في عيد مار أنطونيوس الكبير.. دعوة إلى "النّسك"
في عيده، دعوة أن نتتلمذ على يدي من كان نورًا أضاء سبيل الكثيرين من الشّباب الّذين قصدوه في عزلته من كلّ حدب وصوب فأطلقوا معه شعلة الإيمان من خلال إنشاء أديرة كثيرة. دعوة إلى الثّبات في طريق الكمال المزيّنة بأعمال محبّة مقدّسة، أعمال لا تشوّهها أو تدنّسها شوائب الأفكار.
في عيده، عودة إلى همس الرّوح واكتشاف دعوة الله الأولى لنا: "أترك كلّ شيء واتبعني". فنحن العلمانيّون، كما المكرّسون، مدعوّون كلّ من مركزه الاجتماعيّ والعائليّ أن نتخلّى عمّا يلهي الرّوح عن الرّبّ ويدخلها في نفق الخطيئة والضّلال. كلّنا مدعوّون أن نستند على عكّاز القدّيس الشّهير الّذي كان يسند إليه جرسًا صغيرًا ليلاً ينذره إن أتاه شيطان النّعاس فيستعيد وعيه ويكمل صلاته تطبيقًا لوصيّة الرّبّ: "إسهروا وصلّوا لئلّا تدخلوا في تجربة" (متّى 26/ 41).
من منّا ليس بحاجة إلى وقت يبتعد فيه عن كلّ النّاس فيجلس في "صومعته" الخاصّة صامتًا متأمّلًا باكيًا وراجيًا؟
من منّا لا يتمنّى أن يسكب الله في نفسه نعمة الحبّ ويعيشها في كلّ حين وعلى أيّ حال؟
ليس المطلوب منّا أن نلبس الثّوب الرّهبانيّ أو نلتحف برداء النّسك لكي نتحرّر ونحصد سعادة وسلامًا. وإنّما المطلوب هو أن نعيش على ضوء تعاليم الكنيسة ونعرف كيف ومتى نكرّس وقتًا ليسوع فندخل معه في عزلة وحوار وتواصل، بين الفينة والأخرى، فنخرج منها أحرارًا ونتمكّن من متابعة حياتنا وتخطّي كلّ عقباتها.
في عيد هذا الشّيخ الحكيم الّذي عاش مئة وخمس سنوات، لنتذكّر، في كلّ مرّة قبل أن نخلد إلى النّوم، وصيّته لنا ونطبّقها فننام ونستيقظ على القداسة؛ فهو القائل: "عندما تنام على سريرك، تذكّر بركات الله وعنايته بك وأشكره على هذا، فإذ تمتلئ بهذه الأفكار تفرح في الرّوح وعندئذ يكون نوم جسدك في سموّ لنفسك، وإغلاق عينيك بمثابة معرفة حقيقيّة لله، وصمتك وأنت مشحون بمشاعر صالحة هو تمجيد لله القدير من كلّ القلب وكلّ القوّة، مقدّمًا لله تسبيحًا يرتفع إلى الأعالي لأنّه عندما لا يوجد شرّ في الإنسان، فإنّ الشّكر وحده يرضىي الله أكثر من تقدمات ثمينة، هذا الّذي له المجد إلى دهر الدّهور، آمين."