حيث تتلمذ لمعلم ذائع الصيت مكاريوس. و قد أضحى لقيان أحد أكبر المعلمين في الكنيسة في زمانه.

‏يقال عنه انه كان من أوائل من خرجوا إلى حياة النسك في أنطاكية. والقديس أثناسيوس الاسكندرييسميه "ناسكاً كبيراً". ينقل مترجم سيرته عنه أنه كان يمارس النسك الرهباني الشديد، فلا يتناول طعامه إلا حوالي الساعة الثالثة من بعد الظهر ويصوم أحياناً أسابيع بأكملها. طعامه كان يقتصر على الخبز اليابس والبقول. ولا يقرب النار في فصل الشتاء مهما كان البرد قارصاً. وقد اعتاد أن يستغرق في الصلوات الطويلة باكياً خطاياه.

وفي أنطاكية انضم لقيان إلى إكليروس المدينة. وقد أسس فيها مدرسة أنطاكية الشهيرة في تاريخ الكنيسة، وهي المدرسة التي اتبعت في تعاطيها مع الكتب المقدسة أسلوب التفسير البياني للنصوص وتأكيد معانيها الحرفية، في مقابل، الأسلوب التأويلي الذي جرى عليه أوريجنوس ومدرسته في الاسكندرية في الوقت عينه. وإلى لقيان يعود فضل التدقيق في النصوص العبرية المقدمة التي كانت قد امتدّت إلى البعض منها أيدي الهراطقة فعبثت بها. ويقول القديس ايرونيموس أن ترجمة الكتاب المقدس من العبرية إلى اليونانية بيد لقيان كانت عظيمة القيمة دقيقة، سلسة وأنها انتشرت بين القسطنطينية وأنطاكية.

لاحق جنود الإمبراطور مكسيميانوس هذا الأب القديس فيما اشتدت وطأة الاضطهاد على المسيحيين عموماً. وقد تمكن هو من التواري فترة من الزمان إلى أن وشى به كاهن هرطوقي حسود.

‏قبض على لقيان وسيق إلى مدينة نيقوميذية، العاصمة الشرقية للإمبراطورية. وقد تمكن أثناء الطريق من هداية أربعين من العسكر قضى أكثرهم شهيداً في سبيل الإيمان.

وفي نيقوميذية جرى استجواب لقيان وعومل أسوأ معاملة. ويبدو أنه لعب دوراً بارزاً في نيقوميذية، في تشديد المسيحيين وحملهم على التمسك بإيمانهم بالمسيح، بعدما سلك بعضهم طريق الكفر تحت وطأة التهديد إنقاذاً لحياته.

 وعاده بعض تلاميذه الأنطاكيين في سجنه يوم عيد الظهور الإلهي، عام 312 للميلاد. وإذ أراد أن يقيم الذبيحة جعل من صدره مذبحاً لها.

وفي عظة ألقاها القديس يوحنا الذهبي الفم عن القديس لقيان وصف وإكبار لأبرز ما عاناه  هذا القديس الشهيد في نيقوميذية. وقد جاء في العظة ما يلي:

‏"... ترك القديس طويلاً دون أن يحضر له جلادوه أي طعام. ولما رأوا أنه لم يتلاش، وضعوا أمامه لحوماً سبق أن قدمت لأوثان... ورغم أن التجربة كانت قاسية للغاية، فإن القديس الشهيد خرج منها منتصراً... وإذ رأى عدو البشر انه لم يظفر بلقيان، جرَّه، من جديد، إلى المحاكمة.. وسعى إلى إنهاكه بشتى الاستجوابات التي أخضعه لها.. لكن جواب القديس على كل الأسئلة التي طرحت عليه كان: "أنا مسيحي".. سألوه: "من أين أنت؟" فقال: "أنا مسيحي". "ما هي مهنتك؟" فأجاب: "أنا مسيحي". "من هي عائلتك ومن أقرباؤك؟" فقال: "أنا مسيحي"... طبعاً، لم تكن تنقص لقيان قوة البلاغة... لكنه كان يعرف جيداً انه بالإيمان يغلب لا بالبلاغة، وأن الدرب الأكيد ليس أن يعرف المرء لغة الكلام بل لغة المحبة... بهذا الجواب: "أنا مسيحي" أكمل لقيان سعيه...".

