العراق
22 تشرين الثاني 2024, 08:40

"بعض طروحات شخصيّة، أعرضها بصدق ودالّة أخويّة": البطريرك ساكو

تيلي لوميار/ نورسات
كتب البطريرك الكاردينال مار روفائيل لويس ساكو بطريرك بابل على الكلدان في مناسبة اختتام زمن تقديس الكنيسة، موضوعًا لأبناء رعيّته عن وحدة الكنيسة بعنوان "الوحدة ليست العودة الى ما كُنَّا، بل إلى ما يجب أن نكون!"، نقلًا عن موقع البطريركيّة الكلدانيّة.

 

كتب البطريرك ساكو: "هذه بعض طروحات شخصيّة، أعرضها بصدق ودالّة أخويّة، وقد سبق لي أن طرحتُ موضوع الوحدة مرّات عدّة.

كنيسة المشرق كانت واحدة، مقدّسة، جامعة، رسوليّة (مار توما)، على مدى ألف وخمسمئة عام، وإلى أيّامنا، وعلى الرغم من الانقسامات، ما تزال تردّد في قانون إيمانها هذه العبارة، لأنّها واحدة في الجوهر. كنيسة المشرق الآشوريّة اليوم تُسمّي نفسها كنيسة المشرق المقدّسة، الرسوليّة، الكاثوليكيّة.  

الانقسام لا يتوافق مع إرادة المسيح

الكلمات عاجزة عن وصف مدى الخسارة التي حدثت بانقسام كنيسة المشرق ܥܕܬܐ ܕܡܕܢܚܐ الى أربع كنائس: الكنيسة الكلدانيّة الكاثوليكيّة، وكنيسة المشرق الآشوريّة، والكنيسة الشرقيّة القديمة، والكنيسة الإنجيليّة البروتستانتيّة الآشوريّة. وقد تولد في المستقبل كنائس أخرى.

في أعقاب انضمام قسم من هذه الكنيسة إلى الشركة التامَّة مع الكرسي الرسوليّ، قبل خمسة قرون، تشظّى القسم المتبقّي إلى ثلاث كنائس:  كنيسة المشرق الآشوريّة، الكنيسة الشرقيّة القديمة، الكنيسة البروتستانتيّة الإنجيليّة الآشوريّة.  وعلى الرغم من هذا الانقسام، تشترك الكنائس الثلاث الأولى (الكلدانيّة والآشوريّة والشرقيّة القديمة) بالتاريخ والتقليد وغنى التراث وجمال الفنّ واللغة والليتورجيا عينها. وتعيش اليوم على رمية حجر من بعضها البعض.

كنيسة المشرق المجيدة التي كانت واحدة قبل 1553.  

خرج يوحنّا سولاقا عن سلطة بطريرك القوش "أبونا" لأسباب غير عقائديّة، وبدأت شيئًا فشيئًاعمليّة الانفصال بإنشاء تسلسل هرميّ، وكنيسة جديدة باسم الكنيسة الكلدانيّة الكاثوليكيّة المتّحدة بروما.  

هذه بدأت بالازدهار بتحوّل قسم كبير من كنيسة المشرق إليها بدعم من المبشّرين الغربيّين اللاتين. وأخذت كنيسة المشرق التي يذكر لها عبديشوع الصوباوي(†1318)  في مجموعته القانونيّة 220  أبرشيّة في أيّامه، تفقد شيئًا فشيئًا مجدها، ومع ذلك حافظت على طابعها العقائديّ والرسوليّ على الرغم من الصعاب ومحدوديّة الإمكانات.

الوحدة ليست العودة إلى ما كنّا، بل إلى ما يجب أن نكون.

لا ينبغي التعوّد على التراكم وتحاشي معالجته من أجل هدف الوحدة السامي والمصيريّ.

للشفاء من الانقسام والجروحات وتمهيد الطريق نحو الشركة الكاملة أقلّه بين الكنائس الثلاث، ثمّة حاجة إلى رؤية جديدة وهويّة جديدة " كنيسة المشرق– ܥܕܬܐ ܕܡܕܢܚܐ". هذه بعض محاور للدراسة:

1. ثمّة حاجة مُلِحّة إلى إدراكٍ شامل وعمليّ للوحدة المنشودة، وتوجيه للطاقات كلّها بصدق، لتحقيق إرادة المسيح في أن نكون كنيسة واحدة. وهنا يطرح التساؤل نفسه: أما كان الإعلان المشترك قبل ثلاثين عامًا، في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1994، بين الكنيسة الكاثوليكيّة الرومانيّة وكنيسة المشرق الآشوريّة يهدف في المقام الأوّل إلى خلق "جوّ هادئ" من أجل تعزيز الحوار نحو شركة أكبر واتّفاق كامل حول محتوى الإيمان؟

2. ضرورة التمييز بين الإيمان الثابت والأخلاق، وبين المتحرّك النسبيّ وما يترشّح عن ذلك من النظم والإدارة، والتعامل مع الثقافة الحاليّة والتزام الكنيسة بتوضيح تعليمها.

3. ضرورة معرفة صحيحة وشاملة لأسباب الانقسامات التاريخيّة، بكلّ حدَّتها، واستيعاب الدرس، ومعالجتها بانفتاح. فهل يا تُرى نَعي الأفعال ونستوعب الدرس؟ لكي نتجنَّب الأحكام المُسبقة والأسلوب الجدليّ العقيم.

4. إمكانية وضع أماكن العبادة تحت تصرّف الكنيسة الشقيقة تجاه الأخرى والمشاركة الفعليّة في الأسرار التي اعترفت بها الكنيسة الكاثوليكيّة. لا توجد عقبة عقائديّة أمام الوحدة، إنّما العقبة هي التراكم التاريخيذ والرئاسة والعصبيّة القوميّة!

5. وَعي أنْ، إلى زمن غير بعيد، لم تكن كنيسة المشرق محصورة بشعب واحد وقوميّة واحدة. كان فيها الكلدانيّ والآشوريّ والعربيّ والفارسيّ والهنديّ والصينيّ والأفغانيّ (أبرشيّة هرارات). لذا، فالتسمية القوميّة ظاهرةٌ حديثةُ العهد نسبيًّا، ويتوجّب على الكنيسة ترك قضيّة القوميّة والأمّة للناشطين القوميّين العلمانيّين.

6. تراجع عددِنا في الوطن الأمّ يُحتّم علينا المواجهة المشتركَة بغِيرة إنجيليّة للامبالاة الدينيّة والإلحاد وعدم الممارسة الإيمانيّة، وشكوك الانقسامات الكنسيّة!

وبعدُ، إنّ تاريخنا المشترك كان مجيدًا في وحدة الإيمان الحقيقيّ (على الرغم من اختلاف التعبير)، وحَمَلَ رسالة المسيح إلى أقصى العالم إكليروسًا وعلمانيّين. كنّا آنذاك كنيسة سينوداليّة في "السير معًا من أجل الرسالة" وليس كما نحن عليه اليوم.

لا خلاص لنا أمام التحدّيات كلّها التي نواجه إلّا بالوحدة  والتآزر والتضامن والعمل معًا فنحن جميعًا، في سفينة واحدة تواجه مختلف الأمواج".