دينيّة
25 آذار 2025, 14:00

عيد التّجسّد الإلهيّ: بشارة والدة الإله بالحبل الإلهيّ

تيلي لوميار/ نورسات
"إستبشري أيّتها الأرض بالفرح الأعظم، ويا سماوات سبّحي مجد إلهنا." هكذا استهلّ خادم وكاهن عائلة كنيسة الصّليب للرّوم الأرثوذكس في النّبعة الأب باسيليوس محفوض مقاله الّذي يزرع في سطوره فرح البشارة: بشارة العذراء مريم، الّتي يُحتفل بها في الخامس والعشرين من آذار/ مارس في كلّ عام.

وتابع محفوض موضحًا: "تحتفل كنيستنا المقدّسة بعيد بشارة العذراء مريم. يا ترى ما هي البشارة؟ أو النّبأ السّار؟ وما هو سرّ هذه البشارة؟ ولماذا أصلًا دعي بعيد البشارة؟ عيدُ البِشارة هو عيدُ تبشير سيِّدَتنا والدة الإله بالحَبَل بالرّبِّ يسوع المسيح. هذا الحَبَل هو الحَدَث الأعظم منذ إنشاءِ العالم وحتّى نهاية العالَم لأنّ ابن الله يصير ابن البتول. في هذا اليوم العظيم أتى جبرائيل من السّماء ليُبَشِّر العذراء مريم بالحَبَل بابن الله الرّبّ يسوع المسيح.

حيّاها فقال: "افرحي أيّتها المنعَمُ عليها من الله، الرّبُّ معكِ" فاستغرَبت هذا السّلام. وبشَّرها بالحَبَل، فاستغرَبت كيف تحبَل وهي لم تتزوَّج ولن تتزوج وإن كانت مخطوبة ليوسف فخُطبتها هي صوَريّة لا تؤدّي إلى زواجٍ فعليّ بل إلى زواجٍ إسميّ.

فهي قد نذَرت البتوليّة. أعلَمَها الملاك أنّ الرّوح القدُس سيحلُّ عليها وأنّ قوّة العليّ ستظلّلها وأنّ مولودها هو ابن الله وابن العليّ، هو قدّوس الله، هو الذي سيجلسُ على كرسيّ داود وسيكون ملِكًا، وسيملِكُ على بيتِ يعقوب إلى الأبد ولن يكون لِمُلكهِ نهايةٌ لأنّه مَلِكٌ أبديٌّ لا بدايةَ ولا نهايةَ لِمُلكِه، إنّما مملكته كما قال لبيلاطس ليسَت من هذا العالم. إنّها مملكةٌ روحيّة لا أرضيّة ولا جسَديّة. فقبِلَت مريم هذا العَرض الإلهيّ وقالت: فليَكن لي بحَسَب قولِك. عند هذا القول تمَّ التّجسُّد الإلهيّ. كيف؟

الرّوح القدس الذي حلَّ عليها طهَّرها وقدَّسها أيّ ليس بعد فيها ميلٌ إلى الخطيئة، لتُعطيَ لربِّنا يسوع المسيح جسَدًا لا يميلُ إلى الخطيئة، وقدَّسها فجعَلها قدّوسةً.

صَنع الرّوح القدس من أحشائها جسَدًا ضمَّ إليه روحًا بشريّة أيّ إلى المسيح هذه الطّبيعة البشريّة مؤلّفة من روحٍ وجسَد اتَّحدَ بها الأقنوم الثّاني من الثّالوث القدّوس (أيّ الرّبّ يسوع المسيح) فضَمَّ هذه الطّبيعة البشريّة إلى أُقنومه الإلهيّ فصارت جزءًا منه أيّ المسيح له طبيعة إلهيّة وطبيعة بشريّة.

فهو واحِدٌ وليس اثنين إنّما هو شخصٌ واحدٌ في طبيعَتَين: الطّبيعة الإلهيّة والطّبيعة البشريّة. هذا الاتّحاد الإلهيّ- البشريّ هو أعظم حدث جرى في تاريخ البشريّة. الإله يصير إنسانًا ويمشي بين النّاس كإنسان. فيسوع هو إلهٌ تامّ وإنسانٌ تامّ، شخصٌ واحدٌ في طبيعَتين تامَّتَين. جسد مريم هذا صارَ شبيهًا بجسَد يسوع فكان مصير العذراء كمصير يسوع. مات جسد مريم هذا صارَ شبيهًا بجسَد يسوع فكان مصير العذراء كمصير يسوع. ماتت وفي اليوم الثّالث أقامَها الرّبّ يسوع وأصعدَها إلى السّماء. التّجسُّد هو انضمام الطّبيعة الإلهيّة إلى الطّبيعة البشريّة في شخص ربِّنا يسوع المسيح. لا يجوز أن نقول إنّ الطّبيعتين وجِدَتا في لحظةٍ ثم اتّحدتا في لحظةٍ أُخرى. وجود الطّبيعة البشريّة واتّحادها بالطّبيعة الإلهيّة تمّا معًا. عيد البشارة هو عيد التّجسُّد الإلهيّ، عيد الفرح المذهل، عيدُ لقاء السّماء والأرض في عُرسٍ أبديٍّ لا نهايةَ له.

هذه هي أهميّة وفحوى عيد التّجسد الإلهيّ أيّ عيد البشارة. هل توجد محبّة أعظم من أن يكون الخالق يصبح إنسانًا ليشاركنا إنسانيّتنا من دون الخطيئة والخوف، ويرفعنا إلى العلى فبتجسّد يسوع الإله أصبحنا نحن مواطني السّماء. إحملوا فرح البشارة لكلّ البشريّة، وقتها تصبحون مصدر نعمة وبركة عندئذ يكون الله متّحد فيكم إلى الأبد، آمين."