الأراضي المقدّسة
26 تشرين الثاني 2024, 12:40

"لا يمكننا أن نخدم المسيح، ما لم نخدم الـ قريب": البطريرك بيتسابالا

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل البطريرك الكاردينال بييرباتيستا، بطريرك القدس للاتين بالقدّاس الإلهيّ في كنيسة القدّيسة حنّة - القدس، منح فيه درجة الشمّاسيّة لبعض الشباب المتقدّمين للخدمة في الكنيسةن عن موقع البطريركيّة اللاتينيّة في القدس.

 

بعد قراءة الإنجيل تحدّث البطريرك قائلًا:

"في هذه الأوقات الصعبة، المليئة بالتعب الشديد، تُعدّ هذه المناسبات التي تجتمع فيها الكنيسة للاحتفال بأشخاصٍ يقرّرون أن يضعوا أنفسهم في خدمة الله وشعبه، بمثابة شهيقٍ لهواءٍ نقيّ. في زمنٍ يحكم فيه عدم الثقة في العديد من جوانب الحياة الشخصيّة والاجتماعيّة، من الرائع أن نرى شبابًا يثقون بالله وبالكنيسة، ويضعون أنفسَهم في الخدمة.  

في أعمال الرسل، يتمّ وصف تاريخ الجماعة المسيحيّة الأولى في القدس. كما رأينا في مقطع اليوم، لم تخلُ الأمور في ذلك الوقت من سوء الفهم والتوتّرات، التي كانت تتعلّق باحتياجات حقيقيّة وأساسيّة، مثل خدمة الموائد. منذ ذلك الحين، كانت الكنيسة تهتمّ بالاحتياجات الملموسة للمجتمع وتكرّس نفسها لخدمة قد نسمّيها اليومَ "خدمةً اجتماعيّة".  

كانت أحداث الجماعة الأولى، دائمًا مليئة بالتوتّرات وسوء الفهم، ولا يخفي الكتاب المقدّس ذلك. في هذه القصص، تمكننا قراءة تاريخ كلّ جماعة مسيحيّة في كلّ زمان. هي جماعات حقيقيّة وواقعيّة، تعمل في الأنشطة اليوميّة العاديّة، مشابهةً لتلك التي نقوم بها نحن اليوم. وفي تلك الأنشطة، تبرز إنسانيّتهم، كما هي إنسانيّتنا وإنسانيّة الجميع، التي تتمثّل في النقاشات والآراء والرؤى المختلفة، وسوء الفهم وأحيانًا حتّى الانقسامات.  

قد يبدو، للوهلة الأولى، أنّ الكتاب المقدّس يريد أن يظهر لنا حالات من الصِغر والخيانة. وبالتأكيد هناك هذا الجانب.  

ولكن، في الوقت عينه، يريد أن يبيّن لنا كيف أنْ، في تلك الأحداث، وفي تلك الاختلافات والمناقشات التالية، يبدأُ مشروع الله في الظهور تدريجيًّا. كيف يظهر شيء جديد وغير متوقَّعٍ ربّما لم يكن ليظهر لو لم تكن تلك المناقشات والخلافات. في مقطعنا هذا، على سبيل المثال (من أعمال الرسل 6)، أدّتْ تلكَ الاختلافاتُ إلى ظهور الخدمة الشمّاسيّة في الكنيسة. وجرى مثل هذا التحوّل بالنسبة إلى العديد من اللحظات المهمّة الأخرى في تاريخ الكنيسة.

إذًا، الخلافاتُ المؤلمةُ أحيانًا داخلَ الجماعات، لا يجبُ دائمًا أن نقرأها على أنّها عائق أو خيانة أو عدم القدرة على الانفتاح على مشروع الله، أو على أنّها حاجز يفصلنا عن الفهم الكامل للكلمة، ولكنّها غالبًا – إذا تمّ عيشها بروح الإيمان – هي المكان الذي تتجلّى فيه إرادةُ الله. هي مثل آلام الولادة الضروريّة. لا توجُ ولادةٌ جديدة، في الواقع، من دون آلام. لذلك، لا يجب علينا أن نفرّ هربًا من تلك المواقف، بل أن نتعلّم كيف نعيشها مسيحيًّا.

