دينيّة
23 حزيران 2019, 07:00

خاصّ– ما هو سرّ الله؟

غلوريا بو خليل
إنجيل الأحد الثّالث من زمن العنصرة للقدّيس يوحنّا (14/21 -27) هو إنجيل الحبّ بامتياز، هو سرّ الله الّذي يعلّمه الرّوح لنا. إنطلاقًا من هنا، ولفهم الإنجيل بحذافيره، كان لموقع "نورنيوز" الإخباريّ حديث مع خوري رعيّة سيّدة الخلاص - داريّا عبدو الشّدياق الذي سار بنا إلى عمق معاني هذا النّصّ فشرح قائلًا:

 

"مهما تقدّمت العلوم والاكتشافات والاختراعات، ومهما سما الإنسان بفكره وعلمه وأبحاثه... يبقى عاجزًا كليًّا عن معرفة الله. لا يستطيع الإنسان بقواه الذّاتيّة "العقليّة والبشريّة ... أن يُدرك سرّ الله، ويعرفه معرفة صحيحة. فالكلّ متّفق على أنّ كلّ ما نعرفه عن الله، قد سبق الله وكشفه لنا."

واستطرد الخوري الشّدياق موضحًا: "ولكن كشف الله لذاته للإنسان يبقى مشروطًا بمدى حبّ الإنسان وشوقه لمعرفة الله. فالله يُظهر نفسه ويُعلن ذاته للقلوب العطشى، لقلوب تتوق لمعرفته واللّقاء به. ففي الآية 21 يكمن سرّ اللّاهوت (عِلْم الله)، سرّ الله ومعرفته. ويعطينا المسيح في هذه الآية الطّريقة والوسيلة الوحيدة لاكتشاف سرّ الله ومعرفته. إن الإبن يُظهر ذاته ويكشف سرّه (سرّ الألوهة) لمن يحبّه."

وتابع خوري رعيّة سيّدة الخلاص مستشهدًا: "يبدو أن بليز باسكال(1623-1662) الكاتب والعالم الشّهير في الرّياضيّات والفيزياء والفلسفة واللّاهوت، قد تأمّل كثيرًا في هذه الآية لكيّ يقول: "عندما نتكلّم عن الأمور الإنسانيّة، نقول إن علينا أن نعرفها لكيّ نحبّها. وعندما نتكلّم عن الأمور الإلهيّة نقول، إن علينا أن نحبّها لكي نعرفها". رائع هذا الكلام وصحيح تمامًا. فلهذا السّبب على سبيل المثال، هناك فترة خطبة (فترة تعارف) بين الحبيبين قبل أن يتزوّجا، فالمعرفة أوّلًا ثمّ الحبّ، أمّا بعلاقتنا مع الله فالعكس صحيح."

وأكمل الخوري الشّدياق مؤكّدًا: "ولكن هذا الحبّ لا يُعلن بالكلام والعبارات الطّنّانة... بل بالعمل. فإذًا ليس بحفظ الإنجيل غيبًا وكلّ الصّلوات يمكن للإنسان أن يعرف الله، إنّما بتتميم تعاليم الإنجيل ووصايا الرّبّ حتّى يصبح المؤمن إنجيلًا حيًّا ومسيحًا آخر. عندها ينال المعرفة السّامية والعميقة عن الله من الله ذاته."

وإسترسل شارحًا: "ويستفيض القدّيس يوحنّا برسالته الأولى بالشّرح عن الرّابط ما بين الحبّ "المحبّة" ومعرفة الله. فيكرّر ما قاله المسيح في الآية 21، ولكن بصيغة أخرى إذ يقول في الآية (1يو 2/ 4): "من قال -إنّي أعرفه- ولم يحفظ وصاياه كان كاذبًا...". وإذا ما وضعنا الآية (1يو 3/ 24): "فمن حفظ وصاياه، أقام في الله، وأقام الله فيه" إلى جانب الآية (1يو 4/ 16): "الله محبّة، فمن أقام في المحبّة، أقام في الله، وأقام الله فيه"، يمكننا أن نستخلص بأنّ حفظ الوصايا والمحبّة أمر واحد، لا بل لا وجود للمحبّة بدون حفظ الوصايا."

وأضاف مستخلصًا: "لكي نعرف الله علينا أن نسعى لنشبهه، لأنّ المحبّة تجعلنا شبيهين بالله، هذا الشّبه الذي نلناه منذ البدء، عندما خلقنا الله. "لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا"(تك 1/ 26). ولكن هذا الشّبه فقدناه بسبب المعصية الأولى وجرح الخطيئة. لذلك عاد المسيح "الإبن المتجسّد" يدعونا من جديد إلى أن نستعيد هذا الشّبه حين قال: "كونوا أنتم كاملين، كما أنّ أباكم السّماويّ كامل"(متّى 5/ 48). فكلّما تشبّهنا به، كلّما زادت معرفتنا له."

وإختتم الخوري الشّدياق حديثه مزوّدًا إيّانا بعبرة نتأمّلها خلال هذا الأسبوع، فقال: "في أمثالنا اللّبنانيّة مثل أُحبّه كثيرًا وينطبق على ما شرحناه آنفًا، وهو: "يا مِتلنا تَعَى لَعِنَّا". فالرّبّ يقول لكلّ إنسان، إن كنت مثلي "تعا لعندي"؛ أو بصيغة أخرى، "إن لم تكن مثلي، فلا نصيب لك معي". فالنَعِش المحبّة، كي نشبه الله، عندها يسكن فينا ونسكن نحن فيه".