دينيّة
13 شباط 2017, 06:30

قديسو اليوم: 13 شباط 2017

تذكار القديس مرتينيانوس الناسك (بحسب الكنيسة المارونية) ولد هذا القديس في قيصرية فلسطين في اواسط القرن الرابع. ومنذ صغره هجر وطنه وذهب الى القفر يسير في طريق الكمال بالنسك وممارسة الفضائل، فمنحه الله موهبة الآيات وصنع العجائب. وعاش في تلك الخلوة خمساً وعشرين سنة، عيشة ملائكية.

 

فدفع عدو البشر احدى النساء الساقطات لتغريه فذهبت اليه وأخفت زينتها في صرة وارتدت ثياب المتعبدات وجاءت تطرق بابه في ليلة اشتدَّ فيها المطر وطفقت تستغيث به ليقبلها ويؤويها ولا يدعها فريسة للوحوش في ذلك الظلام الدامس. ففتح مرتينيانوس باب صومعته ورأى تلم المرأة بهيئتها الرثَّة فرقَّ لها وادخلها واوقد لها ناراً واعطاها ثمراً لتأكل واعتزل في منسك قريب قضى الليل فيه بالصلاة. ولمّا لاح الفجر، ذهب الى تلك المرأة ليصرفها، فرأى امامه امرأة تتلألأ حسناً وزينة فوقعت من نفسه، لكنَّ نعمة الله سندته فادرك فظاعة الاثم ورفع عينيه الى السماء وأضرم ناراً ادخل رجليه فيها فانتصر على التجربة. ولدى هذا المشهد تأثرت المرأة جداً فنزعت ثيابها الثمينة وارتدت خلقانها الرثة وجثت باكية على قدمي القديس طالبة الصفح والغفران، واعدة بأن تمضّي عمرها بالتوبة، فأوعز اليها بان تذهب الى دير في بيت لحم تحت تدبير القديس باولا. فذهبت ومكثت اثنتي عشرة سنة، ممارِسةً افعال التوبة الشاقَّة. ثم رقدت بالرب.

أمّا مرتينيانوس فمَا زال الشيطان يلاحقه بالتجارب حتى ألجأه الى الهرب. فتاهَ على وجهه في كل مكان، يزور الكنائس ويعيش من الاستعطاء. ووصل الى اثنا، حيث عرف بدنّو أجله، فدخل الكنيسة، وبينما كان يصلّي مستعداً لملاقاة ربّه، جاء أسقف المدينة بإلهام الله، يعزّيه ويشجعّه. وبعد ان تزوَّد الاسرار المقدسة، رقد بالرب في أواخر القرن الرابع. صلاته معنا. آمين!

 

القديسان الرسولان الشهيدان أكيلا وبريسكلا‎ ‎‏(بحسب الكنيسة الارثوذكسية)‏ 

أكيلا رجل يهودي اهتدى وغار غيرة للمسيح، وبريسكلا زوجتُهُ. نبطي الجنس. أول خبره في سفر أعمال الرسل، الإصحاح 18. كان وزوجته في إيطاليا. فلما صدر أمر من كلوديوس قيصر بمضي جميع اليهود عن رومية آتيا إلى كورنثوس وأقاما فيها. كورنثوس كانت يومذاك مركزاً تجارياً مهماً بين إيطاليا وآسيا. هناك التقاهما بولس الرسول أول مرَّة. وإذ كان من صناعتهما، لأنهما كانا خيَّاميين، أقام عندهما. ويبدو أنه هو الذي بشَّرهما بالمسيح وهداهما. ولما سافر إلى سورية كانا أكيلا وبريسكلا معه. وبعد ما حطّ في أفسس تركهما هناك. في أفسس التقى الرسولان رجلاً يهودياً اسمه أبلّوس الأسكندري هذا كان فصيحاً مقتدراً في الكتب، خبيراً في طريق الرب، حاراً بالروح، لكنه لا يعرف غير معمودية يوحنَّا . وإذ ابتدأ يجاهر في المجمع، سمعه أكيلا وبريسكلا فأخذاه إلى بيتهما، "وشرحا له طريق الرب بأكثر تدقيق" (أع18: 26). هذا ويبدو أن الرسولين عادا إلى رومية في وقت لاحق وفتحا بيتهما كنيسة. وقد أرسل الرسول بولس سلامه إليهما فيما كتبه إلى رومية من كورنثوس. في هذه الرسالة (رو16) قال عنهما إنهما عاملان معه في المسيح يسوع وأنهما وضعا عنقيهما من أجل حياته. وأضاف: "لست أنا وحدي أشكرهما أيضاً جميع كنائس الأمم". وفي التُراث إنهما استشهدا بقطع الهامة. 

