أميركا
01 أيلول 2025, 07:50

يونان في زيارة أبويّة إلى أميركا

تيلي لوميار/ نورسات
حطّ بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، بعد ظهر السّبت، رحاله في مطار ديترويت الدّوليّ بولاية ميشيغان- الولايات المتّحدة الأميركيّة، يرافقه المونسنيور حبيب مراد، لبدء زيارة أبويّة إلى أبرشيّة سيّدة النّجاة في الولايات المتّحدة، وترؤّس الاحتفال باليوبيل الكهنوتيّ الذّهبيّ لراعيها برنابا يوسف حبش الّذي كان في استقباله مع عدد من الكهنة.

وفي أولى محطّات الزّيارة، ترأّس يونان مساء السّبت أمسية صلاة بمناسبة اليوبيل الكهنوتيّ الذّهبي لحبش وذكرى مرور 15 سنة على سيامته الأسقفيّة، وذلك في كاتدرائيّة مار توما في ديترويت.

تخلّلت الأمسية صلوات على نيّة حبش وقراءات من الكتاب المقدّس، وترانيم أدّاها جوق الكاتدرائيّة والشّمامسة.

كما كانت كلمة محبّة للبطريرك يونان بعنوان "من تُراهُ الوكيل الأمين"، استهلّها بالتّعبير عن محبّته الخالصة إلى المطران برنابا يوسف حبش، قائلاً: "أخي في الأسقفيّة، كما كنتَ أخي في الكهنوت، وأيضًا لسنتين تلميذي في الإكليريكيّة. كلمتكَ أثّرت كثيرًا في قلبي كما في قلوب إخوتنا الكهنة الأعزّاء، بقولكَ إنّه لا معنى للكهنوت إلّا بالأمانة لقلب يسوع، نتبعه بإخلاص وبحقّ ومن دون أيّ شرط، وهو يكون فرحنا.

نعرف سيدنا مار برنابا منذ عام 1972 عندما جاء إلى إكليريكيّة دير الشّرفة، وكنتُ مساعدًا لمدير الإكليريكيّة آنذاك، وبقينا على اتّصال حين كان يخدم في العراق، أكان في قره قوش، ولاسيّما في البصرة، وبرهن عن التّسليم الكامل للرّبّ، لأنّ خدمته لم تكن سهلة، بل في زمن الحرب في العراق. وعندما طلبنا منه، بواسطة المثلَّث الرّحمات المطران مار قوريلّوس عمانوئيل بنّي، أن يأتي ليشاركنا في خدمة أولادنا هنا في أميركا، لبّى الدّعوة، مع أنّها كانت أوّل زيارة له إلى أميركا، وكان قد تجاوز الأربعين من عمره، ولم يكن مطّلعًا على اللّغة الإنكليزيّة، بل كان يعرف السّريانيّة والعربيّة والفرنسيّة. لبّى الدّعوة من دون أيّ تردُّد. يذكِّرنا مار بولس أنّه حين دعاه الرّبّ لم يذهب ويستشر أحدًا، وها هو سيّدنا مار برنابا يحذو خذو بولس، بل يعمل بكلام يسوع أنّ من يضع يده على المحراث لا ينظر إلى الوراء.

إلتقينا بسيادته في كانون الأوّل 1994 عندما جاء للخدمة معنا في نيوجرسي. تمّم خدمته بكلّ أمانة، أكان في نيوجرسي، أو في تأسيس إرساليّة شيكاغو، أو بمتابعة الخدمة في رعيّة لوس أنجلوس. كان دائمًا الكاهنَ الأمينَ للرّبّ ولإخوته وأخواته، ولم يكن يضع شروطًا للخدمة، ولا يتردّد أبدًا عندما كنّا وإيّاه نسعى كي نكمل خدمتنا هنا في الولايات المتّحدة الأميركيّة. يذكّرنا الرّبّ يسوع أنّنا، كالوكيل الأمين، لا يجب أن نتردّد أبدًا في الخدمة، بل أن نعرف ونشعر ونحبّ الرّعيّة الّتي أوكلنا الرّبّ خدمتها. وهكذا سيّدنا مار برنابا، أكان في سني كهنوته الخمسين، وفي سني أسقفيّته الخمسة عشرة، كان يضع الأمانة أمامه دائمًا، والأمانة تعني أيضًا الإقرار بالحقّ. ليس أحد منّا كاملًا، لكنّ سيّدنا مار برنابا يطبّق قول المسيح: "الحقّ يحرّركم".

