دينيّة
16 شباط 2020, 08:00

خاصّ- من هو الغنيّ الحقيقيّ؟

غلوريا بو خليل
"إنجيل الغنيّ ولعازر الفقير، تقرأه علينا الكنيسة كلّ سنة في أحد الموتى المؤمنين، لتضعَنا أمام الحقيقة الحتميّة ما بعد الموت بين السّماء ونار جَهَنَّم القائمة على نمط حياتنا وتعاطينا الإنسانيّ مع إخوتنا البشر: أو نذهب إلى السّماء أو نذهب إلى عذاب الجحيم." بهذه المقدّمة استهلّ رئيس أنطش سيّدة التّلّة - دير القمر وخادمه، الأب جوزف أبي عون الرّاهب المارونيّ المريميّ تأمّله لموقعنا حول إنجيل القدّيس لوقا (16 / 19 - 31).

 

وتابع الأب أبي عون شارحًا: "هذا ما نراه جليًّا في هذا المثل، بحيث انتقل على أساسه لعازر المسكين إلى السّماء المرموز إليها بحضن إبراهيم المعروف جيّدًا من الشّعب اليهوديّ، والرّجل الغنيّ إلى عذاب الجّحيم. تصرّف الرّجل الغنيّ بماله هو الذي أسقطه في العذاب الأبديّ، وليس المال بذاته. بدلَ أن يكون هذا المال سبيلًا لأعمال الخير والمحبّة واضعًا إيّاه في خدمة الله والقريب، صار هو المرجع الأساس في حياته وبمصاف الإله الذي يعبده."

 

وعن الرّجل الغني استرسل الرّاهب المارونيّ المريميّ مبيّنًا تاريخ حياته فقال:  "وقد أبانَ الرّبّ يسوع حالة الغنيّ هذه بأسلوبه المميّز وتعابيره المركّزة. هذا الرّجل الغنيّ يلبس الأرجوان والكتّان: يعرف يسوع جيّدًا بأنّ هذا النّوع من اللّباس يصنعه أهل صيدا وصور الفينيقيّين الوثنيّين، الذين لهم آلهتهم الصّنميّة الخاصّة بهم. وبحسب شريعتهم، تعاطي أيّ يهوديّ مع الوثنييّن، بطريقة أو بأخرى، هو "زنى روحيّ"، أيّ خيانة الله الواحد الحقيقيّ الحيّ إله إبراهيم وإسحق ويعقوب. فهو ينزع ثقته بالله ويضعَها في آلهة الوثنيّين. وما وصفُ يسوع في مستهلّ المثل إلى نوع لباس الرّجل الغنيّ بالأرجوان والكتّان سوى الإشارة إلى أنّ حياة هذا الغنيّ صارت تشبه تلك الوثنيّين الذين لا يؤمنون بالحياة ما بعد الموت، وهم لا همّ عندهم سوى جمع المال وإمضاء وقتهم في الأكل والشّرب والتّنعّم بملذّات هذه الحياة الفانية. باتت حياتهم مرتبطة فقط بالمال وليس بالله. هذا النّمط من الحياة تُفقد الإنسان إنسانيّته وتُخسره حتّى اسمه. الله له اسم، ومنه نستمدّ أسماءنا ومعانيها وجذورها. الغنيّ لا إسم له كون الإسم يدلّ على الشّخص. هو فقدَ اسمه من حين ما وضع كلّ شخصه في حدود المال و"زنى الأوثان"، فأدّى هذا إلى فقدان ذاته وبالتّالي فقدان كلّ أشكال الإنسانيّة المعبّر عنها بالحبّ والعلاقة والانتباه والتّواصل."

 

وإنتقل الأب أبي عون متأمّلًا بحياة لعازر فقال: "هذا ما حال ألّا يرى لعازر القريب منه، المطروح على باب بيته والمنحني الرّأس والجسم من شدّة الفقر والجّوع والعوز. وثنيّة الرّجل الغنيّ بنمط حياته وانغلاقه في "ألوهيّة ماله"، دفعت إلى أن تأتي الكلاب، المُعتبرة نجسة بالتّساوي مع الوثنيّين والممنوع لمسها أو التّقرّب منها، وتلحس قروحه."

 

وأكمل كاهن رعيّة سيّدة التّلّة منقّحًا حالة الموت لكليهما: "عند الموت، للإشارة إلى ما يعانيه الرّجل الغنيّ في عذاب الجّحيم، يستعمل الرّبّ يسوع تعبيرًا فيه دلالات مهمّة فيقول: "رأى ابراهيم من بعيد ولعازر في حضنه". "من بعيد"، هذا البعد الذي كان يعتقد وهو على الأرض بأنّه دافع سعادة له وانشراح، تحوّل إلى كابوس وعذاب له لا مثيل لهما، ما كان عليه على الأرض وكأنّ مسافة بعيدة تفصله عن الفقير المسكين، لاغيًا أيّة إمكانيّة في رؤيته أو التّواصل معه، انتقلت إلى ما بعد الموت مع انقلاب بالأدوار: هو صار في مكان العذاب، وتلك الهوّة التي كانت بينه وبين لعازر أمام باب بيته، صارت هنا وإلى الأبد."

 

وإختتم الأب أبي عون تأمّله مشيرًا إلى أنّنا "بأحد الموتى المؤمنين، نصلّي لأهلنا وأصدقائنا وجميع الموتى المؤمنين الذين سبقونا إلى البيت السّماويّ، سائلين الرّبّ أن نكون منتبهين في إحداثيّات يوميّاتنا إلى أسماء بَعضنا البعض وإلى وجوهنا التي تحمل سِمات الله عليها، فنخلَع عنّا أرجوان الوثنيّة ونلبس أرجوانيّة مُلكِ الله إلى الأبد. آمين."