خاصّ- زحلة دار السّلام.. مدينة القربان
يستهلّ المطران معوّض كلامه بالحديث عن النّاحية اللّيتورجيّة للعيد قائلًا: "نتذكّر جسد الرّبّ يسوع ونتأمّل به في خميس الأسرار الواقع في أسبوع الآلام حين غسل الرّبّ يسوع أرجل تلاميذه وأسّس سرّ الإفخارستيّا وأعطانا جسده ودمه. ولكن كون هذه المناسبة تقع في أسبوع الآلام، من الصّعب علينا أن نعطيها البُعد الاحتفاليّ الكبير المليء بالفرح إذ تخيّم عليها مسحة من الحزن. لهذا السّبب اختارت الكنيسة- مع إبقاء خميس الأسرار أيضًا- وقتًا آخر للاحتفال بجسد الرّبّ يسوع الإفخارستيّ، فكان الاختيار لنهار الخميس الذي يأتي بعد أحد الثّالوث الأقدس. في هذا النهار، يُقام تطواف بجسد الرّبّ الذي نحصل عليه في الذّبيحة الإلهيّة حين يتحوّل الخبز والخمر إلى جسد المسيح. ففي عيد خميس الجسد، تقيم الكنيسة احتفالًا كبيرًا يتزيّن بالفرح والرّهجة، ويعبّر المؤمنون عن إكرامهم لجسد الرّبّ الموجود في القربان المقدّس بالتّطوافات والزّيّاحات والسّجود أمامه."
أمّا من النّاحية الرّوحيّة واللّاهوتيّة فيشرح المطران معوّض أنّه "في هذه المناسبة مع الاحتفال بالذّبيحة الإلهيّة، يُصمد جسد الرّبّ لتأدية العبادة له تعبيرًا عن إيماننا بأنّ جسد الرّبّ الموجود في القربان المقدّس ليس موجودًا بطريقة رمزيّة، إنّما ربّنا حاضر حقيقةً بالقربان المقدّس. نحن لا نسجد ونكرّم مجرد قطعة من الخبز إنّما نكرّم يسوع المسيح نفسه، لأنّنا نؤمن أنّ الخبز والخمر يتقدّسان ويتحوّلان في القدّاس إلى جسد المسيح ودمه. نحن نؤمن أنّ الخبز عندما يتحوّل إلى جسد المسيح يصبح كلّ شخص المسيح بلاهوته وناسوته حاضرًا بالجسد وبالدّم؛ لهذا السّبب عندما يُعرض القربان، نؤدّي العبادة للمسيح نفسه."
ويوضح المطران معوّض: "لهذا السّجود مفعول روحيّ أيّ أنّ الإنسان يسجد ليسوع المسيح ويعبّر عن إيمانه بأنّه ليس لوحده فالله معنا "أنا معكم حتّى منتهى الدّهر". عندما نسجد أمام المسيح ونبقى بتأمّل صامت، ننفتح لأنوار المسيح الحاضر من خلال القربان. هذا الحضور الممتلىء قداسة ينطبع في قلب المؤمن السّاجد أمام القربان، ويساعده ليتشبّه أكثر بسيّدنا يسوع المسيح في قلب حياته. هذه هي الإفادة الرّوحيّة التي نستطيع أن نجنيها من القربان المقدّس، فهو يغيّر المؤمن ويحوّله بحيث يصير أكثر على صورة المسيح. فعندما نسجد أمام القربان، كأنّنا نزور المسيح ونعمّق الشّركة بيننا وبينه ويجعلنا منفتحين على تأثيره في حياتنا."
إنطلاقًا من كلّ ما سبق وعلى ضوئه، يُكمل راعي أبرشيّة زحلة المارونيّة متناولًا النّاحية الاحتفاليّة في المنطقة والتي تحمل أبعادًا عديدة وعميقة، فيشرح: "أنّ البُعد التّاريخيّ يعود إلى أكثر من 190 عامًا، حين أصيبت زحلة بوباء الطّاعون. عندها أقام مسيحيّو المنطقة زيّاح القربان المقدّس، ويسوع المسيح الحاضر في القربان خلّصها من هذا الوباء المميت. لذلك في عيد خميس الجسد يتذكّر أبناؤها تلك الأعجوبة التي تمّت بفضل القربان المقدّس الذي حفظهم من هذا الوباء." ويتابع "أمّا مسكونيًّا، فلا يقتصر العيد في قلب زحلة على فئة معيّنة من المسيحيين إنّما يجمع كلّ الفئات. وتوجد في زحلة أربع مطرانيّات: الرّوم الكاثوليك، الموارنة، الرّوم الأرثوذكس والسّريان الأرثوذكس، لذا تبدأ قدّاسات العيد فجرًا وينطلق المؤمنون جميعًا، كلٌّ من كنيسته، بزيّاحات القربان ليلتقوا في محطّات. وفي الختام يحتشدون جميعهم أمام السّرايا الحكوميّ ليكملوا المسيرة جنبًا إلى جنب، ومن هنا يتجلّى البُعد المسكونيّ."
وختم راعي أبرشيّة زحلة المارونيّة متكلّمًا عن البُعد التّقويّ الشّعبيّ، شارحًا كيف "يضع المؤمنون المذابح أو الصّمدات أمام منازلهم طالبين بركة القربان المقدّس، دلالةً على العاطفة الإيمانيّة عند أهل زحلة. فهم على يقين أنّ السّيّد المسيح يجوب في شوارع زحلة، فيطلبون منه أن يباركهم ويحفظهم كما في الماضي متذكّرين تجسّده وتنقّله في المدن والقرى شافيًّا المرضى وغافرًا للخطأة."
هذه هي قصّة زحلة "دار السّلام" وعروس البقاع مع القربان المقدّس. وفي عيد خميس الجسد، نشارك المطران معوّض صلاته ونسأل الله "أن يزيّن زحلة بحضوره المقدّس فيهطل علينا بركاته ويساعد المتضايقين ويحرّرهم من ضيقهم."