دينيّة
30 آذار 2025, 13:00

أحد القد\ّيس يوحنّا السّلّميّ

تيلي لوميار/ نورسات
القدّيس يوحنّا السّينائيّ أو يوحنّا السّلّميّ، مؤلّف كتاب "سلّم الفضائل" الّذي يبيّن الطّريق نحو الكمال هو محور مقال خادم وكاهن عائلة كنيسة الصّليب للرّوم الأرثوذكس في النّبعة الأب باسيليوس محفوض، في الأحد الرّابع من الصّوم الكبير. وعن هذا القدّيس، كتب محفوض:

"اليوم هو الأحد الرّابع من الصّوم الكبير، والكنيسة تقدّم لنا قدّيسًا وزاهدًا ومؤلّفًا عظيمًا للأعمال النّسكيّة. القدّيس يوحنّا السّينائيّ أو القدّيس يوحنّا السّلّميّ. سينائيّ لأنّه مارس الزّهد على جبل سيناء، والسّلّميّ لأنّه كتب كتاب الزّهد الممتاز السّلّميّ (سلّم الفضائل)، الذي يصف مقياس الفضائل.

يُظهِر القدّيس يوحنّا بوضوح من خلال حياته وكتاباته أنّه إذا لم يتغلّب الإنسان على نفسه، فلن يتمكّن من التّقدّم روحيًّا. بمعنى آخر، إذا لم يجبر الإنسان نفسه، ولم يكافح عاداته السّيئة، ولم يحاول إيقاظ الفضائل الرّوحيّة في داخله، فلن ينال الشّركة مع الله.
وكثيرًا ما نسمع في الكنيسة عن الحياة الرّوحيّة أو التّقدّم الرّوحيّ عندما يتحدّث آباء الكنيسة عن الرّوحانيّة، فهم لا يتحدّثون عن الأخلاق. هم يتحدّثون عن الشّركة مع الله، فهم لا يتحدّثون فقط عن الرّؤى أو الظّهورات، كلا. إنّ الكنيسة، تقدّم لنا الرّوحانيّة، وليس الكمال الأخلاقيّ. إنّ كوننا صالحين من النّاحية الأخلاقيّة هو شيء يمكننا تحقيقه بمفردنا، ولكن هذا ليس الهدف؛ فالأخلاق وحدها لا تكفي لجذب نعمة الله.
لذلك تقدّم لنا الكنيسة الرّوحانيّة. فما هي الرّوحانيّة؟ هل يمكن قياسها؟ الرّوحانيّة هي حالة يتجاوز فيها الإنسان أنانيّته وحبّه لذاته، ويتجاوز أشياء العالم ويعيش الآن من أجل المسيح في التّواضع والتّوبة.
الإنسان الرّوحيّ ليس إنسانًا مثقّفًا، متعلّمًا، صاحب شهادات بل هو روح متروكة للعناية الإلهيّة. الإنسان الرّوحيّ هو الذي يعيش بحرّيّة خارج أشكال وآداب الأخلاق. هو الرّجل الذي مات قبل أن يموت حتّى لا يموت عندما يموت.
ولذلك اختارت الكنيسة اليوم أن تقدّم لنا نموذج هذا الرّجل الذي، من خلال حياته ومن خلال مؤلّفه (سلّم الفضائل)، الكتاب الرّفيع "الذروة"، يبيّن لنا هذا الطّريق نحو الكمال فينا.
إنّ عيش حياتنا الرّوحيّة ضروريّ، ليس على أساس أخلاقيّ إنّما روحيّ. الخطوة الأولى والأساسيّة في صعودنا الرّوحيّ هي التّواضع، وبدونها سوف تسوء كلّ أعمالنا.
وبالإضافة مع الصّوم، مع السّهر، مع الصّلاة، مع الصّمت، مع الطّاعة، ومع ذلك، كل ما نفعله يجب أن لا يتم كغاية في حدّ ذاته ولكن كمساعدات تقودنا إلى الحبّ.
يقول القدّيس يوحنّا السّلّميّ عن الحبّ: الحبّ هو في المقام الأوّل رفض كلّ فكرة معادية أو معارضة، لأنّ "الحبّ لا يفكّر بالشّرّ". من أحبّ الرّبّ فقد أحبّ أخاه أوّلاً. والثّاني دليل قطعيّ على الأوّل. من يحبّ قريبه لن يتسامح أبدًا مع الأشخاص الذين يتحدّثون بالنّميمة وينتقدون الآخرين. فيهرب منهم بعيدًا كما يهرب من النّار. من قال أنّه يحبّ الرّبّ وهو في نفس الوقت غاضب على أخيه فهو كمن يركض في نومه!
إذن، المحبّة هي ما يتطلبه الزّهد في كنيستنا. لا توجد روحانيّة بدون حبّ، ولا قداسة بدون حبّ، ولا مسيحيّة بدون حبّ.
ومن خلال الممارسة، سنشكّل وجودنا بحيث ينبت الحبّ داخله، ولكن حبًّا بلا تعاطف، بلا أنانيّة، حبّ الصّليب، حبّ التّضحيّة مثل حبّ الله الإنسان.
لقد عاش القدّيس يوحنّا السّلّميّ حياة زاهدة للغاية، وعاش حياة قاسية للغاية في الكهوف والحفر في الأرض، وعاش لفترة طويلة بدون أيّ اتّصال بالنّاس، وكان من المتوقع أن يصبح مثل هذا الرّجل متوحّشًا... ولكن ما حدث هو العكس تمامًا. صمت الصّحراء، ووحدة الكهف، والطّعام القليل، والصّلاة المستمرّة، ودموع التّفاني، كلّ ذلك حوّله إلى ملاك أرضيّ.
فإذا ذهب أحد لاستشارته أعجب من لطفه وأدبه. فكيف إذن لم يتحوّل النّاسك إلى متوحّش بل أصبح ملاكًا متجسّدًا؟ في المقام الأوّل بفضل نعمة الله، وبممارسته، وبالحبّ الذي زرعه في نفسه لجميع النّاس حتّى لو كان وحيدًا.
عندما صام، لم يصم من أجل نفسه فقط بل من أجل الجميع، وعندما لم يشرب الماء لعدّة أيّام، لم يفعل ذلك من أجل نفسه فقط بل من أجل الجميع وقدّم هذه الذّبيحة، هذا النّضال كترياق للمسيح المعطي.
فلنسعى أيضًا دائمًا، ليس فقط خلال الصّوم الكبير، إلى عيش حياة زاهدة، وتنمية المحبّة روحيًّا، لأنّ أعظم تمرين في نهاية المطاف هو ممارسة المحبّة في شخص أخينا.
المحبّة هي الغاية، الاكتمال غير المكتمل في المسيح، كما يقول الرّسول بولس: "هذه الثّلاثة تبقى: الإيمان، والرّجاء، والمحبّة. ولكن أعظم هذه هي المحبّة."