دينيّة
27 تشرين الثاني 2016, 14:00

خاصّ- الأب يوحنّا خوند.. حبيس في دير مار أنطونيوس قزحيّا

تمارا شقير
تطأ قدماك أرضه، فينتعش قلبك بعبير الإيمان وأريج الخشوع، وتسحرك روعة التّلال المحيطة به راسمةً لوحات طبيعيّة خلّابة. هو يقع في شمال لبنان وتحديدًا في قضاء زغرتا، هو دير مار أنطونيوس قزحيّا الّذي يحتضن اليوم ثلاثة حبساء اختاروا الانعزال مكرّسين حياتهم ليسوع المسيح، واختارهم موقع "نورنيوز" لتكون سيَرهم -تباعًا- شعلة إيمان تضيء درب قرّائنا وتروي ظمأهم، في مسيرة نبدأها مع الحبيس الأب يوحنّا خوند أطلعنا على تفاصيلها نائب مدير عام مدارس الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة الأب شربل يوسف.

 

الأب يوحنّا خوند راهب لبنانيّ مارونيّ ولد في 10 أيّار/مايو عام 1936 في صيدون، سيم كاهنًا في 27 كانون الأوّل/ ديسمبر عام 1964، ووطأت قدماه محبسة سيّدة طاميش في 17 كانون الأوّل/ ديسمبر عام 1998 تزامنًا مع عيد مار أنطونيوس الكبير.

تخصّص الأب خوند في الكتاب المقدّس بين عامي 1967 و1970 في روما وفي الأراضي المقدّسة، وعلّم في كليّة اللّاهوت في جامعة الرّوح القدس الكسليك وفي مراكز لاهوتيّة أخرى من عام 1970 حتى عام 1997. أمّا أكثر ما يميّز هذا اللّاهوتيّ الكبير فهي طريقته في شرح الإنجيل المقدّس، إذ يستطيع تفسيره مع الغوص في أبعاده الإجتماعيّة والتّاريخيّة.

للحبيس بصمة تركها في اللّيتورجيا المارونيّة، فكان من بين واضعيها، وهو يعمل الآن، بالتّعاون مع رئيس كاريتاس قبرص المطران يوسف سويف، على النّهضة اللّيتورجيّة المارونيّة الحاليّة.

لم يكتفِ الأب يوحنّا خوند بالحياة الرّهبانيّة بل لمس في داخله دعوة استثنائيّة يشعلها غرام لامتناهٍ بالسّيّد المسيح، فكان قراره: التّنسّك وتمضية ما تبقى من عمره مع يسوع.

تأثّر الأب يوحنّا خوند كثيرًا بالقدّيس شربل وبحبيس سيّدة طاميش السّابق الأب يعقوب، فتأديته دورًا تمثيليًّا صغيرًا في فيلم مار شربل القديم وخبرته مع الحبيس الأب يعقوب، دفعاه إلى التّمسّك بالصّلاة فالتّنسّك. هو الّذي لطالما راوده إحساس قبل التّوغّل في عالم النّسك، أنّه سيأتي يوم ويعيش مثل الأب يعقوب في محبسة سيّدة طاميش.

وهكذا كان! دخل الأب خوند محبسة سيّدة طاميش عام 1998 ومكث فيها 14 عامًا قبل أن ينتقل في 30 أيلول/سبتمبر 2012 إلى محبسة مار بولا في دير مار أنطونيوس قزحيّا. أمّا اليوم فهو موجود ضمن حصن الدّير ويُعتبر قانونيًّا تابعًا لجمهوره على الرّغم من استقلاليّته.

تحتلّ الصّلاة والتّأمّل القسم الأكبر من حياة الحبيس، فهو لا ينام سوى 5 ساعات كحدّ أقصى، ولا يتناول إلّا وجبة طعام واحدة، في حين يكرّس ما تبقّى من وقته للصّلاة والتّأمّل والمطالعة والعمل اليدويّ.

أمّا عن شخصيّته فلعلّ طيبة قلبه وبراءته هما أبرز ما يميّزها؛ فهو كالطّفل الصّغير، يحزن بسرعة ويسهل  إرضاءه.

وعلى الرّغم من انعزاله واختياره التّنسّك يستلذّ الأب خوند في إرشاد النّاس روحيًّا وثقافيًّا، إذ يطيب له أن يتشارك وإيّاهم خبراته الرّوحيّة، إلا أنّه لا يمكن زيارته إلّا في أوقات محدّدة، لأنّه يدخل في خلوة تامّة خصوصًا في فترات الأعياد.

مهارات الأب خوند الفنّيّة كثيرة، فهو ينظم الشّعر ويُحوّل النّصوص الإنجيليّة إلى مشاهد تمثيليّة غنائيّة. في الأعياد، يكتب "ردّات" صغيرة يخطّها بنفسه ويضعها أمام غرف جميع الرّهبان. في حين يهدي كلّ راهب، في عيد مار شربل، مخطوطة خاصّة.

اختار الأب يوحنّا خوند أن يكمل حياته مع يسوع المسيح، وأن يتنّعم بالإيمان العابق بالخشوع والتّأمّل؛ فدعنا يا الله نتمثّل به، نحن الّذين في ظلّ انشغالاتنا بتنا نفتقد إلى فنّ الصّلاة والتّواصل معك، فنسينا كيف نتضّرع إليك أو نختلي بك، هبنا أن نسمع صوتك وسط ضجيج العالم ونعي دعوتنا في هذه الحياة.