 وبعدما تضجر جلادوه من ثباته خنقوه، في حبسه، سراً، بأمر من الإمبراطور مكسيميانوس ثم ألقوا بجثمانه في البحر ليمحوا أثره. ولكن تمكن أحد تلاميذه، غليكاريوس، بعدما تراءى له القديس، من التقاط رفاته. وقد كان استشهاده في اليوم السابع من شهر كانون الثاني من العام 312 ‏للميلاد.

يذكر أن بعض المصادر القديمة والحديثة حاول إلصاق تهمة الهرطقة بالقديس لقيان باعتباره أباً للآريوسية أو محازباً لبولس السمياطي المدان في مجمع أنطاكية عام 269 ‏للميلاد. لكن الثابت أن لقيان رقد في كنف الكنيسة الأرثوذكسية. وقد قال عنه القديس أثناسيوس الإسكندري إنه قديس كبير وشهيد عظيم.

 

تذكار القديس الشهيد لوكيانُس كاهن أنطاكية العظمى (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

هو كاتب شهير، وخطيب فصيح بين الكتبة المعدودين في أواخر القرن الثالث. وُلد في مدينة سُميصاط، وأتى أنطاكية، ونبغ في العلوم الدينيّة، وصار كاهناً من أجلّ الكهنة في تلك العاصمة السوريّة الكبرى.

وفي سنة 260 أنشأ المدرسة الأنطاكية التي اشتهرت جدّاً في تاريخ الكنيسة، وكانت منارةً لمّاعة أضاءت المسكونة مدّة قرون طويلة. وكان هدفها الأكبر درس الكتب المقدّسة وشرح معانيها، على مثال ما عمل أورجانس في الإسكندريّة. إلاّ أن طريقة أورجانس كانت دفاعية عن الإيمان المقدّس. أمّا طريقة لوكيانس في مدرسة أنطاكية فكانت تفسيريّة بيانية، وهي الطريقة التي طالما سار عليها الأنطاكيّون في دروسهم وأبحاثهم، فكانوا يرغبون في شرح الكتب الإلهيّة وتفسير معانيها الحرفية. لذلك بقيت أنطاكية تتمسّك بالمعنى الحرفي وتوفيه حقّه من التفسيرعلى طريقة أرسطو. أمّا مدرسة الإسكندريّة فأنّها كانت تقضي عن التفسير الحرفي وتذهب وراء المعنى الرمزي على طريقة أفلاطون. ولقد أفرطت كلٌّ من المدرستين في طريقتها، حتى صارت تنازع الواحدة الأخرى. إلاّ أن مدرسة الإسكندريّة فاقت مدرسة أنطاكية بما طبعته في نفوس رجالها من العاطفة السامية والتمسّك بتقليد الكنيسة والسير مع روح تعاليمها العامة. لأن الروح آيات الكتاب كثيراً ما يجلو ما غمُض من معناها الحرفي الوضعي.

وقد فتحت طريقة المدرسة الأنطاكية الباب كبيراً للبدع. وهذا ما حدا بعض كبار الكتّاب، نظير بردنهوير ودوشين وتيكسرون أن يقولوا أن لوكيانس كاهن أنطاكية هو أبو البدعة الآريوسيّة الأثيمة. لكن بارونيوس ينفي عنه ذلك ويبين نقاوة إيمانه.

وتحزّب لوكيانس لبولس الهرطوقي أسقف سميصاط، وبقي موالياً له بعد أن حُكم عليه وعلى تعاليمه وأضاليله. ولبث طويلاً، هو وصديقه الكاهن ذوروثاوس على رأس حزب المعارضة ضد الإيمان المقبول في الكنيسة الجامعة. فحرمه خلفاء بولس السميصاطي، وهم الأساقفة دُمْنُس وتيماوس وكيرلس. لكنّه عاد فتاب، وأذعن للحق وتصالح مع الكنيسة. ولم يكن المجمع المسكوني النيقاوي الأول قد التأم، وقواعد الإيمان لم تكن بعد قد تثبتت تثبيتاً رسميّاً، وهذا وجه خطير من وجوه العذر لهذا الكاهن الجليل، في ما أتاه من الشذوذ والأغلاط.

