لبنان
24 تشرين الثاني 2021, 11:20

يونان: يوم الحساب آتٍ لا محالة، وعلى اللّبنانيّين أن يقوموا بواجبهم الوطنيّ في انتخاب من يمثّلونهم كما يريدون

تيلي لوميار/ نورسات
في أحد بشارة العذراء مريم بالحبَل الإلهيّ، احتفلت كاتدرائيّة سيّدة البشارة- المتحف باليوبيل الذّهبيّ لتكريسها وتدشينها، في قدّاس إلهيّ ترأّسه بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، كُرّم خلاله بعض المتزوّجين والّذين نالوا سرّ العماد في الكاتدرائيّة منذ خمسين سنة، وكذلك المسؤولون عن اللّجان والفعاليّات الّتي تخدم في الكاتدرائيّة.

في عظته بعد الإنجيل المقدّس، بعنوان "ها أنا أمة الرّبّ، فليكن لي بحسب قولك"، دعا يونان المؤمنين إلى تهيئة قلوبهم وأفكارهم لتقبّل سرّ التّجسّد الإلهيّ بميلاد الرّبّ يسوع، متناولاً بالشّرح تفاصيل حدث البشارة لافتًا إلى أنّها "بشرى لنا أيضًا"، فنحن "مدعوّون لنعيش مع الله الحاضر معنا ومن أجلنا، عمّانوئيل، أيّ الله معنا، الشّافي والمحرّر والمخلّص".

في سياق كلامه، نوّه يونان إلى دور مريم العذراء في حماية المؤمنين من المصائب والحروب والمحن، فقال: "يبقى شعبنا شعب الرّجاء الّذي لا يخاف مهما ازدادت المحن وعظمت المصائب. صحيحٌ أنّنا نمرّ بصعوباتٍ كثيرة، لكنّ أمّنا مريم العذراء هي حاميتنا، كما حمت الكثيرين منّا أثناء الحرب المشؤومة من السّبعينيّات حتّى التّسعينيّات من القرن الماضي. وأنتم الّذين عشتم هذه الأزمة المخيفة الّتي مررنا بها، تدركون ذلك. وقد تحمّلت هذه الكاتدرائيّة وعانت الكثير من هذه الحرب، وأنا أذكر أنّنا رمّمناها في الثّمانينيّات عدّة مرات، واليوم المطران شارل مراد كخادم لهذه الرّعيّة رمّمها وجدّد أقسامًا منها، ورمّم القاعة بمساعدة المحسنين، وهيّأها كي تكون باستقبال المؤمنين".  

وأضاف: "مريم هي مثالنا في الطّاعة، إذ أعلنت جواب الإيمان والرّجاء والحبّ: أنا أمةُ الرّبّ فليكن لي بحسب قولك. فتجاوبت وكرّست ذاتها بكلّيتها، قلبًا وعقلاً وجسدًا وروحًا وإرادةً، كي تطيع تصميم الله وتدبيره الخلاصيّ. لا نظنّ أنّها عاشت حياةً هانئةً، بل خدمت ابنها الوحيد ورافقته في كلّ مراحل حياته حتّى أقدام الصّليب، فشهدت ذبيحة وحيدها المصلوب، وأضحت بذلك مثال الأمانة والثّبات، واستحقّت بذلك أن تصبح أمًّا للكنيسة. مريم قبلت الدّخول في مدرسة سيّد المستحيل، وصارت المعلّمة لنا في الإيمان وفي معنى التّتلمذ. خضعت بطاعة الإيمان، واستسلمت كلّيًّا لمشيئة الله، واثقةً أنّ الله يعدّ لها النّصيب الأفضل الّذي لن يُنزَع منها".

