أحد الأبرار والصّديقين
لذلك تقرأ الكنيسة في هذا الأحد، إنجيل الدَّينونة عند متّى الفصل 25 من الآية 31 ولغاية 46، وذلك بهدف تذكيرنا بأنَّ عيش المسيحيَّة، لا يقتصر على تأدية الواجبات الدّينيَّة واللّيتورجيَّة وحسب، إنَّما يجب أن يكون مقرونًا بأعمال الحبِّ والرَّحمة والرَّأفة، تجاه من نصادفهم كلَّ يومٍ في حياتنا، أولئك الّذين يتجلّى المسيح الرَّبّ في وجوههم وحاجاتهم، والّذين بالإحسان إليهم نكون قد كرّمنا وجه الله. وهم أيضا سبيلنا لبلوغ الملكوت والوقوف في ملء قامة المسيح. "لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي.عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ.(متى 25: 35 - 40).
وتشدِّد الكنيسة من خلال هذا الفصل الإنجيليّ، على أنَّ هذه الرَّحمة الّتي يجب أن نؤدّيها، لا تقف عند حدِّ الشُّعور بالآخر وحسب، أو بالأحرى لا يجب أن تكون إحساسًا بالشَّفقة، إنَّما فعل حبٍّ يغيِّر مسار حياة الآخرين على أرض الواقع، خاصَّةً وأنَّ كلَّ زمنٍ نعيش فيه، هو زمنُ حاجةٍ، هو زمنٌ يكثر فيه الجوع على أنواعه أيمانيًّا وجسديًّا، والعطش على أنواعه، والعريّ كذلك والمرض أيضًا والسِّجن والحزن والغربة.
الرَّبّ والكنيسة يدعواننا أن نخرج من تقوقعنا ومن طائفيَّتنا وعنصريَّتنا وبيئتنا، لننفتح على ذلك الآخر من خلال الرَّحمة على مثاله.فهو نفسه قد جهَّز الخلاص للجميع، ودعا الجميع، حتّى الأمم ومن كانت شريعتهم من ذاتهم تنبثق، ويوم الدَّينونة سيُدين الجميع بحسب بأعمالهم.
هذا هو أحد الأبرار والصِّديقين الّذي يدعونا لا لنتذكَّر وحسب الّذين سبقونا من القدّيسين، بل لنذكر أعمالهم المليئة بالرَّحمة والّتي جعلتهم قدّيسين. هؤلاء الذين رأوا المسيح الرَّبّ في وجوه المحتاجين والمتألّمين والعاجزين، فحنوا عليهم حنوّ الرَّبّ وباتوا شفعاء لنا في العالم وفي الملكوت.