جاءت تَسْتَقي من البئر فَغَرَفَتْ من نبع الحياة
كانت السّامريّة عدائيّة، رفضت أن تُسقي هذا الرّجل اليهوديّ بسبب العداوة بين اليهود والسّامريّين فبادرته قائلة: "كيف تسألني أن أَسقيك وأنتَ يَهُودِيّ، وأنا امرأة سَامِرِيَّة؟" (يو 4: 9)، ودخلت معه في جدال دينيّ وسياسيّ واجتماعيّ. لكنّ المسيح، على عكسها، حدّثها بإيجابيّة وكان متفهمًا لكل مواقفها وحججها فقال: "لَو كُنتِ تعرفينَ عطاء الله، ومن هو الّذي يقول لكِ: اسقني، لسألته أنتِ فأعطاكِ ماءً حَيًّا" (يو 4: 10). وأضاف "كُلُّ من يشربُ مِن هذا المَاء يَعْطَش ثانيةً و أمَّا الّذي يشرب من المَاء الَّذي أنا أُعطيه إِيَّاه فَلَن يَعْطَشَ أبدًا بل المَاء الَّذي أُعطيه إِيَّاه يصير فيه عين مَاءٍ يتفجّر حياةً أَبَدِيَّة"(يو4: 14).
لمس كلام يسوع قلبها القاسّي والمتحجّر بنعمة محبّته اللّامتناهية، وبحواره معها وغوصه بأسئلة عن حياتها الخاصّة جعلها تقرأ الحقائق والوقائع وتحكم بنفسها على نفسها. وفي نهاية الحوار معه قالت: "إنّي أعلم أَنَّ المشيح آتٍ، وهو الّذي يُقال له المسيح، وإذا أتى أخبرنا بكلّ شيء"(يو 4: 25)، عندها أعلن عن ذاته وقال لها: "أنا هو، أنا الّذي يُكلّمكِ" (يو 4: 26).
هنا، وأمام كل هذه الحقائق وهذه المحبّة، تركت المرأة جرّتها، التي ترمز إلى قلبها الذي كان متعطّشًا لكلّ أنواع المتعة، عند أقدام المسيح ليملأها من مياه الحياة التي ستُسكرها لاحقًا.. تخلّت حينها عن حياتها السّابقة وعاداتها السّيئة وذهبت إلى المدينة تصرخ وتجاهر أمام الجميع وتُخبر بما حصل، معلنة سرّه داعية الناس للمجيء إليه.
نداء السّامريّة للمجيء إلى المسيح موجّه إلى كلّ شخص منّا، إلى كلّ قلبٍ متحجّرٍ عنيد متمسّكٍ بآرائه المتزمّتة، عسانا نتعمّق أكثر فأكثر بكلمة الرّبّ ونفتح قلوبنا على محبّته اللّامتناهية فنعيش بفرح أبناء الله.
أعطنا يا رب، على مثال المرأة السّامريّة، أن نملىء جرارنا من مائك المحيي فنغرف منه ولا نعطش إلّا لمحبّتك وللحياة الأبديّة معك، آمين.