قديسو اليوم: 14 أيلول 2016
وبعد مرور سنة جاء بها الامبراطور هرقل الى اورشليم ليركز عود الصليب في موضعه على جبل الجلجلة. فقام لملاقاته الشعب وعلى رأسهم البطريرك زكريا. فاستقبلوه بأبهى مظاهر الفرح والبهجة بالمشاعل والترانيم البيعية، وساروا حتى طريق الجلجلة. وهناك توقف الملك بغتة بقوة خفية وما امكنه ان يخطو خطوة واحدة. فتقدم البطريرك وقال للملك:" ان السيد المسيح مشى هذه الطريق حاملاً صليبه، مكللاً بالشوك، لابساً ثوب السخرية والهوان، وانت لابس اثوابك الارجوانية وعلى رأسك التاج المرصع بالجواهر، فعليك ان تشابه المسيح بتواضعه وفقره". فأصغى الملك الى كلام البطريرك، وارتدى ثوباً حقيراً ومشى مكشوف الرأس، حافي القدمين، فوصل الى الجلجلة، حيث ركّز الصليب في الموضع الذي كان فيه قبلاً.
ثم نقيم تذكار ظهور الصليب للملك قسطنطين الكبير في الحرب ضد عدوه مكسنسيوس. وذلك انه لما قرُب من رومة استعان بالمسيحيين واستغاث بالههم يسوع المسيح واله والدته هيلانه لينصره على اعدائه. وبينما هو في المعركة ظهر له الصليب في الجو الصافي، محاطاً بهذه الكتابة بأحرف بارزة من النور:" بهذه العلامة تظفر" فاتكل على اله الصليب، فانتصر على مكسنسيوس، وآمن بالمسيح هو وجنوده. وجعل راية الصليب تخفق في راياته وبنوده. وبعث الكنيسة من ظلمة الدياميس، وأمر بهدم معابد الاصنام وشيد مكانها الكنائس، ومنذ ذلك الحين، اي منذ عام 330، عمَّ الاحتفالُ بعيد الصليب الشرقَ والغربَ. وقد امتاز لبنان بهذا الاحتفال منذ القديم، فانه، ليلة هذا العيد، يظهر شعلة من الانوار في جروده وسواحله. فالشكر للرب يسوع الذي قال:" وانا اذا ارتفعت عن الارض، جذبت الي الجميع". آمين.
ارتفاع الصليب المقدس (بحسب الكنيسة السريانية الكاثوليكية)
في عهد الملك هرقل الأول البيزنطي (610 - 641)، توجه كسرى الثاني ملك الفرس (590 - 628) الى بلاد الشام وزحف الى مدينة اورشليم ففتحها ونهبها وأحرقها ثم سبى زكريا بطريركها. كما سبى ذخيرة الصليب المقدس. وكان هذا الصليب قد اكتشفته الملكة هيلانة أم الملك قسطنطين الكبير ووضعته في كنيسة القيامة. واستطاع هرقل ملك الروم أن ينظم جيشه وأن يرد القوات الفارسية على أعقابها. ثم دخل بلاد فارس وقاتل كسرى، ولم يكفّ حتى كسر جيشه. واغتيل كسرى الثاني سنة 628 وخلفه ابنه شيرويه الذي صالح هرقل ملك الروم متعهداً بشروط جمَّة أخصّها إعادة الصليب المقدس الذي بقي في بلاد فارس مدة أربع عشرة سنة، وإطلاق سراح البطريرك زكريا وجميع الأسرى المسيحيين. فشكر هرقل الله على ذلك وعلى انتصاره.