يوبيلكَ يا سيّدنا اليوم ليس فقط فرحة لكَ، بل هو أيضًا فرحة لأحبّائنا الكهنة الّذين يخدمون معكَ شعب الله، وللشّمامسة، وهو ليس فقط فرحة الأهل، الإخوة والأخوات وأولادهم، والمئات من الأصدقاء الّذين عرفوكَ في خدمتكَ الكهنوتيّة، لكنّها نعمة سامية جدًّا، أن تبقى أمينًا لهذه الدّعوة بالحقّ. وللأسف لا نستطيع أن ننكر أنّ ما يُسَمَّى اليوم ثقافة هذا العصر يؤثّر أيضًا على بعض الإكليروس الّذين يعتقدون أنّ الكهنوت وظيفة، وأنّ تكرُّسَهم للكهنوت هو منّة على الله وشعبه، ويتصرّفون بطريقة مشكِّكة للكثيرين من أولادنا. وأنتَ، يا سيّدنا، ذكرتَ في كلمتكَ أنّ الكاهن الّذي يحافظ على التّلمذة للرّبّ يسوع لا يحتاج إلى شهادات ولا إلى إقرار من آخرين وإطراء ومدح، بل يحتاج إلى قلب مملوء بالمحبّة للرّبّ وللنّفوس الّتي يخدمها، وحين يخدم بالمحبّة يستطيع أن يفعل العجائب. وجميعكم تعلمون، أيّها الأحبّاء، كم كانت صعبة نشأة أبرشيتنا هنا في الولايات المتّحدة منذ حوالي الأربعين سنة، واليوم أحبّاؤنا الكهنة يساعدونكَ، كي تكملوا معًا هذه الخدمة بالأمانة والحقّ.

بإسم جميع الحاضرين، ندعو لكَ، يا سيّدنا العزيز، بالصّحّة والنّعمة ودوام الفرح، كي تكمل خدمتكَ وتبقى المثال للرّاعي الصّالح".

وكان المطران برنابا يوسف حبش قد توجّه بكلمة من القلب، شكر فيها العناية الإلهيّة على نيل نعمة الكهنوت، وقال: "أنا غير مستحقّ، وكلّنا غير مستحقّين لهذه النّعمة، إلّا أنّ الرّبّ اختارنا من حيث لا نعلم لماذا ولا كيف، لكن هاءنذا يا ربّ، دعوتَني يا ربّ، لا ترذلْني.

إنّ موضوع الكهنوت ليس موضوعًا دراسيًّا وتحليليًّا، هو موضوع الإيمان، موضوع سماع نداء الرّبّ واتّباع صوته. يا ابراهيم، إمشِ إلى الأرض الّتي أريكَ. طرق الرّبّ عجيبة، بالحقيقة لا أعرف كيف اختارني الله ولا لماذا، ولا أرى الموجبات لهذا الاختيار، لكن حين أفكّر بالأمر، أقول: عجيبٌ أنتَ يا ربّ، لذا أؤمن أنّ كنيستك هي حقيقة إلهيّة، لا يمكن أن تتزعزع. حين تختار شخصًا ضعيفًا مثلي، وحين أعاين ضعفي، أرتجف. وقد أردتُ مرارًا أن أهرب من قدّام الرّبّ، لكنّه كان يصطادني بشكل أو بآخر، ويأتي بي إلى الطّريق. وحتّى هذه اللّحظة الّتي أمثّل فيها أمامكم، بعد خمسين سنة من الكهنوت و15 سنة من الأسقفيّة، لا أزال غير قادر أن أعيش لحظةً إلّا وأسمع كلام الرّبّ وأتحسّس أين يريدني. بدونكَ يا ربّ لا أستطيع أن أفعل شيئًا، وأنتَ القائل: "بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا."

أنا أثق بكَ يا يسوع، أشكركَ لأنّكَ نظرتَ إلى ذلّي وضعفي واخترتَني، أنا لستُ عالمًا ولا جهبذًا ولا فطحلًا ولا مزيَّنًا بمواهب عقليّة جبّارة أو بقدرات أو كفاءات. إخترتَني ضعيفًا وشئتَني، هاءنذا يا ربّ، والباقي هو عملكَ يا الله. أنتَ الّذي علّمتَني ومقتنعٌ بي، إنّكَ تحبّني، وإنّني أحبّكَ كثيرًا كثيرًا كثيرًا، وسأبقى أحبّكَ، وهذا الّذي يُشبِعني ويرويني ويسكرني ويهديني ويقوّيني، وهذا هو عِلمي، والحمد لله أنّ المحبّة لا تحتاج شهادات، بل تحتاج قلبًا مفتوحًا. أجدّد عطاء قلبي لكَ في هذه اللّحظة، يا يسوع، أمام غبطة أبينا البطريرك، وأمامكم يا إخوتي وأخواتي جميعًا، لكَ قلبي يا يسوع. علّمتَني الخدمة، وما أحلى الخدمة، واليوم الكاهن الّذي لا يؤمن أنّ كهنوته هو خدمة، أبكي من أجله حقيقةً، وأصلّي من أجله. إنّ الخدمة هي شرف الكهنوت وغايته وقلبه وسرّه وجوهره، خدمة كلّ إنسانٍ آتٍ إلى العالم، فيسوع جاء ليَخدُم كلّ إنسانٍ. علِّمْني يا يسوع أن أخدمكَ قائلًا: لا لنا يا ربّ، لا لنا، لكن أعطِ المجد لاسمكَ القدّوس.