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : القديس البار مرتنيانوس الفلسطيني 

لا نعرف تماماً متى عاش القدّيس مرتنيانوس ولا أين ولو غلب القرن الرابع تاريخياً وقيصرية فلسطين مكاناً. بعض التواريخ يمتد حتى إلى القرن التاسع الميلادي، وبعض الأمكنة إلى بلاد الكبّادوك. أنّى يكن الأمر فإن كتبة سيرة القدّيس المميّز يتّفقون في الخطوط العريضة لسيرته.

اقتبل مرتنيانوس الحياة النسكية في سن الثامنة عشرة في مكان يقال له "محّلة القوس" انتشر فيه النسّاك. وعلى مدى خمس وعشرين سنة سلك في الفضيلة بهمّة وجدّ كبيرين حتى قيل أن الرب منّ عليه بموهبة صنع العجائب. بعد ذلك سمح الرب لعبده بتجربة مرّة. التجربة كانت تجربة الجسد. هل كانت من باب حسد الشياطين، على غرار ما فعله إبليس بأيوب الصدّيق؟ ربما! هل كان في قلب الرجل هوى للمرأة مربوطاً برباط الجهاد لم يسمح الرب إلى ذلك الحين بتزكيته، ثم فجأة انكشف ليكون لعبد الله مرتنيانوس أن يتّضع بإزائه؟ هذا أيضاً ممكن.

دونك ما جرى لقدّيسنا العزيز.

كانت في قيصرية امرأة هوى مغتّرة بنفسها. فلما بلغها خبر  مرتنيانوس أنه طاهر نقيّ بار مجدّ تحرّك في نفسها شعور بالتحدّي. مرتنيانوس كما ورد، كان وسيم الطلعة ترغب به النساء وكان يستقبل الناس ويصلّي عليهم. فخطر ببال المرأة أن تغامر فاتشحت بثياب رثّة وحملت تحت إبطها صرّة جعلت فيها ثوباً وشالاً ناعمين وبعض الحليّ وخرجت إلى محلّة القدّيس. هناك أخذ المطر يتساقط. وبان كأن عدو الخير رتّب منظراً يثير شفقة القدّيس فيستقبل المرأة ويقع في المحظور. كل ذلك بسماح من الله. قرعت المرأة الباب ففتح. وإذا به أمام مخلوق رثّ الثياب والمطر يسحّ منها، في فاها الويل والترجّي أن يستقبلها لئلا تفترسها الوحوش والوقت أمسى. ماذا عساه يفعل؟ لم يخطر بباله أن هذا ربما كان فخّاً إبليسياً، والنسّاك، عادة، ذوو حذر شديد. ولعل الله حجب عنه البصيرة تدبيراً ليضيء ظلمته فيما بعد.

