دينيّة
06 كانون الثاني 2024, 08:00

خاصّ- الخوري أبراهام: لنجدّد كلّ يوم مواعيد معموديّتنا

نورسات
"لا نستطيع ببضع صفحات التّأمل بكلّ النّقاط المتعلّقة بعيد الدّنح المجيد المليء بالمعاني الرّوحيّة، ولكن سنحاول أن نختصر بعض الأمور الأساسيّة". بهذه المقدّمة استهلّ الخوري إيلي أبراهام شرحه اللّيتورجيّ لإنجيل عيد الدّنح للقدّيس لوقا (3: 15 -22) مفتتحًا بذلك هذا الزّمن المجيد.

وتابع قائلًا: "على الصّعيد الإنسانيّ، ممكن أن يُفضّل الشّخص عيد معيّن على أيّ مناسبة أخرى، ولكن لا نبالغ إذا قلنا أنّ عيد الدّنح هو من أهمّ الأعياد المسيحيّة للأسباب التي سنشرحها في هذه السّطور:

نبدء بالتّذكير أنّ علماء الكتاب المقدّس يتّفقون على اعتبار إنجيل مرقس تاريخيًّا أوّل إنجيل كتب حوالي سنة 66 ب.م، هذا الإنجيل يبدأ بمعموديّة الرّبّ، ومن هذا الحدث انطلق الكُتّاب للتّعرّف على شخصيّة المسيح التّاريخيّة.

كذلك نُذكّر بأنّ الاحتفال بعيد ميلاد يسوع في 25 كانون الأوّل تمَّ بعد مجمع نيقية سنة 325، ليحلّ مكان عيد إله الشّمس، وقبل هذا التّاريخ كان العيد في 6 كانون الثّاني، كما هو التّقليد عند إخوتنا الأرثوذوكس، خاصّةً الأرمن.

أهمّيّة هذا العيد أيضًا في ما يحمله من معانٍ روحيّة نجدها ببساطة بتسميته مثل "الغطاس" أيّ يوم غطس الرّبّ بمياه نهر الأردن. وفي اللّغة السّريانيّة، الإسم هو "دنحو" ومنه انشقّت الكلمة العربية "الدّنح".

أمّا في اللّغة الأجنبيّة، فيُستعمل الأصل اليونانيّ "إيبيفاني  Theophanyو Epiphany"  أيّ التّجلِّي والظُّهور الإلهيّ العلنيّ للرّبّ يسوع شمس ونور العالم بعمر 30 سنة.

وكما نصلّي في نافور مار يوحنّا مارون "به ظهرَ الله الثّالوثُ وانجلى السّرُّ الّذي كانَ مَخفِيًّا مدى الدُهُور."

وكما سمعنا في الإنجيل، عند معموديّة الابن، وكان يصلّي، انفتحت السّماوات، وحلّ الرّوح القدس، وسُمع صوت الآب.

نشير أنّ مار بولس استعمل كلمة "إيبيفاني"، خاصّةً في رسالته الثّانية لتيموثاوس أحيانًا للإشارة إلى ولادة المسيح وظهوره، إنّما أيضًا للإشارة إلى مجيئه وظهوره الثّاني والأخير.

وألفت الانتباه أنّ في التّقويم الغربي، يُحتفل أيضًا في هذا العيد بزيارة المجوس الذين أتوا ليتأمّلوا بظهور الطّفل الإلهيّ حاملين هدايا الإكرام.

السّبب الأهمّ لعظمة عيد معموديّة الرّبّ أنّه يتضمّن كلّ أعياد المسيحيّة الأساسيّة، مع التّذكير أنّ عمل الله الخلاصيّ هو واحد، وفي قانون الإيمان، كلّ حدث نعلنه يكتمل بالذي يليه.

في المعموديّة نجد الميلاد أيّ الولادة بالرّوح وهي أهمّ من الولادة بالجسد.

عظمة محبّة الرّبّ لنا تكمن في تنازله وولادته وعماده على يد سابقه القدّيس يوحنّا المعمدان الذي مَنَعَهُ قَائِلاً: "أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ!"  لكن تضامنًا مع الإنسان، أصرّ يسوع أن يولد من جرن المعموديّة الدّائريّ على شكل حشا الأم لكي نولد نحن من نفس البطن، فنصير إخوته وأبناء الآب الإلهيّ الذي قال بمعموديّة الرّبّ ومعموديتنا: "أَنْتَ هُوَ ٱبْنِي الحَبِيب، بِكَ رَضِيت".

وقد وضحَّ القدّيس يوحنّا فم الذّهب هذا الموضوع بقوله أنّ يسوع "وُلِدَ من حشا بشريّ لكي يلدَنا ثانيةً من الحضن الرّوحانيّ".

كما الطّفل في الحشا محاط بالمياه، هكذا في المعموديّة نُولد بالماء ونار الرّوح القدس، ولذلك نصلّي على المياه ونضعه على مدخل الكنيسة، ونبارك فيه بيوتنا، حقولنا، سياراتنا، مواشينا.

مشهد المعموديّة يذكّرنا أيضًا ببداية سِفر التّكوين حين كان روح الرّبّ يرفرف على المياه وكأنّ الله فيها يُعيد تكويننا.     

في المعموديّة نجد فصح العبور أيّ نموت مع المسيح على رجاء أن نقوم معه ونصعد إلى السّماء، كما يقول البابا فرنسيس: "المعموديّة هي ولادتنا في السّماء منذ الآن".

لا ننسى أنّه في تقليدنا الشّرقيّ ننال سرّ التّثبيت بالرّوح القدس مباشرةً بعد المعموديّة الغافرة والتي تمحي الخطيئة الأصليّة وكلّ الخطايا، وبعدها نلتجىء إلى سرّ المصالحة الذي، كما يقول البابا فرنسيس أيضًا، "هو معموديّة جديدة بحَلّة سرّ الاعتراف"".

وإختتم الخوري أبراهام كلمته بالصّلاة: "نصلّي لكي لا نكون مثل الزّؤان، بل عجينة القمح التي تعوم في الزّيت، أيّ مثل المسيح الخبز السّماويّ الذي غطس في مياه الأردن فطهّرها بنار روحه القدّوس، وهو المحبّة التي لا تسقط كما يقول مار بولس في نشيد المحبّة في الفصل الثّالث عشر من رسالته الأولى إلى أهل كورنتوس. نصلّي أيضًا لنجدّد كلّ يوم مواعيد معموديّتنا أيّ الكفر بالشّرير وأعماله ونعيش بالثّالوث الأقدس "الدّايم الدّايم" منذ البدء والى أبد الآبدين، له كلّ الشّكر والمجد".