إستنارة السامريّة
"في الأحد الرابع بعد الفصح يروي لنا الإنجيليّ يوحنّا حدث عبور يسوع السامرةَ في طريقه نحو الجليل، وقد توقَّف عند بئر يعقوب، وله في ذلك غاية: أن يقتنص امرأة جاءت تستقي وسط حرّ النهار خجلًا من أن تلتقي الناس الذين يستقون في الصباح أو المساء. هي في الظاهر خاطئة، لكنّ الربّ وحده يعرف استعداد قلبها للإصلاح، وليس وحدها فقط بل بني جنسها كلّهم، الذين اعتبرهم اليهود كُفّارًا بسبب اختلاط نسلهم وعبادتهم بالوثنيّين، الأشوريّين بشكل خاصّ.
طلب إليها الربُّ أن تسقيه، على غير عادة اليهود. فاليهود لا يخالِطون السامريّين ولا يأكلون أو يشربون معهم. فكيف يطلب أن يشرب من يدها؟ ولمّا أبدت تعجّبها، قال لها، ما معناه: "لو تعلمين مَن السائل، لكنتِ أنتِ طلبتِ إليه أن يسقيكِ". فتحيَّرَت في هويّته، ألعلّه أعظم من النبيّ يعقوب الذي أعطاهم البئر! قلبها ينبض بقوّة. وجه يسوع يطفح بالنور والسلام. إنّ حضوره يمنحها فرحًا وراحةً لم تذقهما من قَبْلُ. لذلك لمّا قال لها: "أنا أعطيكِ ماءً حيًّا لا يجعلك تعطشين أبدًا"، صدّقته وطلبَت إليه هذا الماء الحيّ، مع أنّه لم يصنع أمامها أيّ معجزة. لكنّ النّفس المرهفة الحسّ تشعر بوجود بارئها وإنْ لم تفهم كيف. لقد كان قلبها مظلمًا بسبب الخطيئة، والآن بدأ نور الربّ يدخله ويطرد الظلام، وها هي تطلب المزيد من النور قائلة له: "أعطني"!
لم يرفض الربُ طلبها، بل طلب إليها أن تأتي برَجُلِها. وغاية يسوع أن يُخلِّصَها ويخلِّص رجُلَها أيضًا من خطيئتهما. فاعترفَت دونما خجل بأنّها غير متزوّجة. وهنا كشف لها يسوع أنَّه يعلَم الخفايا وعارفٌ كم مرّة تزوّجَت وأنّها تعيش مع رجل من دون زواج بينهما. للحال آمنَت واعترفَت به نبيًّا. ولمّا اطمأنّت إلى أنّه مُرسَلٌ من الله الآب سألته في أمور العبادة، فعلّمَها أنَّ الله روحٌ، وأنَّ الذين يعبدونه يسجدون له بالروح والحقّ في قلوبهم. هو يستمع للقلوب الخاشعة ولا يبالي بالمظاهر ولا تستهويه الأماكن. لقد حلَّق قلبها عاليًا. ما هذا الكلام الجميل السامي! لا بُدَّ من أنّه المسيا الذي ننتظره!
لم تسعها الفرحة، أنّها تُكلِّم مَن تنتظره الشعوب ليرفعهم من الظلمات والأدناس، فركضَت تُبشِّرُ أهل مدينتها وتؤكِّد لهم أن قد قال لي كلّ ما فعلتُ. إنّه علاّم الغيوب وملك القلوب. فأسرَعوا هم بدورهم إليه ليجالسوه ويتعلّموا منه، وألزموه أن يبقى عندهم. ولمّا أيقنوا أنّه أتى من السماء ليُرشد الناس إلى السماء، قالوا لها: "ليس من أجل كلامك نؤمن نحن الآن، بل لأنّنا قد رأينا وسمعنا، ونعلَم أنَّ هذا هو بالحقيقة المسيحُ مُخلِّصُ العالَم". هي استنارَت وأنارتهم، ولعلَّها اتَّخَذَت اسم فوتيني الذي يعني: منيرة أو مسنتيرة، ليَدُلَّ على حالتها بعد الإيمان بيسوع.
فهل نفتح نحن قلوبنا لنسمع المسيح ونستقبل نعمة روحه القدّوس فينا، فنغتبط ونذيع الفرح الذي يمنحه الربّ لمحبّيه؟"