لبنان
09 آذار 2018, 10:15

.. وصُلب لأجل خلاصنا

العبد المتألّم لا صورة له ولا بهاء يقول أشعيا النّبيّ:"لقد حمل هو آلامنا واحتمل أوجاعنا... طعن بسبب معاصينا ولحق بسبب آثامنا.نزل به العقاب من أجل سلامنا وبجرحه شفيناوهو حمل خطايا الكثيرين وشفع في العصاة(اش 53/ 4-12.5)

 

أمّا في نشيد العبد المتألّم
فيقول أشعيا: 52/ 13-12.53
"لا صورة له ولا بهاء فننظر إليه 
ولا منظر نشتهيه
مزدري ومخذول من النّاس 
رجل أوجاع ومتمرّس بالعاهات
ومثل سائر وجهه عنّا
لقد أخذ عاهاتنا وحمل أوجاعنا
جرح لأجل معاصينا
قدم وهو خاضع ولم يفتح فاه
كشاة سيق إلى الذّبح
وكحمل صامت أمام الّذين يجزونه
ولم يفتح فاه".


عثرة الصّليب
الصّليب هو علامة المخالفة  

في تفكيرنا وحياتنا الشّخصيّة عندما يضربنا المرض العضال الّذي لا شفاء له، والعذاب الّذي لا يُطاق والألم الكبير، والوجع الّذي يدفعنا إلى البكاء والصّراخ.
وتعبنا خيبات الأمل المرّ والفشل السّاحق. أو تضربنا الكوارث والويلات والمصائب والأوبئة ويواجهنا الموت في واقعه المرير وتمزّقه المفجع وشراسته القاسية وظلمه الوحشيّ عندما يقع على الأبرياء والأطفال وخاصّة الأناس الّذين لم يعيشوا في المحبّة، محبّة الله والإنسان وخدمته.
يسوع  البريء عاش بين البشر بالمحبّة ويبشّر بها ويصنعها فيشفى المرض والموجعين ويقفز ويسامح للخطأة والضّعفاء.

 قساوة اختبار يسوع للوضع البشريّ 

إختبار يسوع للوضع البشريّ في أقسى اختباراته الإنسانيّة اختبار فريد مرير ويكوي القلب بالمرارة والوجع، ذروة الإهانات: الخيانة من أقرب النّاس، هرب الأصدقاء ونكر منهم للمعرفة به الاتّهامات الكاذبة والمحقّرة شهادات الزّور والنّفاق، السّجن الظّالم لإنسان بريء ولا ذنب عليه الاستجوابات عاش غير مفهوم من تلاميذه ومن مجتمعه. إنّه الغريب حتّى وهو على الصّليب قال من أراد أن يدفنه: أعطني هذا الغريب.

 المؤسّسة السّياسيّة والدّينيّة 

تآمرنا عليه، بيلاطس غسل يديه منه هوذا الرّجل (يو: 19/5)  المؤسّسة الدّينيّة حرّضت عليه واتّهمته، الجند سخروا منه وازدروه وصلبوه الإدانة بالجرم والجناية والخيانة.
حكم عليه بالموت حمل صليبه وهو يزن ما يقارب 60 أو 70 كيلوغرامًا وصعد على طريق الجلجلة فانهار جسده من التّعب والإرهاق والجلد. نزلت عليه الشّتائم واللّعنات. حتّى أنّ الله أهمله تركه: «إلهي! إلهي! لماذا تركتني». إبتعد عن صراخه.

 ملحمة الآلام 

هذه الملحمة من الآلام ابتدأ في العشاء السّرّيّ، إنّه «عهد جديد» (لو: 22/20) أسّسه يسوع «لأجلكم» أو «لأجل الكثيرين» إنّها المحبّة الإلهيّة الّتي تقدّم ذاتها «كبش محرقة»، وفسّر بأنّ فداء أو «ذبيحة فداء» إنّه «موت واحد عن كثيرين» «فقد أحبّ الله العالم حتّى أنّه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به. بل تكون له الحياة الأبديّة». (يو: 3/16)

 صليب يسوع تعبير عن محبّة الله 

والصّليب هو لعنة بالمفهوم اليهوديّ (غل3/13).

والصّليب هو علامة عار واحتقار وسخرية (1كو: 22/23).
لكن موت يسوع على الصّليب بالمفهوم المسيحيّ هو تعبير عن محبّة الله: «إذ أنّه لم يشفق على ابنه الوحيد ليصالح فيه العالم مع نفسه» (2 كو: 18/19) الصّليب هو العلامة الكبرى، الإشارة، الرّمز، سيميا (simea)  على محبّة الله للإنسان وللبشريّة.

 يسوع هو علامة الرّجاء 

هذا ما يقوله أشعيا النّبيّ: 53/4-12.5
"لقد حمل آلامنا واحتمل أوجاعنا طعن بسبب معاصينا وسحق بسبب آثامنا نزل به العقاب من أجل سلامنا، وبجرحه شفينا وهو حمل خطايا الكثيرين وشفع في العصاة فصار موت يسوع حياة جديدة لنا. إنّه المحبّة الّتي لا نهاية لها. هو الحمل البريء صار «ذبيحة عنّا».
»تقدمة كاملة» فصار يسوع بعذابه وصلبه وآلامه وموته وقيامته هو «الوسيط الوحيد بين الله والنّاس (اتي 2:5).
هو علامة الرّجاء الصّليب هو إظهار عظم محبّة الله والرّجاء الجديد للبشريّة وكشف رعب ظلم الخطيئة.
الصّلب هو إشارة الظّفر والتّحريرمن عبوديّة الخطيئة والشّيطان وقوى الشّرّ في العالم وخاصّة الموت والخطيئة بالصّليب تنتظر المحبّة على البعض والكراهيّة والعنف والحياة على الموت. الصّليب هو رافعة العالم إلى التّحرير النّهائيّ والانتظار النّهائيّ.

 بصليبك خلّصت العالم 

لذلك نحن نصلّي ونردّد ونقول:
«نسجد لك أيّها الرّبّ يسوع  المسيح ونسبّحك... لأنّك بصليبك المقدّس خلّصت العالم»، إنّها غلبة الله على الموت على قوى الخطيئة والشّرّ والظّلمة والموت. لقد تمّت بشرى الخلاص: إنّه قام وصعد الى السّماء، فقيامة يسوع هي أساس إيماننا المسيحيّ، وإشارة الصّليب هي في جوهر وقلب وأساس هذا الإيمان. إنّه المعنى التّأسيسيّ لإيماننا المسيحيّ وهو جوهر الإيمان بالله. وإنّ الله يكون كلًّا في الكلّ يسوع المسيح.

 الصّليب شجرة الحياة والحبّ 

الصّليب أصبح شجرة الحياة. إنّه الشّجرة الّتي تعطي الحبّ. الحبّ أقوى من الموت. وحدها القيادة تضمن انتصار الحبّ على الموت، وحدها الرّجاء تعطي معنى للحبّ وللحياة، غير حجاب جسده المحترق، فهو خلقنا وأقامنا بجسده الّذي قدّم عنّا، وبدمه المهرق لأجلنا خلقنا إنسانًا جديدًا. هذا هو الفداء، هذا هو العهد كلّه. أيّ قتل البغض في قلوبنا ليسود ملكوت المحبّة، فالبغض والكراهيّة وعدم المغفرة والمصالحة صلب وموت جديد ليسوع فينا والحبّ هو الفرح والقيامة.