الفاتيكان
10 حزيران 2024, 11:30

"ما تحتاج إليه الأرض المقدَّسة: عناق سلام!": البابا فرنسيس

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس قداسة البابا فرنسيس مساء الجمعة في حدائق الفاتيكان وقفة صلاة في الذّكرى السنويّة العاشرة للصلاة من أجل السلام في الأرض المقدّسة، وفيها تمنّى البابا مع الحاضرين أن يوقف إطلاق النار وتتمَّ حماية السكَّان ليحصلوا على المساعدات الإنسانيّة الضروريّة. كما شدّد البابا على أهمّيّة أن تتمّ إعادة بناء بيوتهم قريبًا لكي يتمكّنوا من العودة إليها بسلام"، كما نقلت "أخبار الفاتيكان".

 

ألقى الأب الأقدس كلمة شكرَ فيها الحضور على وقفة الصلاة من أجل الأرض المقدّسة لكي "نلتمس من الله عطيّة السلام"،  

وقال: "منذ أشهر ونحن نشهد على سلسلة متزايدة من الأعمال العدائيّة، ونرى العديد من الأبرياء يموتون أمام عيوننا. على هذه الآلام كلّها، ووحشيّة الحرب، والعنف الذي تسبّبه، والكراهية التي تزرعها أيضًا في الأجيال المقبلة أن تقنعنا بأنّ "كلّ حرب تترك العالم أسوأ ممّا كان عليه قبلها. الحرب هي فشل السياسة والإنسانيّة، واستسلامٌ مُخزٍ، وهزيمة أمام قوى الشرّ". ولهذا السبب، بدلًا من أن نخدع أنفسنا بأنّ الحرب يمكنها أن تحلّ المشاكل وتحمل السلام، علينا أن نكون قاطعين ومتنبّهين إزاء أيديولوجيّة تُهَيمِنُ اليوم للأسف، والتي بموجبها ]يشكّل الصراع والعنف والانقسامات جزءًا من السير الطبيعيّ للمجتمع[."

تابع البابا كلامه: "ما هو على المحكّ حقًّا هو الصراع على السلطة بين مختلف الفئات الاجتماعيّة، والمصالح الاقتصاديّة الحزبيّة، والمناورات السياسيّة الدوليّة التي تهدف إلى تحقيق سلام ظاهريّ فيما تهرب من المشاكل الحقيقيّة. ولكن في زمن مطبوع بالصراعات المأساويّة، نحن بحاجة إلى التزام متجدِّد من أجل بناء عالم سلميّ. ولذلك أريد أن أقول للمؤمنين جميعهم، وللأشخاص ذوي الإرادة الصالحة كلّهم: لا نتوقَّفنَّ أبدًا عن أن نحلم بالسلام، وعن بناء علاقات سلام!"

 

أضاف الأب الأقدس يقول: "أنا أصلّي كلّ يوم لكي تنتهي هذه الحرب أخيرًا. أفكّر في الذين يتألّمون، في الأرض المقدَّسة، في المسيحيِّين واليهود والمسلمين...وأفكّر في الأهالي والرهائن والمحتجزين، والأسرى... وأفكّر في السّكان الفلسطينيِّين وأطلب أن تتمَّ حمايتهم وأن يحصلوا على المساعدات الإنسانيّة الضرورية؛ أفكّر في العديد من النازحين بسبب القتال، وأطلب أن تتمّ إعادة بناء بيوتهم قريبًا لكي يتمكّنوا من العودة إليها بسلام. أفكّر أيضًا بذوي الإرادة الصالحة في الأرض المقدّسة، الذين بين الدموع والآلام، لا يتوقّفون عن الانتظار على أمل وصول يوم جديد، ويجتهدون من أجل تحقيق فجر عالم سلميّ."

