الفاتيكان
09 تموز 2024, 06:00

"الديمقراطيّة هي أن نحلّ معًا مشاكل الجميع": البابا فرنسيس

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة اختتام فعاليّات "الأسابيع الاجتماعيّة الإيطاليّة"، أصدرت صحيفة "إيل بيكّولو" نصًّا للبابا، هو عبارة عن مقدّمة لكتيّب يضمّ مجموعة من الخطابات والرسائل البابويّة بعنوان "في صلب الديمقراطيّة"، من إصدار مكتبة النشر الفاتيكانيّة والصحيفة الإيطاليّة المذكورة، كما يتضمّن الكتيّب مقدّمة بقلم رئيس مجلس أساقفة إيطاليا الكردينال ماتيو زوبي، بحسب "فاتيكان نيوز".

 

 

كتب البابا أنّه يسرّ جدًّا بتقديمه الكتيّب الذي سيوضع بتصرّف القرّاء. وفيه ذكّر بأنّ عبارة "ديمقراطيّة" أبصرت النور في اليونان القديمة لتدلّ على السلطة التي يمارسها الشعب من خلال ممثّليه. ومع أنّ هذا النظام عرف انتشارًا كبيرًا في العالم إلّا أنّه لا يزال يعاني من مرض خطير، ألا وهو "التشكّك الديمقراطيّ". وتوقّف عند صعوبة التعامل مع المشاكل المعقّدة في زماننا الراهن، من بينها غياب فرص العمل، والنفوذ المفرط للنموذج التكنوقراطيّ، حتّى يبدو أحيانًا أنّ الديمقراطيّة تتراجع لحساب الشعبويّة. لكن ما لا شكّ فيه، أنّ النظام الديمقراطيّ أسّس لقيمة كبيرة، هي أن نكون معًا، أي أن الحكم يتمّ في إطار جماعة تتحاور وتتناقش بحرّيّة وبعلمانيّة، وضمن السعي إلى ممارسة فنّ الخير العام، وهذا هو معنى السياسة.

أضاف البابا يقول إنّ كلمة "معًا" هي أيضًا مرادف لكلمة "مشاركة"، مشيرًا إلى أنّ المشاكل المطروحة اليوم أمامنا هي مشاكل الجميع، وتعني الجميع. والسبيل الديمقراطيّ هو أن نناقش هذه المشاكل معًا وندرك أنْ يمكننا أن نحلّها فقط إذا ما كنّا معًا، لأنْ لا أحد يستطيع أن ينجو بمفرده ضمن أي جماعة، بما في ذلك الجماعة البشريّة. وقد أدرك هذه الحقيقة جيّدًا جوزيبيه تونيولو، مؤسّس الأسابيع الاجتماعيّة للكاثوليك الإيطاليّين، فكان خبيرًا اقتصاديًّا وفهم جيّدًا محدوديّة النظرة الأنتروبولوجيّة التي ترى في الإنسان منفعته المادّيّة وحسب، وتجرّده من بعده العلائقيّ.

كما تناول البابا معنى "صلب الديمقراطيّة" لافتًا إلى أنْ من الأفضل أن نعمل ونتعاون معًا، وأكّد أنْ، في هذا السياق، واحد زائد واحد ليسا اثنين، بل ثلاثة، لأن المشاركة – كما يقول الخبراء الاقتصاديّون – تشكّل بحدّ ذاتها قيمة مضافة.  

أشارالبابا إلى أنّنا نجد في عبارة "مشاركة" المعنى الأصيل للديمقراطيّة وللولوج إلى صلب المنظومة الديمقراطيّة، لأنّ الديمقراطيّة تتطلّب المشاركة والحوار ووضع قناعاتنا ومثلنا بتصرّف الجماعة. إنّها تتطلّب المجازفة، لكنّ هذه المجازفة هي الأرض الخصبة التي تنبت فيها الحرّيّة. وذكّر الحبر الأعظم هنا بأنّ الوقوف موقف المتفرّج إزاء ما يجري حولنا، ليس فقط أمرًا غير مقبول من الناحية الخلقيّة، إنّما ليس أمرًا حكيمًا ولا مناسبًا.

تابع البابا يقول إنّ القضايا الاجتماعيّة التي نحن مدعوّون إلى التفاعل معها كثيرة جدًّا، وقال إنّه يفكر بالضيافة الذكيّة والخلاقة، على سبيل المثال، التي تعزّز التعاون والاندماج بالنسبة إلى المهاجرين. وأضاف أنّه يفكّر أيضًا بالشتاء الديمغرافيّ، الذي تعاني منه إيطاليا كلّها، كما يفكّر باختيار السياسات الملائمة لصالح السلام، والتي تضع في المقام الأوّل فنّ التفاوض، لا خيار إعادة التسلّح. وشدّد الأب الأقدس على ضرورة الاهتمام ببعضنا البعض الذي يتحدّث عنه دائمًا الربّ يسوع في الإنجيل.

ختم البابا فرنسيس مقدمّة الكتيّب "في صلب الديمقراطيّة" متمنيًّا التزامنا بحياة ديمقراطيّة تتميّز بالمشاركة وتهدف إلى الخير العامّ الحقيقيّ.

 

أمّا الكردينال زوبي فذكّر في مقدّمته بأنّ الكنيسة الكاثوليكيّة اختارت بقناعة السير في درب الديمقراطيّة من أجل تحقيق الخير العامّ والذي هو الغاية من عقيدتها الاجتماعيّة. واعتبر أنْ لا بدّ من أن يُدافع اليوم عن الديمقراطيّة في خضمّ الأزمنة الصعبة التي نعيشها، حيث نشهد محاولات لخنق النقاش الديمقراطيّ، والكنيسة الخبيرة في الشؤون الإنسانيّة، كما كان يقول البابا بولس السادس، مدعوّة اليوم إلى تحذير الجميع من مغبّة فقدان هذا الكنز الثمين.