لبنان
17 حزيران 2024, 10:30

"اليوم نعود إلى أماكن عملنا، حاملين النوايا لنشهد للمسيح، ونعلّم شعبنا سرّه": البطريرك الراعي

تيلي لوميار/ نورسات
إختتم المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك المارونيّ، الكردينال مار بشارة بطرس الراعي سينودس الكنيسة المارونيّة الذي انعقد على مرحلتين، من الخامس من حزيران/يونيو 2024، إلى الثامن منه، وكانت بمثابة خلوة روحيّة بعنوان "بالصلاة نواجه الأزمات"، والمرحلة الثانية من العاشر من جزيران/يونيو حتّى الخامس عشر منه، تدارس فيه المجتمعون شؤونًا كنسيّةً وراعويّة، متوقّفين بنوع خاصّ على الشأنين الاجتماعيّ والوطنيّ، واتّخذوا فيها التدابير الكنسيّة المناسبة.

كانت للبطريرك الراعي كلمة في اختتام السينودس انطلق فيها من صلاة يسوع "أشكرك يا أبتِ ربّ السماء والأرض، لأنّك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء، وأعلنتها للأطفال" (متّى 11: 25)، قال فيها: "أمامنا ثلاث نقاط بارزة:

1- شكر على كشف هذه الأمور للأطفال، وإخفائها عن الحكماء والفهماء

2- العلاقة الفريدة بين يسوع وبين الآب

3-  الدعوة للمجيء إليه واتّباعه لنجد الراحة  

أوّلًا يشكر يسوع أباه، على إخفاء هذه الأمور عن الحكماء والفهماء، أي حقيقته وقيم ملكوته، وكشفها للأطفال والبسطاء. الحكماء والفهاء هم الممتلئمون من ذواتهم، المستغنون عن الله وعن مسيحه وسرّ كنيسته. وما أكثرهم في مجتمعنا المثقّف والراقي! مثقّف في كلّ شيء ما عدا في الله.

وها نحن نعود اليوم إلى أبرشيّاتنا ومكان عملنا، وقد تزوّدنا من الرياضة الروحيّة ومن السينودس المقدّس، حاملين الكثير من النوايا الحسنة لنشهد للمسيح القائم من الموت، ونعلّم شعبنا سرّ المسيح والكنيسة، ونخرجه من جهله".

تابع البطريرك الراعي مع النقطة الثانية: "يشرح لنا المسيح علاقة الشركة بينه وبين الآب والمعرفة الكاملة بينهما. ويبيّن لنا أنّنا في الابن نعرف سرّ الآب كلّه. "من رآني يرى الآب"، كما قال ربّنا يومًا لتلميذه فيليبّس. ولولا الابن لما كان لنا أيّ مدخل لنعرف الآب. فالابن هو شعاع الآب، وبهاء مجده، وصورة جوهره".

ثمّ انتقل البطريرك إلى النقطة الثالثة: "يدعونا إليه نحن الثقيلي الأحمال، لنتعلّم منه الوداعة وتواضع القلب، فنجد راحة لنفوسنا. الوداعة هي التطويبة الثالثة من إنجيل التطويبات: "طوبى للودعاء فإنّهم يرثون الأرض" (متى 5: 5). والتواضع أو المساكين بالروح هو التطويبة الأولى: "طوبى للمساكين بالروح أو الودعاء فإنّ لهم ملكوت السماوات" (متى 5: 3). المتواضع هو كالشجرة الكثيرة الثمار، فإنّها تنحني، ولا تتحرّك مع كلّ ريح. بينما المتكبّر كالشجرة العديمة الأثمار تتشامخ أغصانها، وتتحرّك مع كلّ ريح".

أضاف البطريرك: "إنّا كلبنانيّين نتطلّع إلى وحدتنا الوطنيّة التي تجمعنا في كنف وطن واحد نعتزّ به. فالمؤمنون بلبنان، وهم من الطوائف والمناطق كلّها ظنّوا أنّهم أنجزوا مهمّتهم مع إنشاء الدولة وانتزاع الاستقرار وإقرار "إتّفاق الطائف" وتوقّعوا أن تكون المحن والحروب التي مرّت على اللبنانيّين كافية ليستخلصوا العبر ويقتنعوا بكيان لبنان وخصوصيّته وحياده وهوّيته. لكنّ "الملحدين بلبنان" المؤمنين بمشاريع دينيّة وقوميّة وانفصاليّة، وهم من الطوائف والمناطق جميعها، أيضًا، شرعوا بتدميره، منذ لحظة تأسيسه، ولم تنفع لديهم التنازلات والتسويات السياسيّة والتعديلات الدستوريّة كلُّها.

وإنّ عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة هو في هذا التقاطع بين هذين الفريقين. فإذا سلمت النوايا اتّفقا على رئيس جامع بينهما، لأنْ لا يمكن ترك لبنان من دون رئيس. فالبلاد لا تتحمّل أي تأخير لا سياسيًّا ولا اقتصاديًّا، لا أمنيًّا ولا دستوريًّا ولا حياةً لمجلس النوّاب والحكومة ومجمل مؤسّسات الدولة".

تابع البطريرك المارونيّ: "المطلوب من هذا الرئيس: العمل على أن يتزامن الولاء للبنان مع كونه "وطنًا نهائيًّا لجميع أبنائه"، كما ينصّ الدستور (المقدمّة أ). والعمل على حلّ التباين بين المكوّنات اللبنانيّة حول التاريخ المشترك، لأنْ يتعذّر الاتّفاق على كتاب تاريخ، ولا توجد أمّة من دون كتاب تاريخ. والعمل على مداواة انفصام الشعور بالانتماء إلى وجدان وطنيّ واحد وقضيّة واحدة ومستقبل واحد. والعمل على وضع حدّ لتفشّي الولاءات الخارجيّة المناقضة مصلحة لبنان والمتناقضة في ما بينها. والعمل على مداواة انهيار الدولة اللبنانيّة الجامعة التي هي الإطار الدستوريّ والقانونيّ والمؤسّساتيّ للأمّة والوطن والكيان".

ختم البطريرك قال: "نلتمس، أيّها الإخوة الأجلّاء، من أمّنا مريم العذراء، أن تستمدّ لنا من الله كيفيّة تمييز علاماته في حياتنا. فنرفع له المجد والتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين".