فيلم وثائقي عن أبنية بيروت التراثية ينعش ذاكرة اللبنانيين
فبيروت التي دخلت الحداثة قبل عشرين عاما ظلت غريبة عن روادها الاصليين وظل قديمها في البال وسط حنين لأسواق شعبية اشتاقوها وسطوح قرميد فقدوا لونها وما عادت تعرفها طيور المدينة وأبنية تراثية هدمتها الحرب وغيرت معالمها الشركة العقارية أو ما يعرف باسم (مشروع سوليدير) وأسماء شوارع وحواري سحقتها دور الازياء الكبرى فغاب سوق سرسق وسوق الطويلة وإياس وإدريس وغيرها من تلك التي كانت تحمل أسماء كبرى العائلات البيروتية.
وسوليدير هي الشركة العقارية التي أعادت اعمار وسط بيروت بعد الحرب الاهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990 .
وبعد أكثر من عشرين عاما على انطلاقة اعادة اعمار وسط المدينة ما زال اللبنانيون ينقسمون حول النظرة إلى سوليدير حيث يرى البعض في هذا المكان المميز بهندسته وحفاظه على الطابع التراثي ثروة سياحية وتجارية للعاصمة اللبنانية بينما يعتقد آخرون انه منطقة غريبة وطارئة على المدينة وسكانها بحيث تبدو وكأنها لا تنتمي إلى نبض الشارع وحركته التجارية والإنسانية.
وهكذا يعتبر البعض ان الاعمار تطور إلى درجة العبث بالتاريخ لكن فيما بقي منه على قيد البنيان يسعى إعلامي لبناني مستخدما الصورة السينمائية لإحاطته بسور بعد فشل السلطة في وضع قانون يحمي هذه المباني.
وتسييجا للمدينة بشريط سينمائي غير شائك أنتج الإعلامي جورج صليبي فيلما وثائقيا حمل عنوان (بونجور بيروت). وافتتح صليبي فيلمه في سينما (ميتروبوليس أمبير صوفيل) أمام عشرات الفنانين والصحفيين والسياسيين على أن يعرض للجمهور بين 7 و17 فبراير شباط المقبل.
ويركز الفيلم وهو من إنتاج شركة (ميترو جي اس) على عراقة بيروت مستعيدا مقارنة بين الماضي القريب والحاضر الذي لم يعد يشبه أهل المدينة.
ويقول صليبي لرويترز إنه انطلق في هذا العمل كمغامرة انقاذية لما تبقى من أبنية قادرة على الحياة بعدما أخفقت الدولة في مهمة سن قوانين تحمي التراث.
ويضيف "لقد استغرق هذا العمل تصويرا مضنيا من الجو والأرض بحثا عن ذاكرة بيروت .. ولم نترك بقعة في المدينة إلا وصورناها علنا نساهم في إيقاظ المعنيين لحماية كنوزنا الاثرية وانتشال ماضينا من تحت الركام."
والوثائقي هذا يجول على ثماني عشرة شخصية بينها وزراء ومهتمين بالتراث والتاريخ ومنها وليد جنبلاط الزعيم الدرزي اللبناني الذي يعرف عنه إلمامه بالحضارات على الصعيد الشخصي.
وفي الفيلم التسجيلي يقول جنبلاط "إن بيروت بأسواقها القديمة كانت تمثل اختلاطا طبقيا وطائفيا وهذا ما اختفى اليوم ..أصبحت بيروت مدينة للغرباء."
ولعل أهم المناهضين لمشروع إعادة اعمار بيروت وفقا لمشروع سوليدير هي رئيسة جمعية حماية المواقع الاثرية والتراثية في لبنان ريا الداعوق التي ظهرت في الفيلم واصفة ما حدت لبيروت بمجزرة قضت على أكثر من 700 مبنى أثري في وسط المدينة.
وأضافت "كلنا مسؤولون الشعب والدولة. اولويات الدولة ليست المباني القديمة وأولويات الشعب لقمة عيشه. بغياب هذه الافضلية بيروت تم تهريبها وصارت مجمع ناطحات سحاب لا روح لها ولا هوية."
أما وزير العدل الاسبق بهيج طبارة الذي ساهم في وضع قانون سوليدير مطلع التسعينات فقد اعتبر أن المشروع حافظ قدر الإمكان على تراث المدينة وكان ضروريا في تلك الفترة حتى لا تتم اعادة اعمار الوسط بشكل عشوائي.
ويسرد الفيلم الوثائقي حكايات عدد من القصور والبيوت التاريخية في المدينة وبينها ما يعرف باسم (منزل داهش) الرجل الذي شغل الأوساط السياسية والاجتماعية خلال فترة الاربعينات والخمسينيات بظواهر غريبة حيث اُتهم بممارسة أساليب الشعوذة والسحر لدرجة ان رئيس الجمهورية في ذلك الوقت بشارة الخوري سحب منه جنسيته اللبنانية وطرده خارج البلاد. وقد ظلت حكاية داهش مثار جدل في المدينة يشهد عليها منزله القديم.
الفيلم الذي تناغم على مدى 70 دقيقة مع موسيقى جاهدة وهبي يعد أول تجربة اخراجية لصليبي وثاني إنتاج وثائقي بعد فيلم (سنوات الضوء) الذي يحكي عن الزمن الذهبي للبنان قبل الحرب.
وقال المطرب اللبناني راغب علامة لرويترز في حفل الافتتاح "هذا الفيلم مهم جدا لكي يتذكر اللبناني ماضيه ويعيش حاضره."
أما مصمم الرقص في فرقة كركلا عمر كركلا فقال لرويترز إن "بيروت القديمة هي ضمير لبنان هي الحلم. بيروت القديمة هي الرمز وهي التي نحملها أينما اتجهنا. هي التمثال الحضاري الذي نتحدث عنه أينما ذهبنا في العالم."
وأضاف "هكذا فيلم يجسد حالة حضارية وحالة ثقافية .. هذا أرشيفنا والأرشيف العظيم لا يموت."
المصدر : رويترز