لبنان
22 تشرين الثاني 2024, 12:40

"نحن أمام مسؤوليّة تاريخيّة تحتّم علينا العمل معًا لأجل إعادة بناء لبنان": المطران خيرالله

ترأّس المطران منير خيرالله، راعي أبرشيّة البترون المارونيّة قدّاسًا احتفاليًّا لمناسبة عيد الاستقلال وذكرى تطويب القدّيسة رفقا، عاونه فيه الأب ميشال اليان، مرشد دير مار يوسف-جربتا ولفيف من كهنة الأبرشيّة، في حضور راهبات الدير، والأخويّات، وطلائع العذراء وفرسانها، وحشد كبير من المؤمنين. خدم القدّاس كلٌّ من رفقا فارس ورودولف خوري.

 

بعد قراءة الإنجيل، ألقى المطران خيرالله عظة قال فيها: "في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1985، تداعينا للمرّة الأولى في أبرشيّة البترون، بعد إعلان تطويب الراهبة رفقا ولمناسبة عيد الاستقلال، إلى مسيرة حجّ وصلاة إلى ضريح الطوباويّة في دير مار يوسف-جربتا. تسعة وثلاثون سنة مضت ونحن نلتقي في مسيرات حجّ وصلاة، وكان وطننا لبنان، ولا يزال، يعاني من حروب على أرضه ويدفع ثمنها اللبنانيّون. فمات من مات، واستشهد من استشهد، وهُجِّر من هُجِّر، وهاجر من هاجر. وبقينا نحن نصارع من أجل الحياة، حياةٍ حرّة وكريمة، في ظلّ دولة تحترم دستورها وقوانينها وتؤمّن مصالح مواطنيها وتستحقّ الاستقلال الناجز. للسنة التاسعة والثلاثين على التوالي، نحجّ إلى ضريح القدّيسة رفقا لنحتفل معًا بعيدي القداسة والاستقلال...".  

أضاف: "نحتفل أوّلًا بعيد القداسة في هذا الدير الذي شيّدته القدّيسة رفقا مع أخواتها سنة 1897، وقرّرت أن تمشي مسيرة القداسة التي تعود بنا إلى الجذور، إلى روحانيّة أبينا مار مارون الذي استنبط روحانيّةً نسكيّة في كنيسة أنطاكية، تُعاش على قمم الجبال أو في قعر الوديان، في علاقة مميّزة مع الله في الصلاة والتقشّف والتجرّد عن ملذّات العالم، وفي العمل في الأرض للعيش منها بحرّيّة وكرامة. وأتى تلاميذ مارون يعيشون هذه الروحانيّة على قمم جبال لبنان أو في وديانه وحوّلوها إلى مراكز قداسة ومزارات لتمجيد الله. وأسّسوا كنيسة مع البطريرك يوحنّا مارون وأكملوا فيها مسيرة الروحانيّة النسكيّة في القداسة..."

وتابع: "أمّا العيد الثاني، فهو عيد استقلال لبنان الوطن والكيان...القدّيسة رفقا، كما القدّيسون نعمة الله وشربل والإخوة المسابكيّون، كانوا شهودًا لمرحلة من مراحل الاضطهادات التي تعرّض لها شعبنا في مسيرة استقلال الكيان اللبنانيّ بين 1840 و1860، يوم كان الموارنة والمسيحيّون يُذبحون في عهد الإمبراطوريّة العثمانيّة. والبطريرك المكرّم الياس الحويك، وحّد اللبنانيّين، وراح يطالب باسمهم الحلفاء بعد الحرب العالميّة الأولى بإعلان دولة لبنان الكبير؛ الكبير لا في جغرافيّته وأرضه، بل في دعوته ورسالته...لبنان وطن رسالة في المحبّة والمصالحة والسلام والانفتاح والعيش الواحد في احترام تعدّديّة الانتماءات المختلفة، على أن تبقى كلّها تحت سقف الانتماء الواحد للوطن والدولة. ونال ما طلبه، وأعلنت دولة لبنان الكبير. وتابع البطريرك أنطون عريضه النضال حتّى نال لبنان استقلاله في 22 تشرين الثاني 1943 على اسم الجمهوريّة اللبنانيّة".

وقال: "لكنّ هذا الاستقلال لم يُنجز فعليًّا لأنّ اللبنانيّين لم يثقوا بدولتهم ولم يضحّوا بمصالحهم الخاصّة في سبيل المصلحة العامّة. فبقيت عيونهم شاخصة إلى دول خارجيّة، وقلوبهم معلّقة بزعماء ورؤساء غير لبنانيّين. واندلعت الحرب في ما بينهم ومع الآخرين منذ ما يقارب الخمسين سنة وما زالت مستعرة....وحلّ بهم ما حلّ ...".  

أضاف المطران خير الله: "نقف اليوم بعد هذا المسار المؤلم، على ضريح القدّيسة رفقا، أمام ذواتنا وأمام الله وأمام بعضنا البعض وأمام مجتمعنا، وقفة توبة صادقة لطلب الغفران على كل ما اقترفنا من أخطاء وخطايا. لنعمل بعد ذلك، وبكلّ جرأة، على قراءة نقديّة لتاريخنا وللأحداث التي عشنا بهدف تنقية الذاكرة وإقامة حوار صادق وصريح في ما بيننا للوصول إلى مصالحة باتت ضروريّة، بل ملحّة اليوم".

وختم: "نحن أمام مسؤولية تاريخية تحتّم علينا العمل متعاضدين موحَّدين على إعادة بناء لبنان...وبناء مستقبل واعد لأولادنا وأجيالنا الطالعة لينعموا باستقلال مستحَقّ وسيادة كاملة. نحن قادرون على ذلك بقوة إيماننا بالله ورجائنا بالربّ يسوع المسيح الذي تنازل من ألوهيّته ليصير إنسانًا مثلنا ويتبنّى إنسانيّتنا الضعيفة ويقوّيها ويحملها معه حتّى الصليب فالموت والقيامة. نطلب من الله، بشفاعة القدّيسة رفقا...أن يمنحنا القوّة على حمل الصليب معه والانتصار على الشرّ والخطيئة، كي نكون رسل محبّة ومصالحة وسلام في لبنان الرسالة وفي العالم. والمسيح باقٍ معنا إلى نهاية العالم".