ولكي يظهر شكره لله عاد الى اورشليم بالصليب المقدس، فدخل به المدينة حاملاً إياه على كتفه وهو موشّح بأفخر ثيابه الملكية. فاجتمع من كل نواحي بلاد فلسطين أقوام كثيرون وخرجوا مع جميع الاكليريكيين لاستقبال الراية باحتفال جليل. فحدث في تلك الأثناء أعجوبة باهرة، وذلك إن الملك لما بلغ باب كنيسة القيامة شعر بما يمنعه عن المسير الى الأمام خطوة واحدة، فتحيّر هو والذين معه. وفيما هم مفكرون في سبب تلك الآية، قال زكريا البطريرك للملك: "حذار أيها الملك، لعلّ السبب لذلك هو كونك لابساً أثواباً فاخرة، لا تشبه الحالة التي كان عليها يسوع المسيح من الفقر والاتضاع حينما حمل هذا الصليب المقدس. ففي الحال خلع الملك حلّته الملوكية ولبس ثوباً اعتيادياً ومشى حافياً ورفع التاج الذي كان على رأسه، وحمل الصليب المكرّم ودخل الكنيسة بسهولة. ولما انتهى إليها، وضعه في مكانه وكان ذلك في اليوم الرابع عشر من شهر ايلول سنة 629 للمسيح.
رفع الصليب الكريم المحيي (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)
يرتبط بهذا العيد عدد من الأحداث التاريخية المتباعدة. أول هذه الأحداث أن قسطنطين الملك، كان يستعد لمواجهة خصمه مكسنتيوس ودخول روما، أبصر، في السماء، ذات ليلة علامة الصليب المحيي في هيئة نورانية وهذه الكتابة من حولها: (بهذه العلامة تغلب). فاتخذها شعاراً رفعه على بيارق جيشه وانتصر.
ثم انه في السنة العشرين من حكمه أوفد بعثة برئاسة والدته إلى الأرض المقدسة ملتمسا عود الصليب ذاته. وبعدما أجرت البعثة استطلاعاً أولياً، تبين لها أن القول الشائع بين العامة والمتناقل، أباً عن جد، يفيد أن الصليب مدفون تحت هيكل فينوس الذي كان قد بناه الإمبراطور إدريانوس في النصف الأول من القرن الثاني للميلاد. وباشرت البعثة بالحفر واستمرت فيه إلى أن وقعت على ثلاثة صلبان، لا واحد. فحارت هيلانة، والدة قسطنطين، في أمرها، أياً من الثلاثة يكون صليب الرب يسوع. في تلك الأثناء كانت جنازة مارة في الجوار، فقام مكاريوس، أسقف المدينة (+ 331 )، إلى الجنازة فوقف المشيعون. ثم جيء بأعواد الصليب، الواحد تلو الآخر، فمس القديس مكاريوس بها الجثة. وما أن وقع على الميت أحد هذه الصلبان حتى ارتعش وعادت روحه إليه. فأيقن الجميع في ذهول أن هذا هو صليب الرب يسوع حقاً. ويقال أيضاً أن امرأة كانت في حال النزع الأخير وضع الصليب عليها فشفيت لتوها. فقام الأسقف مكاريوس ورفع الصليب عالياً بكلتا يديه وبارك به الشعب، فخرج من الشعب صوت واحد هاتفا: (يا رب ارحم )! ومنذ ذلك الحين رسم الآباء القديسون. أن يحتفل برفع الصليب الكريم في كل الكنائس، كل عام، في مثل هذا اليوم.
ثم إن الملك خسرو الفارسي غزا أورشليم في العام 614 فأخذ عبيداً كثيرين، كما استولى على عود الصليب وعاد به إلى عاصمته المدائن حيث بقي أربعة عشر عاماً إلى أن تمكن الإمبراطور البيزنطي هرقل من دحر خسرو واسترداده.
على أن العيد ليس احتفالاً باكتشاف عود الصليب ورفعه أو استرداده وحسب، بل بما تحقق به. فبالصليب (أتى الفرح إلى كل العالم)، وبالصليب رفع اليد (كل طبيعة ادم الساقطة) (مسترداً جميع البشر). بالعود، تم تدبير الله الرهيب من أجلنا. بهذا المعنى تقول أنشودة نرتلها في صلاة المساء الكبرى، عشية العيد، ما يلي: هلمُّوا يا جميع الشعوب نسجد للعود المبارك الذي به تم العدل السرمدي. لأن الذي خدع آدم، الجد الأول، بالعود، خدع بالصليب، والذي تمرد فاستعبد الجبلة الملكية سقط مصروعاً سقطة مريعة، وبدم الله غسل سم الحية، وبالقضاء على الصديق ظلماً اضمحلت اللعنة المقض بها عن عدل، لأن العود وجب أن يشفى بالعود، وآلام المحكوم عليه بالعود وجب أن تضمحل بآلام المنزه عن الآلام. فالمجد لتدبيرك الرهيب من أجلنا أيها المسيح الإله الذي به خلصت الجميع...).
