لبنان
22 تموز 2024, 06:30

"القدّيس شربل بحياته صار علامة لملكوت الله بين البشر": البطريرك الراعي

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل البطريرك المارونيّ، الكردينال مار بشارة بطرس الراعي يوم الأحد، الحادي والعشرون من تمّوز/يوليو 2024، وفيه عيد القدّيس شربل، بالقدّاس الإلهيّ في كنيسة القدّيس شربل – عنّايا.

 

قُرئ الإنجيل، في عيد مار شربل، من متّى الفصل 13. كانت للبطريرك الراعي كلمة تعليميّة بعد القراءة ركّز فيها على الآية "الذي يزرع الزرع الجيّد هو ابن الإنسان" (متّى 13: 37) .

قال البطريرك عن هذه الآية: "زرع المسيح، ابنُ الإنسان، شربل مخلوف. ذاق شربل مرارة اليُتم بوفاة والده، وهو بعمر ثلاث سنوات مع شقيقين وشقيقتين. منذ نعومة أظفاره، كان شربل يسمو في القداسة: يصلّي، يعترف بخطاياه، يتناول بتقوى، يركع في الكنيسة نصبًا، يتواصل مع الربّ. وكان يلقبّه أهالي بقاعكفرا بالقدّيس".

أضاف البطريرك "ثمّ زرعه المسيح الربّ زرعًا جيّدًا في أرض الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة التي دخلها سنة 1851 بعمر ثلاث وعشرين سنة، وكان فيها خالاه.  

في الرهبانيّة سلك طريق القداسة، ولا سيّما في دير مار قبريانوس ويوستينا في كفيفان حيث درس الفلسفة واللاهوت على يد راهب قدّيس هو الأب نعمة الله الحردينيّ، واتّخذ منه حكمتين: الأولى، الشاطر يخلّص نفسه، والثانية، أن تكون كاهنًا على مثال المسيح تهيّأ لأن تكون كاهنًا وذبيحة. وهنا أيضًا  وصفه معلّمه القدّيس بالـ"أخ القدّيس".  

سيم كاهنًا في كنيسة بكركي في 23 تمّوز 1859، ورجع للتوّ إلى دير مار مارون عنّايا حيث أكمل مسيرة تقديسه".

أردف البطريرك عاش القدّيس شربل مائتًا عن نفسه كلّ يوم بالسهر، والصلاة راكعًا أمام القربان في الليل، محتفظًا فقط بثلاث ساعات للنوم، متناولًا طعامًا زهيدًا، جاهدًا نفسه في عمل الحقل، مقدّمًا خدمات للمسنّين وللجماعة الرهبانيّة. هكذا عاش في دير مار مارون عنّايا بعد رسامته مدّة 16 سنة، وفي محبسة القدّيسين بطرس وبولس 23 سنة، حتّى وفاته في 24 كانون الأوّل 1898 بعمر 70 سنة.

طيلة هذه السنوات تشبّه الأب شربل في العمق بيسوع المسيح، بكامل محبّته له كراهب وكاهن، وحافظ على جمال الحالة المسيحيّة والكيان الرهبانيّ والكهنوتيّ، فكان أنّه "يتلألأ إلى الأبد كالشمس في ملكوت السماء"، وينير على الأرض بنعم السماء".

أضاف البطريرك: "لقد أصبح القدّاس الإلهيّ محور حياته وأعماله. فكان عمل اليدين لديه والتأمّل الدائم والممارسات النسكيّة والتقشّفيّة وحياته بمجملها، قدّاسًا مستمرًّا ومتجدّدًا، يحوّل كلّ شيء فيه ذبيحة وقربانًا، على مثال الربّ يسوع سيّده ومعلّمه. أضاف هذا الكهنوت المعاش على نهجه النسكيّ معنى لاهوتيًّا وخلاصيًّا. فسهره الدائم في المحبسة على مدى 23 سنة، كان مثل المسيح في بستان الزيتون، في محاورة مع ربّه، يسأله الغفران، ويجود بنفسه متطّوعًا للفداء. وهكذا ظلّ شربل الكاهن حتّى وافاه الأجل وهو يحتفل في ذبيحة القدّاس متماهيًا مع المسيح الذبيح، وحاملًا القربان بيديه: ويصلّي: "يا أبا الحقّ، هوذا ابنك ذبيحة ترضيك".  

أجل لقد بلغت حياة شربل الرهبانيّة والنسكيّة كمالها وذروتها بالكهنوت. فلم يكن كهنوته مجرّد رتبة أو وظيفة طقوسيّة، بل أضحى فيه كمال المحبّة لله والاتّحاد بالمسيح الكاهن والفادي. بكهنوته لبس المسيح، وأصبح بسيرة حياته الكهنوتيّة والرهبانيّة والنسكيّة، سراجًا على منارة، وعلامة للملكوت بين أبناء البشر. هو الذي صلّى عليه الأسقف يوسف المريض يوم رسامته في بكركي في 23 تمّوز 1859، "ليكون لكلّ واحد مصباح نور الابن الوحيد". نحن نصلّي لكي يتذكّر كلّ كاهن هذه الصلاة التي تلاها عليه أيضًا الأسقف ساعة رسامته".

طرح البطريرك سؤالًا عن ماذا يقول لنا القدّيس شربل اليوم؟  

"يقول لنا أوّلًا، إنّ لبنان وطنه لن يزول، إذا عدنا إلى نهجه، نهج الصلاة والتقشّف والتوبة، وبخاصّة إلى قدّاسنا اليوميّ، ولا سيّما أيّام الآحاد والأعياد. فكثيرون هجروا الكنائس أيّام الآحاد خلافًا لوصيّة الله الثالثة من الوصايا العشر. لكنّنا نشهد عودة لدى الشبيبة بنوع خاص.

ويقول لنا ثانيًا، إنّه يتشفّع من أجل لبنان وطنه، وأنّ علينا نحن أيضًا أن نصلّي من أجل لبنان وخلاصه من حرب جنوبه، وإحلال سلام عادل وشامل فيه وفي غزّة.

ويقول لنا ثالثًا، إنّ لبنان لا يمكن أن يستمرّ من دون رئيس للجمهوريّة، بل يجب على كلّ معنيّ الخروج من حساباته الخاصّة ومن رأيه وموقفه المتحجّر، والالتفاف معًا حول انتخاب الرئيس، رحمة بالوطن وشعبه ومؤسّساته الدستوريّة.

ويقول لنا رابعًا، إنّ أعمالنا الرسوليّة تقتضي منّا أعمال توبة وفضيلة وصلاة".

ختم البطريرك الراعي كلمته بصلاةٍ قصيرة: "لنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لكي يغيّر القدّيس شربل عتيق مواقفنا وإراداتنا، فنلتقي حول خير لبنان الذي منه خير كلّ مواطن وجميع المواطنين. لإلهنا المجد والقدرة والتسبيح، الآب والابن والروح القدس الآن وإلى الأبد، آمين".