125 عامًا في الصّلاة والعمل والدّراسة
"تشتهر روحانيّة البنديكتان بشعارها"Ora et labora et lege" أي ّ "الصّلاة والعمل والدّراسة". في الحياة التّأمّليّة يعلن الله غالبًا حضوره بشكل غير متوقّع. من خلال التّأمُّل بكلمة الله نحن مدعوّون للبقاء في إصغاء رهبانيّ لصوته لكي نعيش في طاعة دائمة وفرِحة. إنَّ الصّلاة تولِّد في قلوبنا، المستعدّة لنوال العطايا المدهشة الّتي يمنحنا الله إيّاها باستمرار، روح حماس متجدّد يحملنا من خلال عملنا اليوميّ لنسعى كي نتقاسم عطايا حكمة الله مع الآخرين.
إنَّ بعض الجوانب الّتي تميِّز زمن الفصح اللّيتورجيّ الّذي نعيشه وهي الإعلان والمفاجأة والجواب السّريع والقلب المُستعد لنوال عطايا الله، هي في الواقع جزء من حياة البنديكتان اليوميّة. يطلب منكم القدّيس بنديكتوس في قانونه: "لا تفضِّلوا شيئًا على المسيح" بل اسهروا على الدّوام مستعدّين للإصغاء إليه واتّباعه بوداعة. إنَّ محبّتكم للّيتورجيّا، عمل الله الأساسيّ في الحياة الرّهبانيّة، هي جوهريّة بالنّسبة لكم إذ تسمح لكم بأن تكونوا في حضور الرّبّ الحيّ؛ وقيّمة بالنّسبة للكنيسة بأسرها التّي وعبر العصور قد استفادت منها كماء يرويها ويخصِّبها ويغذّي القدرة على عيش اللّقاء مع الرّبّ القائم من الموت بشكل فرديّ وجماعيّ.
إن كان القدّيس بنديكتوس نجمًا منيرًا– كما يدعوه القدّيس غريغوريوس الكبير– في زمنه المطبوع بأزمة عميقة للقيم والمؤسّسات فذلك لأنّه عرف أن يميِّز بين الجوهريّ والثّانوي في الحياة الرّوحيّة واضعًا الرّبّ في المحور على الدّوام. وبالتّالي يمكنكم أنتم أيضًا، أبناؤه في زمننا هذا، أن تمارسوا التّمييز لكي تعرفوا ما يأتي من الرّوح القدس وما يأتي من روح العالم أو من روح الشّيطان. تمييز لا يتطلّب فقط قدرة جيّدة على التّفكير والحسّ السّليم، وإنّما هو أيضًا موهبة يجب أن نطلبها من الرّوح القدس. أمّا بدون حكمة التّمييز فيمكننا أن نتحوّل بكلّ سهولة إلى دُمى ترضخ للنّزعات الحاليّة.
في هذه المرحلة الّتي ينشغل فيها الأشخاص لدرجة أنّهم لا يملكون الوقت الكافي ليصغوا إلى الله تصبح أدياركم واحات يمكن لرجال ونساء من جميع الأعمار والثّقافات والدّيانات أن يكتشفوا فيها جمال الصّمت ويجدوا أنفسهم في تناغم مع الخليقة ويسمحوا لله بأن يُعيد لحياتهم نظامها الصّحيح. إنّ موهبة الاستقبال البنديكتاني هي قيّمة للبشارة الجديدة لأنّها تعطيكم الفرصة لكي تستقبلوا المسيح في كلِّ شخص يصل، وتساعدوا الّذين يبحثون عن الله لكي ينالوا العطايا الرّوحيّة الّتي يحفظها لكلِّ فرد منّا.
يشتهر البنديكتان أيضًا بالالتزام بالحركة المسكونيّة والحوار ما بين الأديان وبالتّالي أُشجِّعكم على الاستمرار في هذا العمل المهمّ للكنيسة والعالم واضعين في خدمتها أيضًا استقبالكم التّقليديّ. في الواقع ما من تعارض بين الحياة التّأمُّليّة وخدمة الآخرين. أعبّر عن امتناني أيضًا لخدمتكم في مجال التّربية والتّنشئة، هنا في روما وفي أنحاء عديدة من العالم. يُعرف البنديكتان لكونهم "مدرسة في خدمة الرّبّ"، وبالتّالي أحُثُّكم لكي تعطوا للتّلاميذ بالإضافة إلى المناهج الضّروريّة والمعرفة، الأدوات لكي يتمكّنوا من النّموّ في تلك الحكمة الّتي تدفعهم ليبحثوا باستمرار عن الله في حياتهم، تلك الحكمة الّتي ستقودهم ليعيشوا التّفهُّم المتبادل لأنّنا جميعًا أبناء الله وإخوة وأخوات في هذا العالم المُتعطّش للسّلام.
أتمنّى أن يشكّل الاحتفال بيوبيل عيد تأسيس اتّحاد أديار رهبنة البنديكتان مناسبة مثمرة للتّأمّل حول البحث عن الله وحكمته وحول كيفيّة نقل غناه لأجيال المستقبل بشكل فعّال."