العيد الرائع لرفع الصليب الكريم المحيي (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)
إن الكنيسة المقدّسة في مشارق الأرض ومغاربها تحتفل اليوم بعيد الصليب الكريم المحيي تذكاراً لاكتشاف أداة خلاصنا في أورشليم في النصف الأول من القرن الرابع، وخصوصاً لرجوع هذا العود الكريم من الأَسِرْ من بلاد الفرس سنة 628.
كان النزاع قديماً بين المملكة الرومانية والمملكة الفارسية. وكانت عاصمة الفرس المدائن في العراق، وعاصمة الروم القسطنطينية. وكانت الحرب سجالاً بين المملكتين. وكانت البلاد السورية والفلسطينية الواقعة على حدود بلاد الروم تتألّم كثيراً من تلك الحروب التي لم يُغمد لها سيف ولم يسكت لها بوق مدّة قرون طويلة.
ففي سنة 615 دخل الفرس أورشليم فاتحين، بعد أن جعلوا بلاد سوريا وفلسطين قاعاً صفصفاً، فهدموا القلاع وأحرقوا الكنائس والأديار وقتلوا الرهبان والنسّاك، وحوّلوا تلك البلاد العامرة إلى أطلال بالية.
وحمل الفرس إلى بلادهم غنائم لا يفي بها وصف مع ألوف من الأسرى. وأخذوا من أورشليم ذخيرة عود الصليب الكريم، وساقوا البطريرك زخريا أسيراً إلى المدائن. لكن إحترامهم لتلك الذخيرة المكرّمة جعلهم لا يمدّون إليها يداً أثيمة، فاكتفوا بأن حملوها إلى بلادهم، وكانوا يقولون أن إله المسيحيين ذهب إليهم.
وبقي الفرس في سوريا ومصر إلى سنة 628. فحمل عليهم الملك هِرَقل، وأخرجهم من تلك البلاد، ودحرهم إلى ما وراء دجلة وتوغل في بلادهم، وأمعن فيها سلباً وتخريباً. فطلب الفرس الصلح، فصالحهم هرقل على أن يعيدوا ذخيرة عود الصليب الكريم، ويطلقوا البطريرك زخريا وسائر المسيحييين من الأسر. وهكذا كان. فأعاد الفرس تلك الذخيرة الثمينة إلى الملك هرقل في القسطنطينية وأطلقوا سراح الأسرى. فلمّا رجع هرقل إلى عاصمة ملكه مكلّلاً بغار الإنتصار قامت الدنيا تهلّل له.
وأراد الملك هرقل أن يبدي شكره لله على ما أولاه من الظفر، فحمل ذخيرة عود الصليب الكريم من القسطنطينية وجاء بها إلى أورشليم لكي يعيدها بيديه إلى مكانها. فلمّا وصل إلى المدينة المقدّسة جاءت الدنيا لتشاركه في حفلة إكرامها. وحملها الملك على منكبيه، كما كان ملك الملوك صاحبها قد حملها من قبله. وسار في شوارع أورشليم حافياً مكشوف الرأس، وسارت الجماهير تواكبه، بطاركة وأساقفة وكهنة ورهباناً وعظماء وقوّاداً، وألوفاً لا يحصيها عد من الشعوب المسيحيّة. وكان الجميع يحملون الشموع وسعف النخل وينشدون أناشيد الظفر والفرح.
ورسمت الكنيسة أن يُقام عيد لهذا الحادث الجليل كل سنة في مثل هذا اليوم. وما زلنا حتى الآن على إقامة الحفلات الشائقة لهذا التذكار العظيم. إلاّ أن الكنيسة كانت قبل هذا التاريخ تكرّم صليب الرب وتسجد للفادي الإلهي المعلّق عليه. لأنّه هو نفسه كان قد سبق فقال "وأنا إذا ارتفعت عن الأرض جذبت إليّ الجميع".
