"هذه الكنيسة شهادةٌ على محبّتكم التي لم تهتزّ أمام القسوة": المطران إبراهيم
بعد قراءة الإنجيل المقدّس، قال المطران إبراهيم في عظته: تدعونا الكلمات "وليتغلّب في قلوبكم سلام الله، السلام الذي إليه دُعيتم في جسد واحد" (كو 3: 15). هذه الدعوة ليست مجرّد نصيحة، بل هي طريق حياة. سلام الله ليس فقط غياب الحرب، بل هو سلام يفيض من محبّة الله، يسكب الطمأنينة في القلوب المتألّمة، ويرمّم ما دمّرته الحروب في الأرواح".
"حينما أصاب القصف بلدتكم الحبيبة، أصاب معه قلوبنا جميعًا. لكنّنا كمؤمنين نعلم أنّ الله لم يترككم لحظة واحدة. كان معكم في كلّ لحظة خوف، في كلّ صلاة همست بها قلوبُكم المرتجفة، وفي كلّ يد امتدّت لتواسي وتساند. سلام الله، الذي يتحدّث عنه القدّيس بولس، هو القوّة التي جعلتكم تصمدون وتواجهون الموت بالحياة، والخوف بالإيمان.
الكنيسة التي نصلّي فيها اليوم ليست مجرّد جدران، بل هي شهادة حيّة لصمودكم، أنتم أهل مشغرة. هي شهادة على تضامنكم مع بعضكم البعض، وعلى محبّتكم التي لم تهتزّ في وجه القسوة. لقد أثبتّم أنّكم جسد واحد، كما دعاكم المسيح، يعمل بالمحبّة ويتحلّى بالصبر.
ونحن هنا لنرفع صلاتنا من أجل أرواح الذين دفعوا حياتهم ثمنًا للشهادة، ومن أجل أن يمسح يسوع دموع كلّ مَن فقد أحبّاء له. كما نصلّي من أجل شفاء الجرحى، كي يمدّهم الله بالقوّة والصحّة ليعودوا إلى حياتهم سالمين معافين".
"لكم الحقّ أن تعتبوا علينا وعلى غيرنا، كلّنا قصّرنا ولو عن غير قصد. الحقيقة أنّ همّ مشغرة لم يغب عنّا. حاولنا أن نجد حلولًا لم تكن بالمنال وتواصلنا مع بعض المرجعيّات، لكنّ هذه هي حال الحرب مع الأسف، والفوضى التي تسود في خلالها، وغياب القرار، خصوصًا في أجهزة الدولة. حاولنا بقدر ما أمكننا...ونحن على استعداد دائم للوقوف إلى جانب كلّ منكم...وسنتابع ملفّ الإعمار بالتأكيد، ولن نترك أهلنا.
اقتحام بيوت المسيحيّين أمرٌ استنكرناه، ونعتبر أنّه أساء إلى العيش المشترك الذي نتمسّك به، وندعو المسؤولين إلى إصلاح الضرر النفسيّ والوطنيّ الحاصل، كما ندعوهم إلى توفير المساعدات، لإعادة بناء المنازل التي هُدّمت أو تضرّرت.
لكن كما تراقبون التطوّرات الحاصلة اليوم في سورية حيث بطريركيّتنا، وكنائسنا، وناسنا...وأعلم أنّ عددًا كبيرًا من أهالي مشغرة يقيم في سورية، نصلّي أيضًا من أجلهم، كي لا يصيبهم مكروه، وأن يستقرّ الوضع هناك وفي وطننا العزيز لبنان.
أيّها الأحبّة، في لحظات الألم والضيق التي عاشتها مشغرة...كم من عين مشغراويّة أدمعت بعيدًا وهي تتابع الأخبار التي بثّت القلق والخوف في القلوب...إلى أحبّائنا في المغتربات، نوجّه اليوم تحيّة من القلب. مشغرة ستبقى دائمًا أرضهم الغالية، وحكايتهم التي لن تنتهي".
لا يمكننا أن نختم من دون أن نشكر من وقف إلى جانب مشغرة في محنتها. ولكنّ الشكر الأعظم نقدّمه لله، الذي حفظكم في بلدتكم وأعاد مَن غادروها إلى بيوتهم سالمين، ووهبهم القوّة ليكونوا شهودًا لإيمانهم بأرضهم.
فلنستمرّ في رفع صلواتنا، طالبين من سيّدة النياح أن تبقى شفيعةً لكم، وأن تحمي بلدتكم وأهلكم، وأن تزرع سلام الله في قلوبكم، ذلك السلام الذي يتغلّب على كلّ ألم ويقودنا نحو الحياة الأبديّة.