أميركا
03 تموز 2023, 08:45

يونان في أميركا في زيارة رسوليّة إلى أبرشيّة سيّدة النّجاة

تيلي لوميار/ نورسات
وصل بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، مساء الجمعة، إلى مطار ديترويت الدّوليّ في ولاية ميشيغان، للقيام بزيارة رسوليّة أبويّة إلى أبرشيّة سيّدة النّجاة في الولايات المتّحدة الأميركيّة، بدعوة من راعيها مار برنابا يوسف حبش، يرافقه القيّم البطريركيّ العام وأمين سرّ البطريركيّة المونسنيور حبيب مراد. وقد كان في الاستقبال مطران أبرشيّة سيّدة النّجاة في الولايات المتّحدة الأميركيّة برنابا يوسف حبش، والآباء الخوارنة والكهنة الّذين يخدمون في ولاية ميشيغان، وبعض المؤمنين.

ثمّ توجّه إلى كاتدرائيّة مار توما في ديترويت، حيث رفع صلاة الشّكر للرّبّ على وصوله بالسّلامة، كما ألقى حبش كلمة شكر فيها يونان على تلبيته الدّعوة، مرحّبًا به كـ"ربّ البيت"، سائلاً يسوع أن يديمه ويبارك بصلاته ورعايته الكنيسة السّريانيّة الكاثوليكيّة في كلّ مكان.

بدوره اكّد يونان على سعادته بزيارة الأبرشيّة، شاكرًا كهنتها ومؤمنيها الحاضرين، وشدّد على "أهمّيّة الصّلاة وتجديد الثّقة بالرّبّ يسوع الّذي يرعانا ويقوّينا كي نتابع خدمتنا كشهود فاعلين له وناشرين لكلمته".

في المساء، احتفل يونان بالقدّاس الإلهيّ على مذبح كنيسة مار اسحق النّينويّ في مدينة لانسينغ– ميشيغان، في زيارة أبويّة راعويّة هي الأولى له إلى هذه الكنيسة منذ تأسيسها وافتتاحها عام 2018.

في عظته بعد الإنجيل المقدّس، أعرب يونان عن "الفرحة الكبيرة الّتي نشعر بها ونحن نزوركم في هذه الكنيسة المكرَّسة على اسم مار اسحق النّينويّ، هذه الكنيسة الّتي تؤسّسونها بعدما حصل عليها وأخذها لأبرشيّته سيادةُ أخينا راعيكم الجليل مار برنابا يوسف، وسلّم رعايتها إلى كهنة أفاضل خدموها بكلّ غيرة ومحبّة، كما يخدمها حاليًّا كاهنكم الفاضل الخوراسقف صفاء".

وتابع: "إلتقينا بسيّدنا مار برنابا يوسف لأوّل مرّة في إكليريكيّة سيّدة النّجاة بدير الشّرفة- لبنان عام 1972، حيث كنّا حينها مسؤولاً عن الإكليريكيّين. وبقينا على تواصُل منذ ذلك الوقت، وفي العام القادم سيُتِمّ سيادته ثلاثين سنة من الخدمة في هذه الأبرشيّة العزيزة، منذ أن كانت لا تزال إرساليّات ورعايا. وعملنا وخدمنا مع سيادته، ومع الخوراسقف توما عزيزو أيضًا، واستمرّينا بالسّعي كي نؤسّس هذه الأبرشيّة كما تجدونها اليوم. فقبل ما يقرب من 35 سنة، عندما جئنا إلى هذه البلاد، لم يكن لدينا كنائس ولا كهنة هنا في أميركا".

وأضاف: "عندما دخلنا إلى هذه الكنيسة، شعرنا بالفرح، وفعلاً لم نكن نتوقّع أن تستطيعوا الحصول على هذه الكنيسة في مدينة لانسينغ، عاصمة ولاية ميشيغان. صحيح نسمع أنّ عدد العائلات قليل في هذه الرّعيّة، لكن لا ننسى أنّ الرّبّ يسوع اختار اثني عشر رسولاً، وعلّمهم مدّة ثلاث سنوات. وبعدما حلّ عليهم الرّوح القدس، انطلقوا إلى البشارة في العالم أجمع. وتعرفون أنّ الكنيسة السّريانيّة، شرقيّة أم غربيّة، لبّت هذه الوصيّة، فانطلق السّريان يبشّرون بالإنجيل وصولاً إلى الهند والصّين. وكنائسنا السّريانيّة الملنكاريّة والملباريّة هي اليوم كنائس مزدهرة بالمؤمنين والكهنة والرّهبان والرّاهبات، وإن شاء الله ستبقى مزدهرة وعامرة بالإيمان. فنحن، أبناء الكنيسة السّريانيّة، موجودون منذ القرون الأولى في الشرق الأقصى، قبل أن يذهب إليها المبشّرون والرّهبان اللّاتين في القرنين الخامس عشر والسّادس عشر".

