"المنتصر على الشعب" انتصر على ذاته بالمسيح
كان جواب المسيح معقدًا بالنسبة إليه إذ قال له "الحقّ الحقّ أقول لك: ما من أحد يُمكنه أن يرى ملكوت الله إلّا إذا وُلد من علُ" (يو 3: 3)، مضيفًا أنّه "ما من أحد يمكنه أن يدخل ملكوت الله إلّا إذا وُلد من الماء والرّوح.." (يو 3: 5). استفسر نيقوديموس سائلًا: "كيف يكون هذا؟" فبسّط له يسوع الموضوع مشبّهًا الروح بالريح التي لا نراها، ولكنّنا نسمع صوتها ونشعر بها من دون أن نعرف مكانها ومصدرها. كان شرح يسوع مسهبًا متحدّثًا بالمثنّى باسم الآب والابن، ومتوجهًا إليه بالجّمع، حاثًّا إيّاه على تجاوز الأرضيّات والانفتاح على سرّ بنوّة يسوع الإلهيّة، مستعينًا بالعهد القديم ليوصله إلى العهد الجديد، عهد التضحية والمحبّة.. عهد الخلاص.
تحلّى نيقوديموس بالمعرفة والبصيرة والتواضع، وكان حواره مع يسوع من أهمّ الحوارات التي ذُكرت: شرحٌ مسهبٌ وعميق وكشف حقائق.. هو حوار استثنائيّ مع شخص صادق ومتعطّش للغوص أكثر بالمعرفة والحقيقة.
نستطيع القول أنّ نيقوديموس تعمّد بـ "معمودية الشوق" ومُنح الخلاص لأنّه فهم وجود الله وحضوره في تعاليمه وفي الآيات التي يصنعها فأدرك الطّريق الصّحيح وذهب إلى العمق.
هذا اللقاء الشّخصيّ أثمر ولادة جديدة وتحوُّلًا، فانتصر نيقوديموس على ذاته هذه المرّة وأخذ مواقف جريئة فوقف بوجه الظلم ودافع عن المسيح أمام اليهود وشدّد على روح الشريعة حين سأل "أتحكم شريعتنا على أحد قبل أن يُستمع إليه ويُعرف ما فعل؟" (يو 7: 51). هو نفسه نيقوديموس الّذي جاء ويوسف الرّامي يوم صلب السّيّد المسيح "وكان معه خليط من المرّ والعود مقداره نحو مائة درهم. فحملوا جثمان يسوع ولفّوه بلفائف مع الطّيب،.." (يو 19: 39 - 42).
صحيح أن نيقوديموس لم يترك كل شيء ولم يتبع المسيح علنًا، لكن من المؤكد أنّه تبعه بقلبه وعمل للحقّ بأسلوبه الخاصّ، والمسيح تفهّمه وترك له حريّة ممارسة إيمانه فهو الّذي قال لليهود "إن ثبتّم في كلامي كنتم تلاميذي حقًّا تعرفون الحقّ والحقّ يحرّركم" (يو 8: 31 -32).