قبل القدّيس المرأة لديه. أعدّ لها ناراً لتستدفئ وقدّم لها بعض ما عنده من المأكل، خبزاً أو تمراً. ثم تركها إلى قلاية داخلية كانت له واستغرق في صلاته وتلاوة مزاميره. ماذا حدث بعد ذلك ليس واضحاً. قيل أن المرأة غيّرت حلّتها. لبست الغوى بعدما لبست المسكنة. وقيل اقتحمت قلايته الجوانية. كذلك قيل أنه جاء إليها مفتقداً فألفاها على مظهر أسر قلبه. أنّى يكن الأمر فإن مرتنيانوس اجتاحته التجربة وتحرّكت لها أحشاؤه حتى قبلها ومال إليها، لاسيما للكلام المخدّر الذي سمعه منها عن عرس قانا الجليل وزواج بعض الأنبياء والقدّيسين وإنه ليس في الحب ما يضير. الإطار المسرحي من وجهة بشريّة وشيطانية كان مبكّلاً. وبالنتيجة أذعن القدّيس للأمر المعروض عليه. أمر واحد بقي أمامه أن يتأكد من أن أحداً ليس في الخارج، وليس تحت عين إنسان. وإذ خطر ذلك بباله قفز إلى خارج القلاية ليتأكّد من خلو الساحة لديه. في تلك اللحظات القليلة اخترقت قلبه رأفة الله بهيئة صورة للهاوية التي هو مزمع أن يلقي بنفسه فيها فانصدم وارتدّ تائباً. لمح مرارة المرّ مذاقاً فثاب إلى رشده. للحال جمع حطباً وأشعل ناراً ووطئها حافي القدمين ولسان حاله: انظر قبل أن تباشر النجاسة إن كنت قادراً على احتمال نار جهنم عقاباً! وإذ احترقت قدماه وعظم ألمه واشتدّ نخس قلبه حرقة فوق حرقة، أخذ يعول بدموع سخيّة فبلغ صوته أذني المرأة فخرجت تستطلع أمره فألفته في أسوأ حال. وقد ذكروا أن المرأة هربت لتوّها. وذكروا أيضاً أن رهبة المشهد زلزلتها فبان ما فعلته في منتهى العبث والوحشية. وإذ اضطربت أعماقها تابت إلى ربّها وأخذت تتوسّل للقدّيس أن يسامحها ويعينها إن كان لها خلاص. كذلك رووا أن القدّيس بعث بها إلى دير القدّيسة باولا في بيت لحم حيث سلكت في توبة صدوق اثنتي عشرة سنة إلى أن تكمّلت بالقداسة. وللمرأة في التراث اسم هو زويي.

أما رجل الله فاحتاج إلى سبعة أشهر ليسترد عافيته ثم غادر مكانه.

هام على وجهه في البرية يبحث عن مكان لا وصول  لأحد إليه. كان يظن أن البعاد كاف ليحول بينه وبين الناس، لاسيما النساء، وليقيه شرّ تجارب إبليس. أخيراً، دون أن يعرف كيف، بلغ شاطئ البحر. هناك التقى رجلاً تقياً، صاحب مركب، يعرف دواخل البحر جيداً. فسأله عن مكان مقطوع بالتمام عن الأنس. فدلّه على صخرة كبيرة في عرض البحر، يتعذّر على أحد الوصول إليها. وإذ حرّك الرب الإله قلب الرجل رضي أن يأخذ مرتنيانوس إليها وأن يأتيه كل بضعة أشهر ببعض الماء والطعام والخوص لشغل السلال.

قبع  مرتنيانوس على تلك الصخرة عشر سنوات لم يُقلق هدوءه خلالها أحد. ثم حلّت ساعة التجربة من جديد.

سفينة انكسرت بقرب المكان وهلك من كانوا على متنها إلا صبية فتّانة تمسّكت بخشبة بين حطام السفينة بقرب صخرة القدّيس رأته الصبية فاستغاثت ونادته. وإذ لاحظها خطر بباله أن تكون تلك تجربة أخرى شطّطها له إبليس بقرب مأواه ليوقع به. حدّق جيداً. كيف يترك الصبية عرضة للهلاك! فأتى إليها وأعانها حتى أخرجها إلى الصخرة. وما أن استردّت أنفاسها قليلاً حتى قال لها أنه لا يستطيع أن يبقى في مكانه معها. عليه أن يذهب. أما هي فلتبق إلى أن يأتي صديقه، صاحب المركب، وهو يعينها إلى بلدها. وإذ أسلمها ما لديه من طعام وشراب استودعها الله وألقى بنفسه في المياه كبين يدي الله الحي، فإذا بدُلفين ينقله على ظهره إلى الشاطئ.

أما الفتاة فلكي تؤدي الشكر لله فإنها آثرت قضاء بقية أيام حياتها ناسكة على الصخرة. وقد ورد أنها استمرت كذلك سنين إلى أن رقدت بالرب واسمها فوتين. وإن صاحب المركب وزوجته هما اللذان أخذاها، بعدما رقدت، ووارياها الثرى.

أما مرتنيانوس فشكر الله جزيلاً على حسن رعايته وقرّر، مذ ذاك، أن يسوح ولا يقيم في مكان إلا عبوراً. وقد ورد أنه مرّ بما يزيد على المائة مدينة في غضون سنتين إلى أن وصل إلى أثينا حيث رقد.

هذا ويبدو أنه كان لقدّيسنا إكرام جزيل في الشرق، لاسيما في القسطنطينية، في كنيسة بقرب آجيا صوفيا.

 

تذكار أبينا البار مرتنيانس (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

كان مرتنيانس ابن ثماني عشرة سنة لمّا هجر وطنه وترك مدينته، قيصرية فلسطين، وذهب الى القفر ليتعبّد لله بالصوم والصلاة. وما لبث ان تقدّم كثيراً في طريق الفضائل والكمالات الإنجيلية، ومنحه الله صنع العجائب، فكثرت بشفاعة صلاته. فكان يخرج الشياطين ويشفي المرضى، ولا يأتيه حزين إلاّ ويعود حاملاً في قلبه ندى التعزية، حتى ذاع صيته في جميع أنحاء تلك البلاد. وعاش في تلك الخلوة خمساً وعشرين سنة، عيشة ملائكية، مواظباً على عباداته وإماتاته، على مثال كبار الرهبان القدّيسين.

وسمعت بسيرته إحدى النساء الساقطات، وكانت تدعى زوئي، فقالت: لا عجب في أن يعيش مرتنيانس تلك العيشة الطاهرة، إذ إنّه لا يعاشر سوى الوحوش في تلك الخلوة التي اختارها وتحصّن بها. ولكنّي سأذهب إليه وأفتنه بدلالي، فلا بد له ان يقع في حبائلي. فذهبت اليه، وأخفت زينتها وحلاها في صرّةٍ تأبّطتها، وارتدت بثياب المتعبّدات، وأتته يوماً عند المساء وطرقت بابه، وكان المطر ينهمر. وأخذت في النواح والعويل، متضرّعةً إليه أن يقبلها ويؤويها في تلك الليلة ولا يدعها فريسةً للوحوش في تلك الفلوات وذلك الظلام الدامس. فرقّ لحالها وفتح لها وقدّم لها ممّا عنده من الخبز والتمر، ثم تركها وذهب الى منسكٍ له قريب قضى فيه الليل يسبّح الربّ ويترنّم بالمزامير. لكن أفكاراً غريبة هاجمته في تلك الليلة، فصمد لها وحاربها وانتصر عليها.

فلمّا لاح الفجر ذهب الى تلك المرأة ليصرفها. فوجد أمامه إمرأة تتلألأ حسناً وزينةً وفتنة، فانذهل. ونظر أيضاً إليها فوقعت من نفسه. وبدل أن يبتعد عنها ويهرب من اغوائها ونارها أخذ يحادثها، وهي تبالغ في خداعه واستمالته. فاستسلم في قلبه الى شهوة معاشرتها. لكنّه ما كاد يتبيّن زلّة قلبه حتى أفاق لنفسه، فخرج مسرعاً وأخذت الدموع تتساقط من مقلتيه.  فذهب الى منسكه حزيناً. لكنّه عاد الى رشده وشجاعته، فأضرم ناراً كبيرة ونادى اليه تلك المرأة، فأقبلت تتهادى. فلمّا دخلت عليه ألقى بنفسه في النار أمامها، فاحترقت اعضاؤه كلّها. فصاحت مذعورة، فقال لها: لقد كنتِ لي سبب خطيئةٍ، وها أنا ذا الآن أكفّرها. فارتاعت تلك المرأة وأخذت تبتهل اليه أن يصفح عن إثمها. ومسّت نعمة الروح القدس قلبها فأخذت تبكي. ثم توارت وطرحت زينتها وعادت إليه تستعطفه لكي يغفر لها. ووعدته بأنّها لن ترجع الى قيصرية، بل تذهب من ساعتها الى الدير الذي يهديها إليه، لتكفّر فيه معاصيها. فأرسلها الى دير للراهبات في بيت لحم، حيث نسكت وقضت إثنتي عشرة سنة في العبادة والصوم والصلاة. ثم رقدت بالربّ رقود القدّيسين.