سيّدنا البطريرك، أدام الرّبّ حياتكم وضاعف سنواتكم وتقبّل خدمتكم ومنحكم القوّة، وبكلّ محبّة وحماس وصدق أطلب لكم العمر الطّويل والتّوفيق والبركة. غبطته خدم كثيرًا كثيرًا، خدمتُ معه ككاهن، وخدمتُ معه كأسقف هنا، وعلّمَني "ألف باء" الخدمة، وأتصوّر أنّني، مع جميع الكهنة الحاضرين، بشكل أو بآخر، كلّنا تعلّمْنا من سيّدنا البطريرك. غبطته عالٍ بالشّخصيّة، وبسهولة لا نستطيع أن نلحق به أو أن نفهم ونعاين حقيقته، هو مثل أب كبير ونحن أطفال صغار لا يستطيعون أن يفهموا الأب بسهولة إلى أن يكبروا رويدًا رويدًا. هو أب بكلّ معنى الكلمة، هو معلّم، وله الشّكر من بعد الشّكر للعناية الإلهيّة".

وروى المطران حبش حلمًا شاهده بعد أن أعلمه السّفير البابويّ في الولايات المتّحدة أنّ البابا عيّنه أسقفًا على أبرشية سيّدة النّجاة بعد أن أصبح يونان بطريركًا وشغر كرسيّ الأبرشيّة، وكان ذلك يوم خميس الفصح في لوس أنجلوس، وقال: "حالًا جمدتُ بكلّيّتي لأنّني كنتُ أعلم كم كان سيّدنا البطريرك يتعب ويعاني منذ أوّل يوم في أسقفيّته حتّى اليوم الأخير منها، لكنّي قلتُ في النّهاية، وبعد ثلاثة أيّام، فليكن أمر الرّبّ وقداسة البابا، وقبلتُ، وذلك بعد أن رأيتُ حلمًا كلّمني به الرّبّ في شأن الأسقفيّة. في الحلم، كنتُ أسير في قره قوش، وأمامي الرّاعي منصور عبّا، رحمه الله، اتّكأ على الأرض وأخذ غصنًا يابسًا، عصًا مكسورة، وبدأ يرعى الغنم ويغنّي... ثمّ استيقظتُ من الحلم، وأنا أصلّي في الكنيسة. ففهمتُ رسالة الرّبّ: يا ولد، أنتَ إنّما عصا مكسورة، غصن مكسور مطروح على الأرض، حملها الرّاعي، حين أصبحت بيد الرّاعي صارت لها قيمة.

أدركتُ أنّ الرّوح القدس أوحى إليّ قائلًا: يا ولد، أنتَ إنّما تلك العصا المرميّة على الأرض، ليس فيكَ طعم ولا معنى، حين أصبحتَ بيد الرّاعي صرتَ أداةً للرّعاية والحفاظ على الرّعيّة وتوجيهها، إذًا إفهمْ ما هي رسالتك! وهاءنذا يا ربّ، من أجل مجدكَ يا ربّ. أعرف حجمي الضّعيف ووزني الخفيف، إنّني إنّما أنا عصا بسيطة، لكن يشرّفني جدًّا أنّني بيد راعي الرّعاة، يسوع المسيح، يستعملني لأيّ غرض كان لخدمة الرّعيّة المباركة المفديّة بدم يسوع المسيح. يا ربّ اجعلني أن أكون أمينًا".

وأنهى كلمته ضارعًا إلى الرّبّ يسوع: "إجعلني يا يسوع أفهم كلامكَ حين قلتَ: مهما فعلتم فقولوا إنّما نحن عبيدٌ بطّالون، ما فعلنا إلّا ما كان يجب علينا أن نفعله. أتركُ كلّ شيء بيدكَ يا يسوع، أنتَ فاحص القلوب والكلى. أسألكَ نعمتكَ يا يسوع كي تعينني في ما بقي من أيّام حياتي، أن أعيش أمينًا، وأنتَ تقدّسني بروحكَ القدّوس، لكَ المجد، الآن وأبدًا، مع أبيك وروحك القدّوس. حفظكم الرّبّ جميعًا".

وكانت كلمات للأب منتصر حدّاد والأب لوك إدلن وشقيق المحتفل به نويل حبش كلمة. وإختُتم الاحتفال بقطع قالب الحلوى وقدّم الجميع التّهاني للمطران يوسف حبش، قبل أن يمنح البطريرك يونان بركته الختاميّة.