قال الأب الأقدس أيضًا: "علينا جميعًا أن نعمل ونلتزم لكي نبلغ سلامًا دائمًا، يمكن فيه لدولتين، أن تعيشا جنبًا إلى جنب، وتحطِّما جدران العداوة والكراهية. علينا جميعًا أن نعتزَّ بالقدس لكي تصبح "مدينة اللقاء الأخوّي" بين المسيحيّين واليهود والمسلمين، يحفظها نظام خاصّ يتمتّع بضمانات على صعيد دوليّ".

تابع الحبر الأعظم يقول: "أيّها الإخوة والأخوات، نحن اليوم هنا لكي نطلب السلام من الله، كعطيَّة من رحمته.

السلام في الواقع، لا يتمّ فقط باتّفاقيّات على الورق أو على طاولة التنازلات الإنسانيّة والسياسيّة. بل هو يولد من قلوب تحوّلت، وينبع عندما تبلغ كلَّ فرد منّا وتلمسه محبّة الله، التي تذوّب أنانيّتنا، وتحطّم أحكامنا المسبقة وتمنحنا طعم الصداقة والأخوّة والتضامن المتبادل وفرحها."

وأكمل البابا صرخته من أجل السلام: "لا يمكن أن يحلّ سلام إن لم نسمح أوّلًا لله بأن يجرِّد قلوبنا من الأسلحة، ويجعلها مضيافة ورؤوفة ورحيمة. ولذلك، نريد هذا المساء أن نجدّد صلاتنا، كما فعلنا لعشرة سنوات خلت. نريد أن نطلب من الربّ أن ينمِّي أكثر شجرة الزيتون التي غرسناها في ذلك اليوم وقد نمت وقويت لأنّها محفوظة من الرياح، وتمّ ريّها بعناية. وبالطريقة عينها، علينا أن نسأل الله أنّ يُنبت السلام في قلب كلّ إنسان، وفي كلّ شعب وأمّة، وفي كلّ جزء من الأرض، في حمى من رياح الحرب.

لا نتوقّفنَّ أبدًا عن أن نحلم بالسلام، الذي يمنحنا الفرح غير المنتظر لشعورنا بأنّنا جزء من عائلة بشريّة واحدة. هذا الفرح رأيته في فيرونا، على وجهَي هذَين الأبوَين، الإسرائيليّ والفلسطينيّ، اللذين تعانقا أمام الجميع. هذا ما تحتاج إليه الأرض المقدَّسة: عناق سلام!"

 

وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول "لنطلب إذًا من الربّ يسوع أن يتمكّن قادة الأمم والأطراف المتنازعة من أن يجدوا طريق التوافق والوَحدة، وأن يعترف الجميع بأنّهم إخوة. لنطلب ذلك من الربّ يسوع، بشفاعة مريم، فتاة الناصرة، وملكة السلام، لنردّد هذه الصلاة التي صلّيناها منذ عشر سنوات: إيّها الربّ، يا إله السلام، أصغِ إلى توسُّلاتنا! أعطنا السلام، وعلّمنا السلام، وقدنا نحو السلام. افتح عيوننا وقلوبنا وأعطنا الشجاعة لكي نقول "لا للحرب بعد الآن!". ابعث فينا الشجاعة لكي نقوم ببادرات ملموسة من أجل بناء السلام اجعلنا مستعدّين لكي نصغي إلى صرخة مواطنينا الذين يطلبون منّا أن نحوّل أسلحتنا إلى أدوات سلام ومخاوفنا إلى ثقة وتوتّراتنا إلى مغفرة. أَبقِ شعلة الرجاء متّقدة في داخلنا لكي نقوم بصبر ومثابرة بخيارات حوار ومصالحة، لكي ينتصر السلام أخيرًا. ولْتَنتَفِ إلى الأبد من قلب كلّ إنسان هذه الكلمات: الانقسام، والكراهية، والحرب! يا ربّ، جرّد اللسان والأيدي من السلاح، وجدّد القلوب والعقول، لكي تكون كلمة "أخ" هي الكلمة التي تجعلنا نلتقي على الدوام ويكون أسلوب حياتنا أسلوبَ سلام! آمين."