أمّا مرتنيانس، فأخذ يخاطب جسده المحروق مستهزئاً ويقول: أين شجاعتك أيّها الجسد الجموح؟ إذا كنت لم تقدر على احتمال النار ساعةً فكيف تحتمل نار جهنّم دائماً.  وبقي زماناً طويلاً لا يستطيع المشي ولا الوقوف بسبب ما أصابه من الحروق.

إنّ للقدّيس امبروسيوس كلاماً مأثوراً في هذا المعنى، فيقول: لا يهدأ الشيطان في كل مكان من محاربة الإنسان، إلاّ أنّه يتركه ويولّي الأدبار عندما لا يجد إمرأةً تناصره وتعمل معه.

فلمّا شفي مرتنيانس من حروقه توغّل في البريّة، لكي لا يعرض نفسه ثانيةً لزيارة إمرأة له. وفيما هو سائر تراءى له الشيطان وأخذ يضحك منه ويقول له: "الى أين مسيرك يا مرتنيانس؟ هل تظن أنّك تفلت من يدي، سألحق بك أينما كنت، وأطاردك حيثما هربت، ولا أتركك حتى أصرعك". فأجابه القدّيس: "يا لسوءَتكَ! كيف تباهي بالنصر بعد ان جرّدتك من سلاحك، وباتت المرأة التي بعثت بها إليّ لإسقاطي وإهلاكي سبب خزيٍ وعار لك"؟ وواصل القدّيس سيره، فوجد نفسه على شاطىء البحر، ورأى رجلاً فاضلاً له مركب صغير يعيش منه فطلب منه ان يدلّه على مكان لا يصل إليه إنسان. فأخبره عن صخرةٍ كبيرةٍ قائمة في عرض البحر، لا يأوي إليها أحد وتخاف المراكب أن تدنو منها لوعورة شواطئها ، فقال له: إحملني إليها، وتأتيني حيناً بعد حين بخبزٍ وماء، وأنا أدعو لك الله ليوفّق أمورك، وأقدّم لك كل ما اشتغله من الحصر فتبيعها وتأخذ ثمنها. فرضي البحّار بذلك وحمله الى هناك.

فسُرّ مرتنيانس بوحدته وشكر الله على نعمته، وظنّ نفسه قد صار في مأمن من شياطين الناس. وعاش على تلك الصخرة سنين طويلة يتعبّد لله، ولم يعكّر صفاء حياته إنسان، ووفى له البحّار بوعده.

إلاّ أنّ الشيطان الذي أغراء بحيلة إمرأةٍ عاد إليه ثانية بواسطة إمرأةٍ أيضاً. فإنّ سفينة غرقت يوماً بقرب تلك الصخرة، ولم ينج من ركّابها سوى إبنةٍ صبيّةٍ تعلّقت على دفّة فدفعتها الأمواج الى مرتنيانس فلمّا رأته الإبنة صاحت: يا أبي، أنقذني فإنّي أهلك فتردّد مرتنيانس لحظةً لكنّه فضّل حياة تلك الفتاة على نفسه أنقذها. وخاف من ضعفه، فدبّر لنفسه خطّةً تحميه من سهام عدوّه. فالتفت الى الصبيّة وقال لها: يا إبنتي، لا يمكننا ولا يليق بنا أن نعيش معاً ههنا فهوذا الخبز لطعامك، وهوذا الماء لشرابك. اكتفي بهما ريثما يأتي البحّار فيحملك الى البرّ ولا تنسي الله الذي  أنقذ حياتكِ ثم رسم على نفسه إشارة الصليب ورمى بنفسه في البحر واستسلم لتلك الخشبة التي نجت عليها الإبنة.

لكن الله لا يهمل أصفياءه الذين يضحّون بحياتهم في سبيل محبّته. فأرسل إليه إثنين من كلاب البحر، حملاه الى البرّ فشكر الله ولم يعد يرضى بالمكوث في مكان، بل أخذ يجول سائحاً من قرية الى قرية، يرقد في الكنائس ويعيش من حسنات المؤمنين، حتى وصل الى أثينا فأوحى الله الى أسقفها أنّ مرتنيانس القدّيس هو في الكنيسة، وأنّه لا يلبث أن يفارق الحياة فذهب اليه الأسقف وشجّعه ومنحه الأسرار. ورقد مرتنيانس بين يديه بسلام. وكان ذلك سنة 830 للمسيح.

