سوريا
30 كانون الثاني 2017, 12:11

"تيلي لوميار" ترصد الوقائع التاريخية لوجود الراهبات السّالزيانيات في دمشق

يعود أصل المستشفى الإيطالي بدمشق إلى عيادة إيطالية افتتحت العام 1912 من قبل وزارة الخارجية الايطالية وتحت الادارة الصحية للطبيب القبطان الدكتور كيليكسي.

حصلت هذه العيادة على اعتراف الجمعية الوطنية الايطالية للارساليات الكاثوليكية في الخارج التي رخصتها العام 1913 فأضيف لها مستوصف تحول لاحقا الى أول مستشفى جراحي تم ادارتها من قبل الاستاذ كاميرا بالتعاوت مع الراهبات السالزيانيات" بنات مريم أم المعونة" وبالتالي ذهبت جماعة الراهبات الصغيرة التي كانت ترأسها الاخت فيلومينا بوتسو الى دمشق بصحبة الرئيسة الاقليمية الأم آنيتا فيرغانو ووصلن الى هناك في الرابع من تشرين الثاني العام 1914 وكان بانتظارهن في المحطة ملحق القنصل الايطالي والكاهن الفرنسيكاني.

كانت الأخوات تعتقدن ان كا شيء سيكون جاهزا وان بناء قد اعد ليكون مركزا للتعليم المسيحي، مدرسة، مستشفى، من قبل الجمعية الوطنية الايطالية الممولة للمشروع. لكن الواقع كان غير ذلك فقد وصلن الى بيت في حي الصالحية لا يحوي سوى جدران خالية.

في كانون الثاني العام 1914 بدأ العمل في كل من المدرسة، مركز التعليم المسيحي، المستشفى، العيادة. وكانت كل مؤسسة منها تغرق الراهبات بالعمل لكن شغل المستشفى اخذ اكبر حيز من وقتهن.

اقيمت المستشفى  في بيت مستأجر في شارع الصّالحية وهو الشّارع الرّئيس في الحي الجديد الذي يرتقي صعودا والذي كان متوقعا ان يحتل مكانة هامة في المستقبل وفعلا هذا ما حدث وسميت المستشفى "بالعيادة الجراحية الايطالية".

اجبر النجاح المتزايد للمستشفى الجمعية الوطنية الايطالية على التجاوب مع الحاجة المحلية التي تطلبت تطوير وتحسين هذه المؤسسة الصحية. لذا تم بوساطة السيد شياباريللي شراء قطعة ارض واسعة في منطقة الصالحية ذاتها بغية تشييد المستشفى، لكن الاحداث السياسية التي طرأت آنذاك منعت تنفيذ هذا المخطط لسنين عدة.

وبعد محطات واحداث تاريخية هامة، وصل الدكتور سيرا الى دمشق في السابع عشر من شهر آذار العام 1920 اما الراهبات فوصلن في 22 نيسان من العام نفسه وبلغ عددهن ستة اخوات.

ونظرًا لعدم انتظام البريد لم يكن هناك من احد في انتظار الراهبات في المحطة لدى وصولهن. فوصلت البرقية الى القنصلية الايطالية قبل وصول الراهبات ببضعة دقائق. وعلى الفور ارسل القنصل موظفا لاستقبالهن ومرافقتهن الى فندق فيكتوريا اذ ان البيت لم يكن مجهزا بعد. التقت الاخوات هناك بالدكتور سيرا مدير المستشفى الايطالي الذي رحب بهن وتولى امر حصولهن على غرف مناسبة للاقامة.

في الخامس عشر من شهر ايار 1920 انتهت اعمال نقل التجهيزات والمعدات. وحتى تمثال مريم ام المعونة عاد من جديد بين بناتها.

في العشرين من شهر حزيران استقبلت المستشفى اول المرضى وبدأ العمل في العيادة المحلية واستؤنف العمل الجراحي بزخم متنامي.

في السادس  عشر من تموز العام نفسه اعلنت الحرب ما بين الفرنسيين والعرب وكان القنصل الجديد السيد باتيرنو ماركيزي، القلق من مجريات الأحداث إنذاك شبه عازم على ارسال الاخوات الى القدس.

وخلال الاعوام الحرجة 1925_1926 مضت المؤسسة قدما مستقبلة العديد من جرحى القصف والانتفاضة الذين كانوا يجدون لديها العلاج والرعاية.

وبناء على ذلك، أكملت الجمعية الوطنية الايطالية اعمال البناء في حي الصّالحية متجاوزة كل الصعوبات الكبرى، وفي السادس من شهر آذار العام 1926 اصبح المكان ممكنا للتدشين مدرسة للفتيات والمستشفى الايطالي المنشأين برؤية ادارة تقنية، وبروح ايطالية.

بلغ تشييد المستشفى مرحلة متقدمة متخطيا التنامي الكبير في العمل والصعوبات المحلية فضلا عن ذلك فان موجة التحويل والاصلاح التي جرت تحت ادارة الانتداب الفرنسي فرضت على الاخوات ايضا القيام ببعض التحسينات الضرورية لكي تكون المؤسسة متناغمة مع الأزمنة الحديثة.

استمر العمل في المستشفى دؤوبا مع الكثير من التضحية لغاية العام 1940 وفي كثير من المرات ولأسباب مختلفة بقيت الراهبات دون القداس الالهي ودون المناولة المقدسة حتى ان الرياضة الروحية السنوية تمت دون ان تتوقف الراهبات عن العمل في المستشفى لكن حماسة الروح وحب التضحية كانا يشعلان قلوبهن ما دفع الاخوات المرسلات الى الاستمرار بعيش رسالتهن الخيرة.

