دينيّة
23 شباط 2021, 08:00

في زمن الصّوم... أُصرخ إلى الله واعبر إلى النّور

ريتا كرم
صرخات يدوّي صداها كلّ يوم في آذان صمّاء أدارت سمعها عن مطالب حقّة وضروريّة لأجل عيش كريم. ففي كلّ زاوية وشارع قهر وحزن، جوع ووجع. وفي كلّ منزل غصّة عكّرت على أصحابه فرحة ما، وفي عيون الكثيرين دمعة تّعبّر عن أسى عميق. وفي هذه كلّها توق إلى سلام، إلى لمسة شفاء للنّفس والجسد، تجدّد الحواس وتبعث فيها الحياة.

 

هكذا هو المشهد اليوم مع تفاقم الأزمات الحياتيّة والمعيشيّة والسّياسيّة... فالخلافات تعزّزها الاختلافات، والانقسامات تزداد من دون حياء، والأوضاع راوح مكانك، والمواطن يدفع ثمن الإهمال والطّمع.

غير أنّه وأمام هذه الحالة، ها إنّ عقارب السّاعة تتقدّم وتشير إلى موعد مع الله ومسيرة بحسب قلبه. إنّه زمن الصّوم الكبير، درب الأربعين يومًا والفرصة الأمثل للعودة إلى الذّات وتجديد العهود ووضع رزنامة روحيّة تقود الإنسان إلى الولادة الرّوحيّة والتّجرّد التّامّ مع القيامة المجيدة، وإلى التّحرّر من كلّ تلك القيود الّتي فرضتها الظّروف.

إذًا، لتكن هذه المرحلة للتّوبة القلبيّة والارتماء في أحضان الله بهدوء وصمت بعيدًا عن صخب الحياة، ولتصرخ من الأعماق إلى الرّبّ الحاضر دومًا للإصغاء إليك ولاستقبالك بفرح وحبّ لا محدودين ولا مشروطين. فليس على الفمّ وحده أن يصوم وإنّما على العين والأذن وكلّ أعضاء الجسم أن تفعل كذلك، فحريّ أن يطرأ التّبدل على قلبك أوّلاً والقبول بمشيئته، إذ "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله"! لتنفتح على رحمته الواسعة بثقة تامّة متأمّلاً ومصلّيًا، ضارعًا وصارخًا لأنّه فيه وحده الرّأفة والحنان، ومعه وحده الخلاص والأمان. ليكن الصّوم الكبير زمن عبور من الموت والخطيئة إلى الحياة والفضيلة. إرم في مينائه وحده شباكك واصطد غلّة تغذّيك من نعمته، والأهمّ "متى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للنّاس صائمًا بل لأبيك الّذي في الخفاء. فأبوك الّذي يرى في الخفاء يجازيك علانيّة." (متّى 6:17)