ويقول الكردينال بارونيوس أن الكنيسة كانت قد رسمت أن يُقام هذا العيد كل سنة منذ أيام قسطنطين الكبير في النصف الأول من القرن الرابع، من يوم وجد ذلك العود الكريم في جوار الجلجلة.
ولا تزال الكنيسة شرقاً وغرباً تعيّد لرفع الصليب الكريم في مثل هذا اليوم بمظاهر الفرح والإبتهاج. تمتاز بلادنا على غيرها بالإحتفاء بهذا العيد الشريف، ولا سيّما جبل لبنان. فإنّك في ليلة هذا العيد يخيّل إليك أن الجبل تحوّل إلى شعلة عظيمة تمتد من الهضاب النازلة إلى صور وصيدا جنوباً حتى أعلى جبال بشرّي وإهدن المشرفة على مدينة طرابلس الجميلة شمالاً. وأنّك لترى السهام النارية تتصاعد بالمئات من كل رابية فتشق عنان السماء، وتنعكس أنوارها على مياه البحر الأبيض فتشق عبابه كأنّها نجوم مذنّبة تتراكض وتلمع، متلألئة على أديم ذلك الماء.
لكن عيد الصليب الحقيقي هو في قلب المسيحي، يحتفل به بلا إنقطاع كل صباح وكل مساء، ويكرّم الفادي الإلهي المعلّق عليه، فيحتمل آلام هذه الحياة ومشقاتها حبّاً له. "لأن الصليب، على ما ورد في صلواتنا الطقسية، هو حارس المسكونة كلّها، الصليب بهاء الكنيسة، الصليب عزّة الملوك، الصليب سند المؤمنين، الصليب مجد الملائكة ونكبة الأبالسة".
تذكار نياحة يشوع بن نون (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)
تذكار نياحة يشوع بن نون. صلاته تكون معنا، ولربنا المجد دائما أبديا آمين.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : نياحة البابا مكاريوس الثاني "69"
في هذا اليوم من سنة 1122 م. تنيح الأب القديس الأنبا مقاريوس التاسع والستون من باباوات المدينة العظمى الإسكندرية هذا الأب كان منذ صغره عابدا ناسكا. وارتاح إلي سيرة الرهبنة فذهب إلي برية الاسقيط وترهب بدير القديس مقاريوس. وتفرغ للعبادة والجهاد. وكان يروض نفسه بقراءة الكتب المقدسة وتفاسيرها والتأمل في معانيها. وارتقى في الفضيلة فرسم قسا. ولما تنيح الأنبا ميخائيل البابا الثامن والستون خلا الكرسي البابوي فذهب جماعة من الكهنة والأساقفة العلماء إلي برية الاسقيط. واجتمعوا في الكنيسة مع شيوخ البرية ومكثوا زمانا يبحثون ويستكشفون أخبار من يصلح لهذه الرتبة. إلي أن استقر رأى الجميع على تقدمة هذا الأب لما عرف عنه من الخصال الحميدة والخلال السديدة، فآخذوه جبرا وقيدوه قسرا، وهو ينتحل الأعذار ويقدم أسبابا ويصيح بأن يعفوه قائلا: إني لا أصلح للبطريركية. فأحضروه إلي الإسكندرية ورسموه بطريركا،وقرء التقليده بكنيسة المعلقة بمصر، يونانيا وقبطيا وعربيا. وكان في رئاسته متزايدا في نسكه وتعبده. وكان مداوما على التعليم والوعظ كل يوم. وكان يواصل الصدقات والرحمة إلي ذوى الفاقة وأرباب الحاجات، ولم يطالب في أيام رئاسته بشيء من أموال الكنائس، بل ما كان يفضل عنه مما يقدم له، كان يصرفه في أوجه البر، وكمل في الرياسة سبعا وعشرين سنة، وتنيح بسلام، صلاته تكون معنا آمين.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : نياحة القديسة فيرونيا
تذكار نياحة القديسة فيرونيا. صلاتها تكون معنا، ولربنا المجد دائما أبديا آمين..