وأنهى الكاهن لوكيانس حياته بسفك دمه من أجل الإيمان، على عهد الملك مكسميانس المضطهد. ولذا إستحق أن يُحصى في عِداد الشهداء القديسين.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : القديسة تريزيا التي من أفيلا

وُلدت القديسة تريزيا في مدينة افيلا، إحدى مدن مملكة كستيليا في إسبانيا، سنة 1515. وكان أبواها، الفونس دي سيبيدا وبياتريس دي أهومادا، من أشراف تلك البلاد المسيحيّة الطيّبة، التي كانت قد سبقت وأخرجت قديسين عديدين رفعوا عالياً أعلام القداسة والعلم والعمل في كنيسة الله على توالي الأحقاب. فتربّت تريزيا هي وأخوتها تربية مسيحيّة حسنة، حتى أنّها نعومة أظفارها، كانت قد تعوّدعت أن تجلس مع أخيها الصغيرفي أحد أركان بيت أبيها، وتطالع وإياه سير الشهداء والأبرارالقديسين، وتتأمّل طويلاً في صورهم وأدوات عذاباتهم، وأكواخ نسكهم. فحملتها تلك القراءة على شيء كثير من العبادة، وعلى الرغبة في أن تسفك دمها هي أيضاً لأجل المسيح، لتحظى نظير الشهداء بإكليل الإنتصار في السماء.

وذات يوم خرجت خلسة من البيت برفقة أخيها الصغير ، وسارت وإياه ممسّكة بيده، ولكن ما كاد الولدان يخرجان من المدينة حتى لقيهما عمٌّ لهما. فدهش لرؤيتهم لوحدهما في تلك الأرض. فلمّا علم منهما ما عزما عليه ضحك وطيّب خاطرهما، وأعادهم بلطف إلى البيت. فلمّا رأيا أن قد حبط مسعاهما، رغبا في أن يعيشا عيشة النسّاك الأبرار بحسب ما كانا قد قرآ عنهم في سيَر حياتهم. فاتّخذا لهما زاوية صغيرة في الحديقة، وجعلاها منسكاً يأويان إليه، وينصرفان فيه للصلاة والعبادة. وامتازت تريزيا منذ حداثتها بعبادة بنوية لوالدة الإله، فكانت تتلو المسبحة كل يوم مع أخيها في منسكها، إكراماً لها.

وما كادت تبلغ العاشرة من عمرها حتى كانت فتنة للناظرين، بجمال طلعتها واعتدال قوامها. وأخذت أمّها تعنى بزينتها، فصارت هي تبالغ في إظهار جمالها ومواهبها، حتى فقدت تقواها، وجعلت جل إهتمامها في تجعيد شعرها، وتعطير ثيابها، وامتاع عقلها بقراءة سيَر أبطال الحب والحروب.

ثم ماتت والدتها وتركتها إبنة إثنتي عشرة سنة. فحزنت جدّاً على فقدها، وذهبت وانطرحت عند قدمي البتول، وصلّت بحرارة ودموع، وطلبت إليها أن تكون هي أمّها. ولكن سرعان ما إنقضت أيام الحزن حتى صار يختلف إليها البعض من أبناء عمّها، ويتوددون لها، ويقضون الأوقات الطويلة بصحبتها. فاستسلمت للَّهو وضياع الوقت، حتى كادت تفقد نقاوة قلبها. لكن الله رئف بها، وأوقفها على منحدر الهاوية التي كادت تتدهور فيها. فتزوجت أختها الكبرى، وبقيت تريزيا في البيت وحدها. فأرسلها أبوها إلى دير للراهبات الأوغسطينيات، وهناك عادت إليها تقواها وحرارتها ورصانة حياتها. فعزمت عزماً أكيداً على الزهد في الدنيا وغرورها، وعلى انتحال العيشة الرهبانية الملائكية.

