المسيحيّون في نيجيريا
هذه البلاد التي زارها البابا يوحنّا بولس الثاني مرّتين عام ألف وتسع مئة واثني وثمانين وعام ألف وتسع مئة وثمانية وتسعين، لا يزال صوته يطنّ فيها هو الذي جدّد في زيارته نداء الكنيسة الكاثوليكية في نيجيريا المطالبة بالعدالة والحقوق الإنسانية والسلام والمصالحة في تلك البقعة التي تؤجّجها الصراعات الطائفيّة، منادياً بالحوار السبيل الأسلم نحو تحقيق الهدف. ولكن على ما يبدو أنّ خطوط الحوار لا تزال شبه مرئيّة، فأوضاع المسيحيّين في تلك البلاد، لا تزال مضطربة، يلاحقها شبح الاضطهاد والموت.
بدأ أوّل اتّصال لنيجيريا مع العالم المسيحي، في عهد الاستعمار البريطاني عام ألف وثماني ومئة وواحد وخمسين، مع وصول بعثات تبشيريّة إلى مناطق الجنوب وانتشرت فيها.
ثمّ دخلت البروتستانتية في منتصف القرن التاسع عشر بواسطة بعض النيجيريين الذين عادوا بعد أن تعرّضوا للسخرة وبيعوا في سوق النخاسة بأميركا، لتظهر بعدها الكنائس المعمدانية والكاثوليكيّة والمستقلّة التي راحت تنمو شيئاً فشيئاً وتلعب دوراَ كبيراً في القطاع التعليمي، بحيث أنشأ المرسلون الكاثوليك العديد من المدارس التي بشّروا فيها بالمسيح وأذاعوا من خلالها القيم الإنسانيّة، وقد أعطت المجتمع فئة مثقّفة احتلّت مراكز مرموقة فيه. غير أنّه في بداية السبعينيات بعد الحرب الأهليّة، تم تأميم عدد من هذه المدارس ممّا حد من انتشار المسيحية حينها.
هذا وأسّسوا العديد من الجمعيّات ذات الحضور الفاعل في الساحة المسيحية النيجيرية.
هذا التلوين الديني، نشأ عنه توتراً طائفياً قديماً، بدأ كنزاع سياسيّ وتحوّل إلى دينيّ، فترى مسلسل الترهيب والعنف إلى تزايد، فالكنائس التي دمّرت عبر التاريخ والمسيحيون الذين سقطوا ضحايا هذه الاعتداءات تتخطّى الآلاف، ما خلق أزمة ثقة كبيرة وتنافس مستمرّ فيما بينهم، ليزيد الشعور بالخوف والتهديد الدائمين، تترجما مؤخراً بسلسة التفجيرات التي استهدفت الكنائس والتي هزّت البلاد ليلة الميلاد في كانون الأول الماضي، راح ضحيّتها العديد من القتلى والجرحى، تحمّلت مسؤوليّتها جماعة بوكو حرام المتطرّفة. وها هي تخلّف اليوم نزاعات تهدّد السلام والعيش المشترك، وتبعد المسيحيين عن أرضهم بحيث اختارت أعداد كبيرة منهم الهجرة وتضمّ نيجيريا التي في ربوعها انتشرت الرسالات والأعمال التبشيريّة إلى سجلّ البلدان التي يهدّدها "العنف الإرهابي" من الأصوليّة الدينيّة والكره للآخر المختلف.
إذاً لا بدّ من إظهار الحقيقة التي تضيء كاشّمس لتفعل في العقول الجاهلة فتبدّد الظلم عنها، عندئذ تشرق الحرّيّة في نيجيريا
