دينيّة
09 آب 2016, 09:00

بين الغرب والشّرق.. الكنيسة حيّة!

ريتا كرم
إلى الخارج، يصبو شبابنا اليوم. هناك يجدون فرص عمل أكبر، يبنون مستقبلاً أفضل، يعيشون بسلام، ويحميهم نظام وقوانين البلد المضيف. تلك هي الخطّة الّتي تعنّ على بال كلّ شابّ وشابّة في ربيع العمر، إذ يتخرّجون ويبدأون بالبحث على خارطة العالم عن بلد يؤمّن لهم كافّة حاجياتهم المادّيّة، متمنّين أن يحصلوا في غربتهم على مساندة روحيّة أينما تواجدوا.

 

بين الغرب والشّرق، يفضّلون الغرب حيث للحرّيّة مجد ذاع صيته منذ القديم. هناك العلمانيّة تسيطر إذاً لا تمييز بين دين وآخر، وحرّيّة المعتقد مقدّسة؛ هناك يتساوى الرّجل والمرأة وتُحفظ كلّ الحقوق...

أمّا من يختارون الشّرق- المسيحيّون كما المسلمون- وتحديداً دول الخليج والمعروفة بأنّها دول إسلاميّة، فيختارونه لأجل تحقيق مكاسب مادّيّة أكبر. فأوّل ما يغريهم هو الرّاتب، إذ من خلاله يستطيعون أن يؤمّنوا مستقبلاً رغيداً لهم ولعائلاتهم، وكلّ باقي الأمور هي ثانويّة. وفيما خصّ مسألة ممارسة الشّعائر الدّينيّة فهو إن تعذّرت عليهم ممارستها علناً، يمارسونها بالخفاء داخل جدران منازلهم.

تلك هي الصّورة الّتي نكوّنها جميعاً؛ وبين الوجهتين، يرسو اختيارنا غالباً على الغرب.

ربّما كانت تلك الحالة كما وُصفت، قبل عشرات السّنين. أمّا اليوم، فالعكس صحيح!

ها هو الغرب الّذي يعتبره المشرقيّون مسيحيّاً، تجتاحه العلمانيّة بقوّة وتؤثّر على أداء مسيحيّيه الّذين أهملوا ديانتهم عن قصد أو غير قصد، لأنّ مظاهر الحرّيّة أغوتهم، وانشغالات الحياة ألهتهم. فباتت كنائسهم فارغة من البشر، وإن امتلأت فهي مهدّدة بالزّوال، لأنّ أصحاب نفوذ قرّروا أن تغلب مصالحهم السّياسيّة، فترى الكنائس إمّا تُدمّر ليحلّ مكانها مشروع ما، وإمّا تُحوَّل إلى متاحف وملاهٍ روّادها دائمون وأعدادهم هائلة.

في المقابل، يعيش المسيحيّون في بلدان الخليج عصرهم الذّهبيّ، لأنّ حكومات الدّول تلك شرّعت بناء الكنائس، وسمحت للمقيمين من غير أبناء الوطن أن يعلنوا إيمانهم ويحتفلوا بأعيادهم الدّينيّة من دون أيّ حظر أو تهديد، فيبدع هؤلاء لأنّ لهم قيمة في بلدان خلنا أنّها ستنسيهم مسيحهم.

وبين الغرب والشّرق مسافات كبيرة، مسافات ليست فقط جغرافيّة وإنّما أخلاقيّة- إيمانيّة أيضاً. فبيننا والغرب اختلاف حضاريّ وثقافيّ، حرّيّتهم أنستهم جذورهم وها هي تقودهم إلى العدم، لأنّه حيث يختار الإنسان أن يعيش بعيداً عن الله تختفي كلّ الحرّيّات والقيم.

وبيننا والشّرق روابط وتاريخ وحضارات مشتركة يعزّزها إيمان بالله الّذي يرفض أبناؤه على اختلاف انتماءاتهم أن يمحوا وجوده.

وأمام هذه الصّورة، ما هو دورنا كمسيحيّين مشرقيّين إزاء ما يحصل في العالم؟ كيف يكمننا أن نعمل لنحافظ على صورة المسيح أينما حللنا؟ هل يجدر بنا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام دمار بيت الله؟ فلنتحرّك قبل أن يفوتنا القطار!