اليوم أيضًا نعيشُ آلامًا في حياتنا الاجتماعيّة والكنسيّة. الصراع المستمرّ اجتاح في وقت قصير العديد من العادات والآراء وأساليب التفكير، وأهمّ من ذلك، الآمال والمشاريع والآفاق، ليس فقط في المجال الاجتماعيّ، ولكن أيضًا في حياة جماعاتنا. من يعلم ما الذي يعدُّه لنا الربّ. الأمر يعود إلينا لاكتشاف ذلك تدريجيًّا، مع الحفاظ دائمًا على قلبٍ يقظٍ ومنفتحٍ على الاستماع إلى كلمة الله وآيات الأزمنة.

الواجب الأوّل عليكم أيّها الشمامسة الأعزّاء سيكون خدمة المائدة وكلمة الله. مهما كانت المهمّة التي ستُكلّفكم بها الكنيسة من خلال رؤسائكم، يجب أن تستند إلى هاتيْن الركيزتيْن الثابتتيْن طوالَ حياتكم: المائدة (الإفخارستيّا)، وكلمة الله. إنّها الخدمة الأولى التي يحتاج إليها عالمُ اليوم، تليها العناية بالفقراء. أينما أُرسلتم، فإنّ خدمة الفقراء، والانتباه للآخرين، والتقرّبَ منهم، بالنسبة إلينا نحن المؤمنين، ليست مجرّد فعل خير، بل هي نتيجة مباشرة وطبيعيّة للعلاقة مع شخص يسوع. ربما تقودُ أعمالُ الخير والمحبة إلى الغاية عينها... لكنّ الأسلوب والروح التي يتمُّ بها تقديمُ تلك الخدمة مختلفةٌ تمامًا. العلاقة مع المسيح تفتحنا على العلاقة مع كلّ رجل وامرأة، وتحرّرنا من أشكال النزاع، والحقد، والغضب. تجعلنا بُناةً لا فقط للأعمال الخيريّة، بل أيضًا لعلاقاتٍ جديدةٍ ومخلصة.  

الإنجيلُ الذي اخترتموه يرشدنا إلى الاتّجاه ذاته. نحن على ضفاف بحيرة طبريّا، بعد القيامة، وهنا يلتقي يسوع وبطرس مرّةً أخرى. ربما يلتقيان حقًا للمرّة الأولى.  

لكنّ يسوع القائم من بين الأموات لا يطلبُ من بطرس حساب خيانته، بل يسأله سؤالًا واحدًا فقط: "أتحبّني؟" سؤال بالتأكيد أزعج صيّاد الجليل. وأنا واثقٌ أنّ هذا السؤال له التأثير عينه على كلّ واحدٍ منّا مع ما لنا من خياناتٍ صغيرة وكبيرة.  

من خلال الخدمة، أنتم تتّخذون في حياتكم جانبًا محدّدًا وأساسيًّا في الحياة الكنسيّة: الخدمة. في الإفخارستيّا، أوّلًا، ولكن أيضًا في حياة العالم، لأن لا يمكن أن نخدم المسيح إلّم نخدم الـ"قريب".  

لا يُطلب منّا أن نكونَ كاملين. نحن جميعًا ضعفاء، وعرج، وغير كاملين، لكنّنا نحبّ المسيحَ وفقط من أجل هذا، نحن في خدمة الإنسان، كلّ إنسان. فليكنْ هذا الوعيُ بالخدمة حاضرًا دائمًا في حياتكم.

أخيرًا، هذه الخدمة والمحبّة للمسيح، لهما مكانٌ وشكل: الكنيسة. لذا، لا يجبُ أن يكونَ مسارُكم مسارًا شخصيًّا فقط. أن تختاروا المسيح يعني أن تعترفوا بالكنيسة. في الكنيسة ومع الكنيسة تصبح هذه الخدمة ملموسة، في الكنيسة يتمّ كسر الخبز، ويتمّ إعلان الكلمة. مع الكنيسة نتكرَّسُ من أجل حياة العالم.  

على بطرس المتردّد، والخائف، والخاطئ، أسّس المسيح رعيّته. وخلف بطرس، نقف نحن جميعًا الخائفين، والمتردّدين، والخاطئين مثله. ولكنّنا أيضًا أسرى لحبّ المسيح".