وبالتزامن مع افتتاح المستشفى دشنت مدرسة الفتيات في الخامس من تشرين الاول العام 1920.

هذا النجاح والازدهار شابه بعض الحزن مما جلبته المحن الصعية.

ففي 21 ايلول العام 1923 فارقت الاخت فيرجينا داكومو الحياة. وفي 30 من شهر ايلول العام 1924 كان موعد الميتة المقدسة للأخت آنا ماريا بيتالوغا معلمة اللغة الايطالية.

اما في الثاني عشر من شهر حزيران العام 1936 فكانت الوفاة المبكرة للرئيسة التي لا تعرف الكلل او التعب الاخت مارغريتا تارديتي.

في 31 تشرين الاول العام 1924 وصلت ثلاثة راهبات شابات لدعم ومساندة تلك الجماعة المتوهجة.

وعندما كانت دمشق تحت الحصار في 25 كانون الثاني العام 1926 وصلت بشكل مفاجىء الرئيسة العامة لبنات مريم ام المعونة الام المستشارة مارينا كوبا مع الرئيسة الاقليمية آنيتا فيرغانو لمشاركة الفتيات اوقات الحرب الصعبة.

هذا ويؤرخ الثامن من نيسان العام 1931 مجيء زيارة استثنائية للشرق الاوسط هي زيارة الام ايولاليا بوسكو كما تلقت المدرسة زيارة تفتيشية من قبل وزارة الخارجية في روما.

في العام 1932 ابلغت وزارة الخارجية الايطالية الراهبات ان بامكان الطالبات السوريات ايضا الحصول على مكافأة امضاء شهر عطلة في ايطاليا وكان كل عام دراسي يختتم بالامتحانات النهائية التي كانت تجري بحصول القنصل العام نفسه.

لكن ختام العام 1940 جاء قبل موعده بشهر. ففي العاشر من حزيران دخلت ايطاليا ضد المملكة البريطانية وفرنسا لذا بقي كل الايطاليين المقيمين في سوريا كأسرى.

في 24 حزيران اعلنت الهدنة بين فرنسا وايطاليا. وعاد الأسرى الايطاليين وأزيل الاقفال عن المستشفى الايطالي وعاد المرضى واستؤنف العمل من جديد.

افتتحت ابواب المدرسة من جديد في 16 ايلول وعادت التلميذات كثيرات وسعيدات. غير ان الامتحانات النهائية لم تجر وذلك لان انكلترا أعلنت الحرب على ايطاليا ووصل الامر باغلاق المدرسة.

كان حي باب توما القريب اكثر المناطق المتضررة بالقصف، مع كثير من الموتى والجرحى. وبهذا اضطرت العائلات التي كانت قد لجأت الى الراهبات للعودة الى منازلهم.

مع نهاية الحرب العام 1945 عادت الأخوات الى دمشق بعد ذهابهن الى القدس.

ونظرا لعدم امكانية استرجاع المستشفى بعد ان كانت القوات الفرنسية والانكليزية قد احتلته ومن ثم اصبح من ملاك وزارة الصحة السورية عملت الاخوات فيه الى جانب الاطباء السوريين.

في هذه الاثناء، وفيما كانت الاخوات تعمل لصالح وزارة الصحة السورية كان العمل جاريا مع الجمعية الوطنية الايطالية لاسترجاع المستشفى والمدرسة. وفي نهاية العام 1948 استعيد البناء من جديد.

وبعد فترة من الزمن شغلت راهبات المدرسة الاماكن الخالية التي تم اصلاحها قدر المستطاع وبقين فيها حتى العام 1951 عندما ترك الآباء الفرنسيكان ديرهم للاقامة في المستشفى استقرت الراهبات فيه.

وبموافقة الجمعية الوطنية الايطالية افتتحت المدرسة من جديد لكن ضمن مقر مدرسة الآباء الفرنسيكان القريبة والتي كانت قد أغلقت قبل الحرب.

في 29 ايار اقيم احتفال رابطة الخريجات وانتخبت رئيستها واعضاء المجلس ايضا.

اختتم هذا العام الدراسي في الثالث من تموز بمعرض لأعمال الطالبات التي تنوعت ما بين الرسم، الخياطة، والتطريز. واستمر العمل في المدرسة بنشاط متنام حيث وصل عدد التلميذات المسجلات في العام 1949 الى 443 تلميذة.

في 21 تشرين الاول العام 1950اتت من القدس الاخت مارغريتا كولاروفيتس المستشارة الاقليمية الاولى وذلك لكي تكون رئيسة للراهبات الموجودات في المدرسة.

خلال الاعوام الستة كان عدد الطالبات والمبتدئات بازدياد وما بين عامي 1950 و1955 استقبلت المستشفى ايضا مجموعة من تلميذات المدرسة الداخليات ورافقتهن الاخت ايليا سيريبا.

في العام 1952 تم ترميم الدير القديم وحول الى مسكن للراهبات وبهذا اصبحت المؤسستان اي المدرسة والمستشفى منفصلتان تماما عن بعضهما البعض.

وبعد محطات عدة، وفي السادس من كانون الثاني العام 1973 دعى وزير الصحة انذاك مدين الخيامي الرئيسة الى لقاء في مكتبه واطلعها بمودة عن رغبته بأن تكون وسيطة ومشرفة على مجيء راهبات ممرضات الى جميع المستشفيات الحكومية.

وحتى حصدت المؤسسة كل هذا النجاح تضافرت الجهود وقدمت الكثير من التضحيات والعمل المحب وبقيت رسالة الراهبات السالزيانيات مستمرة لغاية اليوم.