وبعد مصاعب شتّى عيلية دخلت تريزيا دير التجسّد لراهبات الكرمل في مدينة أفيلا، سنة 1533، وكان لها من العمرثماني عشرة سنة. ولمّا كانت ذات طبيعة رصينة كريمة، كثيرة العواطف، عزمت عزماً أكيداً على أن تكون لله بكل قواها وكل شواعرها. إلاّ أن حياة الكرمل في تلك الأيام كانت هيّنة. وكانت لهنّ الحياة الرهبانيّة حياة تقوى عادية، لا تتجاوز ما يمارسه عامة الناس الأتقياء، ما عدا البتولية. أمّا الحياة الرهبانية الصحيحة المبنية على التجرّد وألإماتة والتواضع والتفرّغ للصلاة العقلية والطاعة الكاملة، فكانت شيئاً نادراً.فعاشت تريزيا تلك الحياة الهنيئة الهيّنة مدّة إثنتين وعشرين سنة. نعم أنّها كانت من صف الراهبات التقيّات، وكان الله قد منحها نعمة سكب الدموع حتى صارت كثيرة الصلاة والخشوع، وكانت تمارس الطاعة, وامتازت أيضاً بالمحبّة الأخويّة وبعض الإماتات الجسديّة. إلاّ أنّها لم تكن بعد قد تعوّدت التجرّد والكفر بالنفس. وكانت لا تردع ذاتها عن قبول الزيارات كل ساعة، وعن الأسترسال في التعلّق بأصحابها وصاحباتها وأبناء عمّها، وعن السعي وراء إرضاء نفسها بكل ما لا يصل إلى الإثم والخطيئة. حتى أنّها فقدت كل ميل إلى الـتأمّل الروحي، بل تركته سنة كاملة. وهكذا أوشكت تلك الحياة العادية أن تعرّضها للتراخي والسقوط.

ولمّا كانت العناية الإلهيّة قد أعدت تريزيا لعمل خطير ولقداسة سامية، عُنيت بأن توفر لها أسباب الخروج من تلك الحالة الفاترة. فابتلاها الله بمرض شديد أوصلها إلى أبواب الموت، ولم تنجُ منه إلاّ بأعجوبة سماويّة وبشفاعة القديس يوسف البتول. وقيّض الله لها أن قرأت كتاب إعترافات القديس أوغسطينس الطافحة بعواطف المحبّة والندامة، والشكر لله على آلائه. فانفتحت عيناها للحقائق الأبديّة، وبدأت حياة الحرارة والتواضع والأمانة والتجرّد، والموت الكامل للخلائق، لتكون لله وحده دون سواه.

فبدأ الله يظهر لعقلها وقلبها بإيحاءات وأنوار سماويّة، ويعلّمها كيف تصلّي، فصارت تجد نعيمها في تلك الصلاة، وتقضي في ممارستها الساعات الطوال، حتى أنّها خشيت أن تكون تلك اللذة القلبية والراحة الداخلية التي تشعر بها، من عمل الشيطان، لكن مرشدها القديس فرنسيس دي بورجيا، من الرهبانية اليسوعية، طمأنها بقوله أنّها ما دامت تسير في طريق التواضع وتبدأ صلاتها بالنظر إلى يسوع المصلوب، فلا خوف عليها من الغرور.

وأخذ الرب يسوع يَظهر لها تارةً بنوع حسي، وتارةً بأنوار إلهيّة يفيضها في عقلها وفي قلبها، حتى ظنّ من كان آنئذ يرشدها أنّها مغرورة. إلاّ أن الفادي الإلهي ما لبث أن أضرم في قلبها نار حبّه الإلهي، وصبّ في نفسها شوقاً عظيماً إلى رؤيته، حتى أن حياتها على الأرض أضحت موتاً متكرراً متواصلاً. ومع ذلك كانت تشعر بلذّة قلبية وطمأنينة داخلية لا توصف.

وكانت تميت جسدها بأنواع الآلام، فتلبس المسح الخشن، أو تفرك جسدها الناعم الغض بالأشواك والقرّاص حتى يلتهب كلّه، ويؤلمها شديد الألم. وحدث لها أن مزّقت جسدها بوضع"تَنَكٍ" كثير الثقوب الصغيرة المسنّنة حتى سالت دماؤها بغزارة. وكانت تجلّد نفسها بأمراسٍ مربوطة في أطرافها قطع من الحديد. وهكذا كانت تستعبد ذلك الجسد وتقهره بالأصوام والإماتات المفوضة والإختيارية، لكي يبقى أسير النفس المشرقة اللامعة السماوية.

