دينيّة
22 شباط 2015, 22:00

" بداية جديدة ... نعم نستطيع"

كتب السيد ريمون ناضر، رئيس حركة لبنان الرسالة، في النشرة الإكترونية الشهرية عن شهر شباط كلمة بعنوان " بداية جديدة ... نعم نستطيع" جاء فيها:

قبل أن أكمل الكلام في سياق الموضوع الذي بدأته منذ مدّة في النظر والتأمل بواقعنا الحالي كمسيحيّين وموارنة، أودّ أن أفتح هلالين وأتوقّف عند نقطتين لفتتاني في تعليقات بعض الإخوة الأحباء على المقالات السابقة:
النقطة الأولى لماذا تكلّمت عن الموارنة دون باقي المسيحيّين في المقالة السابقة؟ والنقطة الثانية لماذا تكلّمت عن المسيحيّين دون باقي اللبنانيّين في المقالة التي سبقتها؟

أيها الإخوة الأحباء، كما يقول القديس بولس الرسول: "نحن على كثرتنا، كلّنا أعضاء في جسد واحد." فكنيسة المسيح تتألّف من طوائف متعدّدة لها طقوسها وروحانياتها المختلفة وكلّها جميلة وغنية وتمجّد الله. وكذلك لبنان يتألّف من ديانات وطوائف متعدّدة لها تاريخها وثقافتها وحضارتها وتراثها وتقاليدها وهي جميعها تشكّل وطنًا واحدًا فريدًا جميلًا مميزًا. فأين المشكلة إذا تكلّمت عن طائفة معينة بشكل خاص أنتمي إليها؟
فالطوائف والأديان والجماعات هي كالزهور في الحقل: لكلّ زهرة لونها ورائحتها وجمالها وخصوصيتها وميزاتها وكلّها تزيّن الحقل وتمجّد الله فليست كلّ الزهور وردًا ولا كلّها زنبقًا ولا كلّها بنفسجًا أو أقحوانًا... فعندما أتكلّم عن الوردة لا أقلل من قيمة باقي الزهور وعندما أتكلّم عن عضو في الجسد لا أقلّل من أهمية باقي الأعضاء. عندما يؤلمني رأسي لا أقول للطبيب إنّ جسدي كله يؤلمني خوفًا من أن يزعل قلبي أو رئتاي أو معدتي... فلكلّ عضو قيمته ودوره وميزته.
فأنا مسيحيّ مارونيّ لبنانيّ أعيش مسيحيتـيّ ومارونيتـيّ ولبنانيتـيّ حتى الصميم بكلّ إخلاصٍ وصدقٍ وتفانٍ، وأنت مسلم سنّـيّ لبنانـيّ أحترمك وأحبّك كما أنت، وأنت مسلم شيعـيّ لبنانـيّ أحبّك أيضًا وأحترمك كما أنت، وأنت درزيّ لبنانـيّ، وأنت أرثوذوكسيّ لبنانيّ، وأنت ملحد لبنانيّ... وأنت مهما كنت فأنا أحترمك وأحبّك كما أنت وأعترف بخصوصيتك كما هي... وهذا هو جمال لبنان، لبنان الرسالة، المتنوّع الذي يعكس وجه الله. فهل يجب أن أقيم يومًا ذبيحة الهيّة مارونيّة ويومًا آخر قداسًا بيزنطيًّا وفي يوم آخر ذبيحة لاتينيّة لأكون مسيحيًّا لا طائفيًّا؟ وهل يجب أن أصلّي يومًا في كنيسة ويومًا آخر في جامع ويومًا آخر في حسينيّة وآخر في خلوة لأكون لبنانيًّا لا طائفيًّا؟
فأنا أنا كما أنا وأنت أنت كما أنت وقد حكم الله علينا جميعًا بالمحبّة وأعشق حكم الله هذا علينا وأرغب أن أعيشه كاملًا وأشهد له لأستحق أن أقف أمامه دون خجل.
فلنواجه واقعنا كما هو ونحبّه كما هو لنستطيع أن نعيش فيه بسلام فكلّنا أبناء الله ونعيش في وطن واحد.

