دينيّة
04 تشرين الأول 2024, 11:40

البعد اللاهوتي والروحي لعلامة الصليب

تيلي لوميار/ نورسات
المطران رمزي كرمو المدبر البطريركي لأبرشية طهران سابقًا

 

   إن رسم علامة الصليب تذكرنا بأهم العقائد المسيحية التي يرتكز عليها إيماننا المسيحي والتي ثبتتها المجامع المسكونية في القرون الأولى وتعترف بها كافة الكنائس المسيحية. حينما نرسم علامة الصليب على ذواتنا نلفظ في نفس الوقت هذه الكلمات: “باسم الأب والإبن والروح القدس الاله الواحد آمين” أي إننا نعلن إيماننا بسرّ الثالوث الأقدس الذي هو محور وأساس حياتنا المسيحية. ليس مسيحيًا من لا يؤمن إيمانًاً ثابتًا وغير متزعزعًا بأن الله هو واحد في جوهره وثلاثة في أقانيمه. هذا السرّ لم يكشفه لنا العقل البشري بل كشَفه لنا الإبن الوحيد ربّنا والهنا يسوع المسيح له كل المجد والاكرام والسجود. "إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه" يو 1/ 18.

نقرأ في كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية بخصوص سرّ الثالوث الأقدس ما يلي: “لقد كشَفَ يسوع عن الله أنه أبّ بمعنى لا مثيل له، فلا تنحصر أبوّته في كونه خالقًا، إنه أب أزلي في علاقته بإبنه الوحيد، الذي لا يكون، منذ الأزل، إبنًا إلا في علاقته بالأب فقرة 240 صفحة 95

إعترفت الكنيسة بصورة رسمية بمساواة الابن مع الآب في جوهر واحد في مجمع نيقية المسكوني الأول سنة 325م، الإيمان الرسولي بالروح القدس كالأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس فقد اُعلن واُعترف به في المجمع المسكوني الثاني الذي إنعقد سنة 381 في مدينة القسطنطينية.

كذلك إن رسم علامة الصليب، تذكرنا بعقيدة أخرى لا تقل أهمية عن عقيدة الثالوث الأقدس والتي بواسطتها إكتمل عمل التدبير الخلاصي، وهي عقيدة سرّ الفداء التي من خلالها نؤمن، بأن ربنا والهنا يسوع المسيح بواسطة آلامه وموته على الصليب وقيامته خلص البشرية من الخطيئة والموت الأبدي وفتح لها باب السماء والحياة الأبدية. لنقرأ ونتأمل:" بهذا ظهَرت محبةُ الله لنا بأنه أَرسَلَ ابنَه الوَحيدَ إِلى العالَم لِنَحْيا بِه" 1 يو 4/ 9

إن رسم علامة الصليب تكشف لنا سراً مُهِماً آخراً وهو سرّ التجسُّد أي: سرّ الكلمة الذي صار إنساناً، كما جاء في الأنجيل المقدس: "والكلمة صار جسدًا فسكنَ بيننا فرأينا مجده مجدًا من لَدُن الآب لأبن وحيد ملؤه النعمة والحق" يو 1/ 14

هذهالعقائد التي هي حقائق إيمانية، والتي تغذّي حياتنا المسيحية وتثمرها، نُشير إليها ونعلنها حينما نرسم علامة الصليب، ولهذا نستطيع القول بأن رسم هذه العلامة المقدسة هو من الصلوات المسيحية المهمة التي تعلّمناها منذ نعومة أظفارنا. إن هذه الصلاة القصيرة والمختصرة بكلماتها والغنية بمحتواها الروحي واللاهوتي، إذا أديناها بإيمان وتقوى وخشوع فإنها من دون شك سوف تطرد منا الأرواح الشريرة وتصوننا من السقوط في تجارب الجسد والعالم ومغرياته وتمنحنا الشجاعة لكي نشهد أمام العالم لإلهنا الواحد والثالوث وللمسيح الإله المتجسد الذي بموته وقيامته فدى البشرية. للعلم، إن رسم علامة الصليب يعتبر في الكنيسة الآشورية بفرعيها: (كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة) أحد أسرار الكنيسة السبعة وذلك نظراً لأهميته وقدسيته.

لنشكر الربّ من كل قلبنا على صلاة “رسم الصليب” التي قبل أن تكون عملاً ظاهريًا وجسديًا هي فعل إيمان صادر من أعماقنا، أي إنها عمل الروح القدس في حياتنا.