وحملتها محبّتها الفائقة النارية للفادي الإلهي على إعادة رهبانية الكرمل إلى فرائضها الأولى وجمالها القديم. فاندفعت في هذا الميدان الخطير، وقامت تحقّق ذلك العمل العظيم. فلاقت من المصاعب أهوالاً. فكان هذا دليلاً جليّاً على أن عملها هو إلهي سماوي. فاضطهدها الناس، وناصبها الشيطان العداء ليعرقل مساعيها ويثبط عزائمها. لكنّها مضت في سبيلها بإرادة جبّارة، معتمدة على الصلاة والصيام والدموع والتواضع، والطاعة لإرشادات رجال الله القديسين الذين أرسلهم إليها الله ليسددوا خطاها، ولا سيّما بعض الآباء الدومنيكيين واليسوعيين. فنجحت في عملها نجاحاً عظيماً. فأنشأت أولاً ديراً في أفيلا، وقامت تدير شؤونه وترشد راهباته في طرق الكمال الكرملي الملائكي. فتعددت الأديار من هذا النوع للنساء، ثم للرجال، حتى ملأت بلاد إسبانيا.

وكانت غاياتها الرئيسية من أنشاءاتها ومن حياة راهباتها أولاً تمجيد يسوع عروساً وحبيب قلبها. وكانت تقول أنّها مستعدّة لأن تحتمل جميع أنواع الآلام، وأن تموت ألف مرّة في سبيل خلاص نفس واحدة.

وكانت القديسة تريزيا إبنة سبعٍ وستين سنة لمّا دعاها الله إليه ليروي غليل حبّها برؤية طلعته، ويشبع أشواقها بسنى بهاء مجده، ويكلّل إلى الأبد هامتها بإكليل النور في ملكوته. ولما كان حبّها يدفعها إلى الرغبة في الآلام واحتمال أشدها لأجل يسوع، كانت تقول: أريد أن أتألّم أو أموت. لكنّي أفضّل الألم. لأنّها كانت ترغب في أن تتشبّه بعروسها الإلهي، وتفتدي النفوس هي أيضاً بآلامها وصبرها على مثاله. فحقّق الله رغائبها، وأرسل إليها الأمراض والأوجاع الصعبة طول حياتها. ودعاها إلى حياة المشقّات والأسفار والإنشاءات. فطرحها على فراش الألم والموت في مدينة ألبا، فيما كانت عائدة من بُرغس إلى أفيلا.

فقضت أيامها الأخيرة وهي تشكر لله ما أنعم به عليها، إذ جعلها إبنة الكنيسة الكاثوليكيّة، ودعاها إلى الحياة الرهبانيّة الملائكيّة، وأعاد رهبانية سيّدة الكرمل إلى جمالها القديم وفرائضها الأولى.

كانت القديسة تريزيا قد صنعت معجزات كثيرة في حياتها. لكن العجائب كثرت جدّاً على ضريحها بعد وفاتها. فأعلنت الكنيسة قداستها أربعين سنة بعد موتها سنة 1622.

 

استشهاد القديس بولس بطريرك القسطنطينية(بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)

في مثل هذا اليوم استشهد القديس بولس بطريرك القسطنطينية. كان تلميذاً للأب الاسكندروس بطريرك القسطنطينية. وقدم البطريركية بعد نياحته ولما جلس على الكرسي البطريركي طرد تابعي شيعة أريوس من القسطنطينية وأعمالها. ولما توفى قسطنطين الكبير ملك بعده أولاده الثلاثة. فاختص قسطنديوس بالقسطنطينية وقسطنس برومية. وقسطنطينوس ببلاد الغال(فرنسا) وبريطانيا. وكان قسطنطنديوس على رأى أريوس. فعز عليه ما فعله الأب بولس بالأريوسيين. وطلب إليه أن يكف عن حرمهم فلم يستمع إليه، فغضب ونفاه من القسطنطينية. وكان قد سبق فنفى القديس أثناسيوس الرسولي من الإسكندرية أيضًا. فاجتمع الاثنان برومية وتوصلا إلى المثول أمام الملك قسطنس وأعلماه بأمرهما، فكتب لهما كتاباً إلى أخيه يأمره بقبولهما، ويتهدده بأنه إذا لم يقبلهما زال السلام من بينهما وحلَّ مكانه الحرب. وصل القديسان إلى القسطنطينية وقدما الكتاب إلى الملك قسطنديوس فقبل وساطة أخيه وأعادهما إلى كرسيهما. ولكنه بعدما قتل أخوه قسطنس برومية، عاد فنفى الأب بولس إلى بلاد أرمينية، وبعد أيام قليلة أرسل إلى أحد أتباع أريوس يأمره بأن يلحق به هناك ويقتله. فدخل عليه ليلاً وخنقه ونال إكليل الشهادة. وكانت مدة رياسته أربع سنين.

صلاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما أبديا. آمين.