بابا المفاجآت والحبّ اللّامتناهي
القصّة بدأت منذ سنة، كما ذكر موقع وكالة الأخبار الكاثوليكيّة CNA عندما دعا السّفير البابويّ في تشيلي، إيفو سكابولو، نيكول إلى كتابة رسالة للحبر الأعظم يسلّمها إليه شخصيّاً. فلبّت الدّعوة وخطّت على ورقة أفكارها طعّمتها بطلب خاصّ: "أطلب منك أن تصلّي كثيراً لأجلي ولأجل كلّ النّاس الّذين يعيشون هنا معي."
أتى الرّدّ سريعاً من الحبر الأعظم غير أنّها استغرقت سنة لتتسلّمها.
في مضمون الرّسالة، شكر البابا نيكول كاتباً: "أشكرك على الثّقة الّتي أظهرتِها لي، كما على الصّلوات الّتي ترفعينها لي من وحدتك، والّتي أنا بحاجة إليها كثيراً. ومن جهتي، أؤكّد لك أنّي أذكرك وابنك فرناندو دائماً في صلواتي، وأطلب من الله أن يمنحك نور الإيمان والقوّة المنبثقة من الرّجاء، وأن تختبري تعزية ورحمة الله بالقرب من أحبّائك.
من جديد، أشكرك على رسالتك. وأنا أسألك أن تتابعي الصّلاة من أجلي. ليباركك يسوع ولتحمك العذراء مريم، آمين."
كلمات بسيطة تبادلها الطّرفان ولكنّها عميقة الأثر. فنيكول الّتي لم يُذكر أيّ تفصيل عن حالتها، اختارت أن تكتب له من عزلتها، من ذاك السّجن الّذي قمع حرّيّتها وكبّل تحرّكاتها. فهي خلف القضبان أسيرة الجسد تعيش ربّما في صراع نفسيّ يفرض عليها ضغوطاً وقيوداً كثيرة ارتأت أن تتحرّر منها في رسالة؛ فأطلقت العنان لفكرها في مجموعة كلمات صادقة نابعة من تجربة خاصّة جدّاً أرادت أن تتشاركها مع أعلى سلطة كنسيّة في الكنيسة الكاثوليكيّة، مع البابا فرنسيس.
أمّا هو فيا لرحابة صدره، لم يتأخرّ عن قراءة الرّسالة، بل فنّد مضمونها وقدّر الثّقة الّتي أبدتها نيكول في تلك السّطور، وأرسل ردّاً سريعاً ينمّ عن تواضع كبير من شخصيّة مثله. فلم يحكم عليها بل أظهر محبّة عظيمة واحتراماً بالغاً تعزّز في أعين العالم صورة بابا المفاجآت والحبّ اللّامتناهي.
وكم كثيرون هم اليوم الّذين يعيشون أمام القضبان كأنّهم خلفها؟ كم كثيرون هم الّذين استعبدتهم الأفكار وقيّدتهم الأعمال فحكمت عليهم بسجن مؤبّد مع أعمال شاقّة ومنعتهم من التّحرّر والتّقدّم؟ كم كثيرون هم من ينتظرون كلمة عزاء يتنفّسون من خلالها الصّعداء، كلمة تعطيهم دافعاً لانطلاقة جديدة مشرقة بنور الإيمان؟ كم منّا ينتظر أن يتلقّى مفاجأة- ليست بالضّرورة حبريّة- ولكن مفاجأة تنعش سباته وتعطيه سبباً للبحث عن حياة أفضل؟ فلنبادر ولنقدّم حياتنا لله كأنّها ورقة بيضاء فيرسم عليها ما يشاء.