ليس البار من لم يعصِ الله بزلّةٍ فقط، بل أولئك الخطأة الذين عادوا من آثامهم وتابوا الى الله هم قدّيسون وأبرار أيضاً.

أمّا تلك الإبنة التي أنقذها مرتنيانس ووهب لها ماله وخلوته، فلمّا رأت كيف أنقذها الله من الموت وكيف ضحّى مرتنيانس بحياته في سبيلها، أقامت على تلك الصخرة ناسكةً متعبّدة لله، وصارت تغزل الصوف وتدفعه الى البحّار بدل ما كان يأتيها به من الخبز والماء. وما والت على تلك الحال، تشكر الله وتذكر المحسن إليها، حتى رقدت بالربّ بسلام.

 

استشهاد القديسين اباكير ويوحنا والثلاثة عذارى وامهن (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)

في مثل هذا اليوم استشهد القديسون اباكير ويوحنا الجندي والثلاث عذارى، ثاؤذورا التي تفسيرها عطية الله، وثاؤبستي التي تفسيرها أمانة الله، وثاؤذكسيا التي تفسيرها مجد الله. وأمهن أثناسيا التي تفسيرها غير المائتة. وذلك إن القديس اباكير كان راهبا متعبدا منذ حداثته وكان القديس يوحنا جنديا من خاصة الملك. وقد تركا الإسكندرية وطنهما الأصلي وأقاما في إنطاكية. ولما أثار الملك دقلديانوس الاضطهاد علي المسيحيين، اعترفا مع العذارى وأمهن أمامه بالسيد المسيح. وإذ عرف انهم من الإسكندرية أمر بإعادتهم إليها. فلما وصلوا إلى هناك قدموهم إلى الوالي فاعترفوا بالسيد المسيح فأمر بقطع رؤوسهم. وكانت القديسة أثناسيا تثبت بناتها وتصبرهن وتعرفهن بانهن اذا استشهدن يصرن عرائس المسيح. وهكذا قطعوا رؤوسهن اولا ثم امهن فالقديسين اباكير ويوحنا. وبعد ذلك طرحوا أجسادهم للوحوش وطيور السماء. ولكن بعض المؤمنين أتوا واخذوا الأجساد ليلا ووضعوها في تابوت.

صلاتهم تكون معنا ولربنا المجد دائما أبديا آمين.

ترجمة أخرى للنص السابق:

".. تحتفل الكنيسة بتذكار شهادة القديسين أباكير ويوحنا والثلاث عذارى: ثاؤذورا، وثاؤبستى، وثاؤذكسيا، وأمهن أثناسيا. ومن أمرهم ان القديس أباكير كان راهبًا ناسكا متعبدًا منذ حداثته، والقديس يوحنا كان جنديًا من خاصة الملك. فترك الإثنان الإسكندرية وطنهما الأصلى وسكنا في انطاكية. ولما أثار الملك ديوكليتانوسالاضطهاد على المسيحيين، اعترفا مع العذاؤى وامهن امامه بالسيد المسيح. وإذا كان عرف انهم من الإسكندرية أمر بأرسالهم اليها. فلما وصلوا إلى هناك قدموهم أمام الوالى وإعترفوا بالمسيح فأمر بقطع رؤوسهم. وكانت القديسة أثناسيا تثبت بناتها العذارى وتصبرهن وتعرفهن بأنهم إذا استشهدن يصرن عرائس المسيح. وهكذا قطعوا رؤوس العذارى أولا ثم أمهم فالقديسين أباكير ويوحنا. وبعد ذلك طرحوا أجسادهم للوحوش وطيور السماء. ولكن بعض المؤمنين أتوا وأخذوا الأجساد ليلا ووضعوها في تابوت. بركة صلاة الجميع تكن معنا ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : نياحة البابا مرقس الرابع (84 )

في هذا اليوم تذكار نياحة البابا مرقس الرابع (84). صلاته تكون معنا ولربنا المجد دائما أبديا آمين.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : نياحة القديس زانوفيوس

في هذا اليوم تذكار نياحة القديس زانوفيوس. صلاته تكون معنا ولربنا المجد دائما أبديا آمين.