دينيّة
05 كانون الأول 2016, 07:17

الفداء بين الفلسفة واللاهوت

الفداء بين الفلسفة واللاهوت او فلسفة الفداء ولاهوت الفداء. اذا بقي التفكير في الفداء في الاطار الفلسفي العقلي الذهني فقط تكون المقاربة فكرية نظرية، ذهنية عقلية او فقط من عالم الجوهر، جوهر الفداء Lessence du Rachot الجوهر دون اي تجسيد لها في الواقع في عالم الفعل والحدث.

اما ان قاربنا الفداء في مداره اللاهوتي الواقعي الوجودي فهو فعل وجودي Exissene الوجود في عملية بذل ملذات بحب مجاني لاجل خلاص وفداء الاخرين دون انتظار اي مقابل من قبل الشخص المخلص او المفتدى كما فعل السيد المسيح ببذل ذاته بحب مجاني لاجل فداء وخلاص الآخرين.
البعد الخلاصي اللاهوتي هو بعد اساسي في الفكر المسيحي المستند على ما قاله يسوع: ما من حب اعظم من ان يبذل الانسان نفسه عن احبائه. الاساس اذاً بذل وتضحية وفناء مجاني دون انتظار اي مقابل او استعاضة هذا البذل المجاني او هذه التضحية المحبة دون انتظار اي شيء من قبل الآخر هي جوهر فعل السيد يسوع عند فدائه الانسان والبشرية لاعادتهما الى حب الله بعد ان ثار الانسان عليه ورفضه وشاء ان يكون مثله الهاً فاخطأ في محدوديته تجاه خالقه الازلي المطلق واللا محدود وطرد من فردوس سعادته وعاش جحيم لعنة الارض بسببه ليعيش من تعبه وكده وعرق جبينه، يترصده الموت ليحصده كعشب الحقول وهكذا فعل الحسين حين افتدى مجتمعه ومات شهيداً لاجل الحق في امته على رمال كربلاء، فالعملية ليست مقايضة بل كرم عطاء وفداء مطلق وكامل المجانية لا يشوبه اي انتقاص او منفعة او مصلحة.
الجندي يفتدي وطنه ويستشهد لاجل حرية ارضه وكرامة شعبه. 
الفعل هنا وطني بامتياز وانساني بكل السمو والعظمة الانسانية وكذلك الشهيد المقاوم الباذل ذاته فداءاً لاجل تحرير وطنه.
مرافق الزعيم يفتديه حباً له وشهامة منه وامانة لشرف الخدمة والتضحية بالذات بشجاعة لاجل الزعيم او القائد.
الام، الاب، الاخ، الاخت، تفتدي ابنها بحياتها بسهرها عليه في اوان مرضه وانهيار جسده.
الكاهن الالماني Colbe يفتدي سجيناً في مخيمات ومعسكرات التعذيب والموت الالمانية فيقدم نفسه ليحرق بدل سجين هو رب عائلة وابو اطفال.
القديس دميان اتى يخدم البرص والمجزومين حباً بالله وحباً لهم وهو عارف انه سيموت من مرض البرص والجزام والطاعون الذي سيضرب وينهش جسده ويجعله يهر قطعة قطعة يأكلها الدود والذباب ويموت بينهم وقد سحقه المرض وافنى قواه هو الشاب البهي الجمال... حتى اننا عندما نقدم نذوراً وبخوراً وشموعاً واكباشاً وحملاناً وحماماً وذهباًومالاً وشباباً ومأكلاً او مشرباً فاننا نستبدل الضحية التي كان واجباً ان يضحى بها بهذه الفدية الرمزية بدل الفدية الدموية. الابرياء وحدهم قد يرون ان يموتوا لاجل الخطأة وان يفتدوهم لأن الخطأة لا يستطيعون في شرهم فداء انفسهم مخيفة هذه الجدلية.
عملية الاستبدال او الجدلية هذه اساسية في جدلية الفداء فهي استعاضة عن الشخص او الفعل الحقيقي بعمل او شيء رمزي يهدىء غضب الاله او يسكن سخط عدله او يعوض عن الذنب المقترف ضده او الشر او الاساءة اليه والخطيئة ضد كرمه وحبه.
الضحية لا يجب ان تموت لانها بريئة. لكنها ان لم تمت لا تكون ضحية فلذلك يجب ان تكون هي او تجد من ينوب عنها يموت ويقتل هذا ما قاله Rene Gerard Le Sacrech la Violence.
من هنا كل مقدس مرتبط في مقره بالعنف اساساً او بوحشية التضحية والدم الذي هو دنس وبراءة بالابرياء لانقاذ المدينة او المجتمع او شرف وعذرية العائلة او القبيلة.
الدم وحده يطهر شرف العائلة في ذبح من تدنس واخطأ.  Fragilite de l'etre فالشعور بالذنب والمعطوبية والنقص ملاصق وهو في جوهر الكيان الانساني كما يقول الفيلسوف بول ريكور في كتابه عن الذنب Finitude et culfabilite ان عملية التشابه او التماثل او التماهي او الاقتداء جوهرية في عملية الفداء، لذلك نحن نصلب ذاتنا كالمسيح نمشي وراءه حفاة ونبكي على درب الجلجلة.
Roger Raillais le Sacre Sociologie du Rite
Bastide, Caillois, Wunemberser
ونحن ايضاً ندمي رؤوسنا وصدورنا حباً وتشبهاً وافتداءا وتماثلاً وتماهياً بالحسين ونعيش حقاً ووقعاً وليس رمزياً ودلالياً فاجعة كربلاء استشهاد الحسين.
هل ان المقاربة الحقة لهذه الاشكالية هي فلسفية او وجودية انتربولوجية او لاهوتية خلاصية فدائية في مجانية الحب ووهب الذات والعطاء. وعيش العالم النهيوي او الاسكاتولوجي Escathologique اي نهاية العالم؟ على هذه الارض كما هي الحالة في حياة التكرس الرهباني والنذورات الانجيلية: الطاعة والعفة والفقر التي يعيشها الرهبان والراهبات والناذرون ذاتهم لله والمكرسين حياتهم له.
في النهاية ان قلب الخاطىء كما يقول رينه جيرار وهوى الدم لا يهدآن الا عند سفك دم الضحية البريئة استعاضة وارضاء لحسده وحقده وكرهه وغيرته فهو اما يقتل اخاه البريء كما فعل قايين عندما قتل اخاه هابيل حسداً وغيرة واما يدمر صيت غيره او كرامته او ماله او رزقه ارضاء لشهوة الموت والقتل فيه. فالانسان شهو القتل: Hegel.
فالعملية الاستعاضية او الفدائية نبع من قعر الوجدان المحب النقي الطاهر او من قعر الوجدان الفاسد المدنس المليء بالكره والدود الازرق.
لذلك تبقى الضحية تصلي وتقول اللهم اجعل حظي بين الضحايا وليس بين الجلادين وها انا اخذ كأس الخلاص والفداء اشربها وأدعو باسمك