دينيّة
28 آب 2016, 12:00

شَجَرة الورديَّة ... يابِسة كانت فَعاشَت!

إنّها كالإبن الضّال، "كانَ ميتاً فعاش، وكان ضالاًّ فَوُجِد"... ضائعةً كانت في أرضٍ صالحة، ترابُها مقدَّس، محيطُها مُبارَك؛ الأرض الّتي وَطأتها أقدامُ البطاركة الموارنة فَكانت مقرًّا لهم في منتصَف القرن الثامِن عشَر... يابسةً كانت خاليةً مِن الحياة، في محيطٍ هواؤه حياة. إنّها شجرة الورديّة الّتي وُجِدَت لتسمعَ طلبات المؤمنين ودعواتِهم، وتتغذّى من دموعِهم وصلواتِهم... وعاشَت لتحمِلَ في أغصانِها مسبحة كلّ مصلٍّ آمَنَ بأهميّة وجودِها، وقدسيَّة الأرض الّتي تنتمي إليها!

 

شجرة لوز كَغيرِها من الأشجار، موجودة على حافّة طريقٍ تؤدّي إلى مدافن كنيسة سيدة إيليج الأثريّة في بلدة ميفوق الجبَيليّة. منذ حوالي الثّلاث سنوات، غَزَتها موجة من المنّ وقضَت عليها فَيَبِسَت، إلى أَن أتى أحد زائري الكنيسة وعلَّقَ فيها مسبحته. ومَعَ مرور الأيّام بَدأَت هذه الظاهرة تنتشِر بين الزائرين؛ فأصبحوا يتلون صلواتِهم، يصلّون مسبَحتِهم، يتَوجهون الى تِلك الشجرة ويعلّقون مسبحاتهم في أغصانِها، معلّقين معهم أمنياتهم وطلباتِهم. يروي لنا "فادي" - وهو أحد أعضاء رابطة سيدة إيليج- أنّ هذه الشجرة كانَت ستُقطَع في البداية لأنّها غير صالحة ولأنّ شكلها غير متناسق مَع باقي الأشجار التي تجاورها.

... مسبحة تِلو الأُخرى، جَعَلت منها شجرةً مقدّسةً زيّنَت المساحات الخضراء الّتي تحيطها، إلى أن أُطلِقَ علَيها إسم "شجرة الورديّة" الّتي تَحمِل اليوم في أغصانِها حوالي الألف مسبَحة؛ إضافةً إلى صُوَر القديسين... أمّا الأعظم من ذلك هو أنَّ شجرة الورديّة اليوم بصلوات المؤمنين وخشوعِهم، نَمَت، كَبِرت وأصبَحت خضراء... تتَدلّى مِن أغصانِها مسبحة جَنب الأُخرى، غَدَت مَعلمًا دينيًّا يسأل عنه الزائرون عند وصولِهم إلى الكنيسة، ليقصِدوه!

بالعودة إلى الرموز الدينيّة، تستحقّ هذه الشجرة أن تُفسَّر بكلّ تفاصيلِها: الشجرة بشكلٍ عام هي رمز الحياة والإستمراريّة؛ أمّا المسبحة فَفيها تُتَرجَم صلاة أمَّنا مريمَ العذراء "تعظّم نفسي الربّ" الّتي تَلتها عِند حدوث التجسّد الفدائي والّذي بدأ في أحشائها الطاهرة؛ بخاصّةٍ مسبحة الورديّة الّتي تدعونا إلى تلاوَتِها، والّتي بشّرَ بها الكثيرون من البابوات، لا سيّما البابا بولس السادس عشر الّذي أظهَر في الإرشاد الرسولي "التقوى المريميّة" الطابع الإنجيلي للمسبحة الورديّة  وتوجُّهِها نحو عبادة المسيح.

شجرةُ الورديّة ... شجرةُ الحياة!

"وأوصى الربّ الإله آدم قائلًا: مِن جميع شجَر الجنّة تأكلُ أكلًا، وأمّا شجرة مَعرفَة الخير والشرّ فَلا تأكل مِنها، لأنّكَ يومَ تأكل مِنها مَوتًا تموت"... ما أعظمَ أن تَكون شجرة الورديّة، شجرة اللّوز، لا تعطي "حَبّ" بَل تُعطي أوراقًا فقَط ... وهَل نتساءل أين العَظَمَة في شجرةٍ لا تُثمِر؟ نَعَم، لَقَد أرادَ اللّه أن تبقى شَجَرةً خاليةً مِن "الحَبّ" كي لا تُفسَد مرّةً أُخرى، وكي لا يتلهّى الناس عنِ الصلاة بِقِطافِها وإفقادِها قُدسيّتها ورمزيّتها الدينيّة... نَعَم، أرادَها أن تكون كَـ "شجرة الحياة" تُعطينا "حُبًّا لا حَبًّا"، بالصلاةِ تتغذّى وتُغذّينا، وأعظم ثمرٍ تُعطينا ... الحياة الأبديّة!