اللّقاء بين الافتراض والواقع
نحن نسينا أنّ الله خلقنا في عالم تعجّ فيه الحياة. وهبنا لسانًا ينطق ويحاور، وعينين فيهما كلّ الجمال لمعاينة روعته في عيون الآخرين. هو منح كلّ حاسّة وظيفة لا يحقّ لنا إلغاؤها. وأكثر من ذلك فإنّ النّاس من حولنا هم عطيّة من الله أيضًا، "هم جزء من تاريخ كلّ واحد" يقول البابا فرنسيس، "وينبغي الحفاظ عليها، وبالتّالي لا ينبغي أن ننظر إلى شاشات هواتفنا المحمولة أكثر من عيون إخوتنا".
ربّما كلامه هذا كان موجّهًا إلى المكرّسين في يومهم العالميّ، ولكن منه نستقي مسيرة لحياتنا نحن أيضًا كعلمانيّين. ليس المطلوب منّا أن نلبس الثّوب الرّهبانيّ أو الكهنوتيّ لندرك قيمة اللّقاء ولكن يكفي أن نلبس المسيح حتّى نعلم أنّ كلّ شيء يبدأ باللّقاء أساسًا، وأنّ ما من علاقة تستمرّ إلّا من خلال هذا الفعل الإنسانيّ والاجتماعيّ.
إذًا، في حين تزخر حياتنا بالمشاكل والمصاعب، وبالوقت الّذي تزنّر الأشواك دروبنا وتنجرّ قلوبنا وراء مغريات الحياة وأهواء الخطيئة، لا بدّ لنا أن نخرج من هذا القالب الّذي سُجنّا فيه ونلتقي بخالقنا عبر عيون الآخرين ونصغي إلى همسه في كلماتهم، ونعود إلى تمجيده في التّكلّم معهم، وإلى الشّعور بنعمة الحياة وبقيمة النّطق.
نعم نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى هكذا لقاءات لتنبض قلوبنا بعيدًا عن تلك الشّاشات، وتخرج إلى الحرّيّة من سجن العالم الافتراضيّ إلى واحة الرّبّ الواسعة النّضرة، فتشارك وتعلّق وتتواصل مع كلّ من أنعم عليهم أن يكونوا فعلة في كرمه.