"نشجب أيّ عمل منافٍ لقدسيّة الحرّيّة وللقيم الروحيّة والإنسانيّة والأخلاقيّة": البطريرك الراعي
قرأت الكنيسة المارونيّة، يوم الأحد من الإنجيل بحسب القدّيس لوقا (لو 19: 9) وكانت للبرطيرك الراعي كلمة تعليميّة ركّز فيها على الآية "اليوم صار الخلاص لهذا البيت".
قال البطريرك عن هذه الآية "إنّ التوبة الحقيقيّة قائمة على الإقرار بالخطايا والتعويض عنها. وإلّا إمّا ظلّت التوبة أمرًا خارجيًّا كأنّها لم تكن، وإمّا لم تُمارَس أبدًا وهذا أمرٌ أكبر خطورة.
نُصلِّي في هذه الليتورجيا الإلهيّة كي يمنحنا الروح القدس التوبة الحقيقيّة، ونمارسها لكي ننال الخلاص الذي أعلنه المسيح الربّ لزكّا، وهو الغاية من رسالة الخلاص الذي أتمّه "مائتًا عن خطايانا، وقائمًا لتقديسنا" (1 كور 15: 2-3). وهو الغاية من رسالة الكنيسة والكهنوت.
عندما أعلن زكّا العشّار توبته. أعلن الربّ يسوع الغاية من موته وقيامته: "لأنّ ابن الإنسان جاء ليبحث عن الهالك فيخلّصه" (لو 19: 10). فزكّا رئيس العشّارين والغنيّ كان "هالكًا" بسبب خطاياه التي أقرّ بها وهي: عدم الاكتراث بالفقراء، وظلم من كان يجمع منهم الجباية. فقرّر منح الفقراء نصف مقتنياته، وردّه المال أربعة أضعاف للذين ظلمهم. وكان زكّا معروفًا بأنّه خاطئ علنًا لسببين: الأوّل لأنّه من خلال جباية المال كان يختلس ظلمًا، والثاني، لأنّه كان يجبي العشر للدولة الرومانيّة الوثنيّة المحتلّة، فكانوا يعتبرونه عميلًا".
أضاف البطريرك: "أكرم يسوع زكّا العشّار والغنيّ المعروف بأنّه خاطئ علنًا، عندما دعاه باسمه، ودخل بيته، وجلس إلى مائدته. لكنّ زكّا قدّر هذه النعمة وأجرى توبة جذريّة في حياته. وصنع الفرق. فالأغنياء، الذين قال عنهم الربّ أنّه "عسير عليهم أن يدخلوا ملكوت السماوات" (متى 19: 23)، زكّا لم يعد واحدًا منهم بتوزيع نصف أمواله على الفقراء. ويمكن أن نقول، إذا جاز التعبير، إنّه اشترى بماله ملكوت السماوات. ألم يقل الربّ يسوع لذاك الشاب: "إذهب بعْ كلّ ما لك، وأعطه للفقراء فيكون لك كنزٌ في السماء، وتعال اتبعني!" (متى 19: 21)".
تابع الراعي تعليمه: "لم يكن المال عائقّا في حياة زكّا، بل كان عونًا له لكسب مجد المسيح. علينا نحن أن لا نبذّر ما نملكه على العيش الرغيد، بل أن نهبه لأجل الخلاص. ليس في المقتنيات إثم، لأنّها هبة من الله ونعمة، بل في سوء استعمالها. عند البعض يكون المال فرصة للخلاص، وعند آخرين علّة للدينونة. كم هو مهمّ أن نقدّر نعمة الله، ونكون على مستوى ما تقتضي منّا! هذا هو باب الخلاص والسعادة والفرح الحقيقيّ الذي يملأ القلب ويدوم ويُنشر في محيط صاحبه".
أردف البطريرك كم نتمنّى لو أنّ السياسيّين وأصحاب النفوذ، المعرقلين انتخاب رئيس للجمهوريّة منذ سنة وثمانية أشهر، يعودون إلى أعماق نفوسهم، ويصغون إلى صوت ضميرهم، صوت الله في أعماقهم، لوفعلوا ذلك لأدركوا خطأهم الجسيم وتابوا عنه، واتّخذوا قرارًا تاريخيًّا حرًّا، ولأنقذوا أنفسهم والبلاد".
إنّ مجتمعنا اللبناني بات يعيش في هيكليّة خطيئة، لأنّ كلّ واحد يخطأ ولا يتوب عن خطيئته، ما جعل الخطيئة غير موجودة، أو خطيئة جتماعيّة لا أحد مسؤول عنها.
إنّنا ندعوهم واحدًا واحدًا إلى تحمّل مسؤوليّة خراب البلاد بموسّساته الدستوريّة، وبالميثاق، وبحالة الاقتصاد المنهار، وبازدياد الفقر وهجرة خيرة شبابنا. إنّنا ندعوهم إلى اتّخاذ قرار شجاع مثل زكّا، مدركين خطأهم الكبير بحقّ الشعب اللبنانيّ الذي ائتمنهم على السلطة لخيره.
أوضح البطريرك الراعي موقفه من ما تمّ تداوله عن الألعاب الأولومبيّة
من دواعي الاشمئزاز والغضب حيال تلك المشهديّة الحقيرة واللاأخلاقيّة المعادية للسيّد المسيح وللمسيحيّة التي ظهرت في افتتاحيّة الألعاب الأولمبيّة في باريس أوّل من أمس. فيا للانحطاط الأخلاقيّ الذي بلغ ذروته وهو دليل إفلاس من جهة، وعلامة حقد على المسيح والمسيحيّة ومقدّساتها. فإنّنا نشجب هذا العمل المنافي لقدسيّة الحريّة وللقيم الروحيّة والإنسانيّة والأخلاقيّة. وندعو أبناءنا المؤمنين إلى الصلاة من أجل التكفير عن هذه الإهانة لسرّ القربان ولقلبي يسوع ومريم.
كذلك عبّر البطريرك المارونيّ عن الأسف لقرار نقل مؤسّسة اليونسكو كمكتب إقليميّ للبلدان العربيّة من بيروت إلى عمّان. وبما أنّ القرار لا زال معلّقًا، تمنّى الراعي من القيّيمن الرجوع عنه
لخير وجوده في لبنان.
ختم البطريرك الراعي كلمته بالدعوة إلى الصلاة: "لنصلّ لكي نعود جميعًا إلى صوت ضميرنا، صوت الله في أعماق نفوسنا، راجين القيام بتوبة خلاصيّة مثل زكّا العشّار، فننال نعمة الخلاص الأبديّ. للإله الثالوث الآب والابن والروح القدس كلّ مجد وشكر وحمد، الآن وإلى الأبد، آمين.