أعود الآن الى سياق الحديث الأوّل: نهاية الموارنة أم بداية جديدة؟

شعب الرجاء لا يعرف الموت فنحن أبناء القيامة، وشعب الرسالة لا يعرف الإحباط واليأس فنحن نور وملح وخمير، وشعب التاريخ لا يعرف النهاية بل ينطلق من بداية الى بداية جديدة فلا نهايات عندنا إلا لعصور الظلام ولأيام الجهل والشرّ والخطيئة. فلو سقطنا في مرحلة من تاريخنا فنهوضنا مُـمْسَكَيْن بيد الله ينتشلنا من الهاوية أمرٌ حتميّ. ولو متنا لمرحلة من الزمن فقيامتنا أكيدة بقوّة الربّ القائم من الموت ومعطي الحياة. ولكن من أين نبدأ؟ كيف ننهض؟ كيف نوقف هذا المسار الإنحداريّ الإضمحلاليّ الإنحلاليّ الذي يجرّنا الى القعر؟ كيف نخرج من قبرنا هذا؟ كيف نعود الى التاريخ ونبقى في الجغرافيا؟ وهل نستطيع؟...

نعم نستطيع... ومن هنا نبدأ:
ألا نستطيع التعاطي مع بعضنا البعض بصدق وشفافية من دون كذب ورياء؟
ألا نستطيع التعامل مع بعضنا البعض بمحبة وتفهّم بلا أحقاد وضغائن؟
ألا نستطيع العمل باستقامة وأمانة بدل المراوغة والخداع؟
ألا نستطيع العودة الى زمن الوفاء والثقة بدل الخيانة والطعن في الظهر؟
ألا نستطيع العودة الى زمن الكرامة وعزّة النفس بدل القبول بالذلّ والخنوع؟
ألا نستطيع العودة الى أصالتنا وجذورنا وعمقنا التاريخيّ والترفّع عن السطحيّة والسخافة؟
ألا نستطيع الإمساك بزمام أمورنا بأنفسنا بدل الإستسلام واللامبالاة؟
ألا نستطيع أن نصنع تاريخنا بأيدينا بدل أن يصنعه لنا غيرنا ونحن نكتفي بقراءته ونحن صاغرون؟
ألا نستطيع أن نعود الى الله ونقف بوجه الشرّ؟
ألا نستطيع التحلّي بالفضائل الإلهيّة والإنسانيّة ونبذ الخطايا والشرور؟
ألا نستطيع أن نقوم بثورة القيم والأخلاق ونواجه التفلّت والعهر والإنهيار؟
ألا نستطيع أن نقوم بانتفاضة الخير والسلام ضدّ الشرّ والعنف؟
ألا نستطيع أن نكون رسلًا لقضية كبيرة بدل أن نكون عبيدًا لمشاريع صغيرة؟

نعم نستطيع ومن هنا نبدأ.

فأنت يا أخي، الذي تقرأ هذه الكلمات، إذا كنت تشعر أنّك تستطيع، قف الآن على رجليك وقم بالخطوة الأولى وتوجّه إلينا لنشبك أيدينا وسواعدنا وقلوبنا ونمشي معًا. وإذا كنت تعتقد أنّك لا تستطيع قم بمبادرة صغيرة وتخطّى حواجز الضعف والإستسلام وتعال وانظر فستكتشف أنّنا سويًّا ومعًا نستطيع...

وأنتِ يا أختي التي تقرئين هذه الكلمات، أنتِ أيضًا تستطيعين، فدورك أساسيّ وجوهريّ ومكانك واسع في مسيرة التاريخ فانفضي عنك غبار التقوقع واللامبالاة والأدوار الثانويّة وصورة الضعف التي ألبستك إياها المجتمعات المتخلّفة واكتبي معنا تاريخًا مجيدًا ومستقبلًا مشرقًا.

نقول مع بولس الرسول: "نستطيع كل شيء بالمسيح الذي يقوّينا"، ومع السيندوس من أجل لبنان المسيح رجاؤنا بروحه نتجدّد ومعًا للمحبّة نشهد. نحن انطلقنا، وبه ومعه نستطيع كلّ شيء.