هذا وتناول البطريرك يونان الأوضاع الرّاهنة في لبنان سائلاً الله أن ينهض لبنان من كبوته ويتعافى من أزماته، قائلاً: "نحن ككنيسة نشعر معكم، وسنبقى نتكلّم باسمكم معلنين أنّ ما يحصل في لبنان هو ظلم، لاسيّما للمواطنين الأبرياء. كيف لنا ونحن في أحد البشارة ألّا نتضرّع إلى الرّبّ ليرفق بوطننا لبنان الّذي يعاني ما يعانيه من مشاكل واضطرابات وأزمات لا تنتهي، والجالسون في مواقع المسؤوليّة غائبون عن الواقع ويعيشون في عالم آخر لا يحاكي ما يعانيه الشّعب يوميًّا، بل كلّ لحظة من نهاره. فمن أزمة المحروقات وأسعارها الجنونيّة، أتى رفع الدّعم عن الأدوية والمسلتزمات الطّبّيّة ليقول للمواطن الفقير: أنتَ ممنوع عليك أن تمرض، وإلّا فإنّك معرَّض للموت على أبواب المستشفيات. فإلى أزمة المواد الغذائيّة وحليب الأطفال، والّتي أضيفت أيضًا إلى الأزمات الّتي لا تنتهي فصولها!

وما يزيد في معاناة اللبنانيين شلّ عمل الحكومة تحت شرط إقالة المحقّق العدليّ في جريمة تفجير مرفأ بيروت، بحجّة أنّه رفض الرّضوخ إلى الإملاءات والضّغوط السّياسيّة الّتي تمارسها الطّغمة السّياسيّة الحاكمة الّتي أفلست البلاد بفسادها وفقدانها لحسّ المسؤوليّة وإهمالها.

ومعلومٌ أنّ هذه الكاتدرائيّة نفسها كما دار البطريركيّة عانت الكثير من الدّمار، سواء بالأبواب أو الشّبابيك أو الزّجاج وسواها، بسبب هذا التّفجير الإجراميّ.  

كلّ هذه المشاكل وأكثر، نعيشها بعد سنوات طويلة من الاستقلال لم يستطع خلالها السّياسيّون اللّبنانيّون بناء دولة عصريّة حديثة مستقلّة ومحايدة عن المحاور والصّراعات الّتي لم تسبّب سوى الحروب والويلات للشّعب اللّبنانيّ، كما باقي الشّعوب في الأوطان المجاورة.

لذا نقولها بصراحة: على اللّبنانيّين عامّةً، والمسيحيّين خاصّةً، أن يتّحدوا كي يستطيعوا أن يشعروا بآلام ومخاوف الشّعب، ويشجّعوهم كي يبقوا متجذّرين في لبنان. لا تكفي الأقوال، بل يجب أن تُرفَق بأفعال حقيقيّة على الأرض، بمعنى أن نجمع شمل اللّبنانيّين، ولاسيّما المسيحيّين، كي يتمكّن الشّابّ المسيحيّ من الشّعور أنّ الله لم يتخلّ عنه وعن بلده، بل سيظلّ يحمي لبنان وأهله.

إنّنا ومن موقعنا الرّوحيّ والوطنيّ نشدّ على أيدي كلّ لبناني حرّ ألّا ييأس ولا يستسلم ولا يسمح لهذه المعاناة من أن تحدّ من عزيمته وإيمانه بوطنه. فيوم الحساب آتٍ لا محالة، وعلى اللّبنانيّين أن يشاركوا عندها في اختيار ممثّليهم وتغيير هذه السّلطة الحاكمة والمتحكّمة بالبلاد بكلّ مفاصلها. عليهم ألّا يتقاعسوا أو يشعروا باليأس، بل أن يقوموا بواجبهم الوطنيّ في انتخاب من يمثّلونهم كما يريدون، بالنّزاهة والكرامة والصّدق والحرّيّة.

كما نطالب القيّمين على شؤون البلاد أن يعوا المسؤوليّات الملقاة على عاتقهم، وأن يتصرّفوا بما يمليه عليهم ما تبقّى من ضميرهم وحسّهم الوطنيّ ومسؤوليّاتهم والمهام المناطة بهم بكلّ شفافيّة، لا أن ينقادوا إلى مصالحهم الخاصّة ومناكفاتهم، الشّخصيّة أو العائليّة أو الحزبيّة أو الطّائفيّة، والّتي لم تسبّب سوى المزيد من هجرة الشّباب وخيرة أبناء الوطن. أمّا من بقي منهم، فهو يسعى إلى الهجرة أو يحلم بها. فماذا يبقى عندها؟ وهل ينفع النّدم حينها؟".

بعد القدّاس، منح يونان بركته الأبويّة للمؤمنين وتبادل معهم التّهاني.