"تُعظّم نفسي الربّ هو نشيد الكنيسة والمؤمنين": البطريرك الراعي
بعد قراءة نص الإنجيل من بشارة القدّيس لوقا، الفصل الأوّل الذي يتلو نشيد مريم لمّا قامت بزيارة نسيبتها أليصابات، تأمّل البطريرك، مع المؤمنين في الأية "تعظّم نفسي الربّ، لأنّ القدير صنع بي العظائم" (لو 1: 46 و 49) وقال: "لمّا علمت مريم، من الملاك جبرائيل، أنّ نسيبتها أليصابات، المتقدّمة في السنّ والعاقر، حبلى بولد وهي في شهرها السادس، للحال قامت مسرعةً ومضت إلى عين كارم، إلى بيت أليصابات، لتخدمها مدّة ثلاثة أشهر حتّى مولد يوحنّا المعمدان. هناك هتفت مريم بنشيدها.
هو نشيد التعظيم لله والابتهاج به وبخلاصه، ونشيد الإقرار بقدرته على العظائم التي أجراها لمريم وفيها. إنّه نشيد الكنيسة والمؤمنين!"
أكمل البطريرك قال: "تحتفل الكنيسة اليوم بأبرز عيد للسيّدة العذراء، عيد انتقالها بنفسها وجسدها إلى السماء. هو عيد نياحها أو رقادها. تصوّرها الرسوم ممدّدةً على مرتبة الموت، محاطة بالرسل القدّيسين. هو أيضًا عيد تتويجها سلطانةَ السماء والأرض، فتصوّرها الرسوم جالسة على عرش السماء، يكلّلها الآب والابن المخلّص بإكليل الملوك، ويظلّلها الروح القدس بشبه حمامة. وتصوّرها الرسوم الليتورجيّة محمولة من جمهورٍ من الملائكة على الغمام في اندهاش الرسل وتضرّعاتهم، وبنظرتهم الخاشعة والمنذهلة إلى أكفانها وقبرها الفارغ.
إنّ انتقال مريم بنفسها وجسدها إلى السماء عقيدة إيمانيّة أعلنها المكرّم البابا بيوّس الثاني عشر في أوّل تشرين الثاني/نوفمبر 1950. لكنّها عقيدة موغرةٌ في القِدم، حفظها التقليد الرسوليّ الحيّ منذ عهد الرسل.
فما هي العظائم التي أجراها الله في مريم ولها، وهي في أساس عيد انتقالها بالنفس والجسد. نختصرها بأربع.
أ- عصمتها من دنس الخطيئة الأصليّة في الحبل بها، في بطن أمّها القدّيسة حنّه زوجة القدّيس يواكيم كسائر البشر، ما جعلها هيكلَ الله المنقاة من كلّ خطيئة أصليّة وشخصيّة، والمتّحدة به اتّحادًا كاملًا.
ب- بتوليّتها الدائمة: أصبحت أمًّا بقوّة الروح القدس، من دون زرع بشريّ، فعلّمت الكنيسة أنّها عذراء قبل الميلاد وفيه وبعده، كما تنبّأ الأنبياء بالشكل المباشر على لسان أشعيا: "ها إنّ العذراء تحبل وتلد ابنًا اسمه عمّانوئيل"، وبالرموز بصور مثل: العليّقة المتّقدة ولم تحترق (خروج 3: 3) وسواها.
ج- أمومتها لابن الله المتجسّد: هذه الأمومة جعلتها "ابنة الآب، وأمّ الابن، وعروسة الروح القدس". فيجدر أن يشركها الإله بقيامة النفس والجسد من دون الخضوع لفساد القبر.
د- مشاركتها في آلام الفداء: تُدعى شريكة الفداء السخيّة، هي التي بإيمانها الصامد وصلت مع ابنها الفادي الإلهيّ حتّى الصليب، متألّمة معه بصبر وصمت، لكي يتحقّق تدبير الله الخلاصيّ. فكانت أمة الربّ في البشارة وفي موت ابنها على الصليب، واحتضنته بين يديها جثّة هامدة، وقدّمته وكأنّها "كاهن" من دون كهنوت، القربانَ المرضيَّ الأمثل للآب. وراح كهنة الكنيسة يقدّمون من بعدها ذبيحة الفادي إيّاها أسراريًّا، بشكل غير دمويّ تحت شكلَي الخبز والخمر. إنّها الشريكة في التجسّد، والشريكة في الفداء. في الأولى أصبحت أمّ المسيح التاريخيّ؛ وفي الثانية أمّ المسيح السرّي الذي هو الكنيسة.
أضاف البطريرك من أجل هذه الاستحقاقات كلّها، وتتويجًا رفيعًا لإنعاماتها، حفظها الله من فساد القبر. وعلى مثال ابنها الذي انتصر على الموت، شاء الله أن ينقلها بنفسها وجسدها إلى مجد السماء الأسمى، حيث تتلألأ ملكة عن يمين ابنها الملك الذي لا يموت إلى دهر الدهور (براءة إعلان عقيدة الحبل بلا دنس: الدستور الرسوليّ "الله العجيب جدًّا- Munificentissimus Deus للبابا المكرّم بيوس الثاني عشر).
أردف البطريرك: "مريم مكرّمة في المسيحيّة والإسلام. إنّ الأمور التي تجمع بين المسيحيّة والإسلام عديدة، فتجب العودة إليها وتثميرها في حياتنا الوطنيّة، وهي الأساس لنظام التعدّديّة في عظلبنان، تعدّديّة في الوحدة، وهذه ميزة أساسيّة من ميزاته..."
ختم البطريرك كلمته بطلب الصلاة إلى الله، "لكي بشفاعة أمّنا مريم العذراء، سلطانة الانتقال، يجعلنا شبيهين بفضائلها، ويُحلَّ سلامه العادل والشامل والدائم في الجنوب اللبنانيّ، وفي غزّة، ويُلهم معرقلي انتخاب رئيس للجمهوريّة القيام بهذا الواجب الوطنيّ المشرّف. فنرفع لله المجد والشكر الآن وإلى الأبد، آمين".