ولفت إلى انّ "هذا الأمر نقوله كي لا نشعر أبدًا بالقنوط واليأس، صحيح أنّكم كلّكم تقريبًا أُرغِمتُم على ترك أرض آبائهم وأجدادكم للظّروف الّتي نعرفها جميعنا، ولا نريد أن نعيد تكرارها، لكنّ للرّبّ أحكام لا نفهمها، والهجرة من بلادنا إلى أميركا الشّماليّة وأميركا الجنوبيّة وثمّ إلى أوروبا تعود إلى قرابة 150 سنة، وقد تهجّرنا رغمًا عنّا من سنوات قليلة، لكنّنا نشعر بالفخر لأنّكم لا تزالون محافظين على إيمانكم المسيحيّ وتقاليدكم وعاداتكم الصّالحة الّتي تربّيتم عليها في أرض الآباء والأجداد.

وكما تعلمون كنّا في أحد الشّعانين في قره قوش– بغديده، العراق، حيث ترأّسْنا وشاركْنا في التّطواف الشّهير الّذي هو نوعًا ما عرس كبير لهذه المدينة الّتي نفتخر بها، إذ أنّ أكثر من 15 إلى 20 ألف شخصًا شاركوا في هذا التّطواف الّذي استمرّ لساعات في شوارع المدينة. حقًّا هذا يُفرِح القلب، وهو أكبر تجمُّع مسيحيّ اليوم في سهل نينوى. وعندما زار قداسة البابا فرنسيس قره قوش، شعر حقيقةً بحرارة هذا الشّعب المؤمن، وكان سعيدًا جدًّا أن يزور تلك المدينة الّتي أصبحت مدينة شاهدة وشهيدة".

وأكّد على أنّنا "مدعوّون اليوم كي نجدّد إيماننا بالرّبّ يسوع، ونركّز على أهمّيّة العائلة، وهي تعني الأب والأمّ والأولاد، الأطفال والشّبّان والشّابّات. وإن شاء الله سيبقى هؤلاء الأولاد أمناء لكنيستهم ولإيمان آبائهم وأجدادهم، رغم كلّ الصّعوبات والتّحدّيات. وجميعنا نعي جيّدًا ما هي هذه الصّعوبات والتّحدّيات، وتشاهدونها وتسمعونها باستمرار في وسائل الإعلام والتّواصل الاجتماعيّ".

وتناول يونان "تنبيه مار بولس الرّسول إلى كنيسة كورنثوس، والّذي تُلِيَ على مسامعنا مع بداية هذا القدّاس، بأنّ هناك أشخاصًا يستسلمون إلى شهواتهم، وتعرفون أنّ موضوع الجنس يجعل شبّاننا وشابّاتنا وأولادنا يجابهون تجارب كثيرة، لذا يجب علينا أن نكون أقوياء بالإيمان، وألّا ننسى أنّ الرّبّ يسوع شدّد بولس بقوله له: "تكفيك نعمتي". فإذا صلّينا وجدّدنا دائمًا علاقتنا الحبّيّة مع الرّبّ يسوع وأمّنا مريم العذراء والقدّيسين، يجب علينا ألّا نخاف أبدًا، بل سنبقى ونستمرّ، ورأسنا مرفوع لأنّنا تلاميذ الرّبّ يسوع".

وتكلّم عن "المقطع الّذي سمعناه من الإنجيل المقدّس بحسب القدّيس مرقس، حول موضوع التّواضع في الخدمة، فصحيح في الكنيسة بطريرك ومطارنة وكهنة وشمامسة، لكنّنا جُعِلنا جميعًا للخدمة. نخدم بالتّواضع والوداعة، ولا نفتّش على الرّئاسة والزّعامة كما يفتّش رجال العالم، أكانوا سياسيّين أو غير سياسيّين. نحن نتبع الرّبّ يسوع كي نكون على الدّوام تلاميذه، ونبرهن على أنّنا تلاميذه عندما نحبّ بعضنا بعضًا ونخدم بعضنا بعضًا بالتّواضع، وليس أسهل من أن يفتّش الشّخص عن النّقائص في الغير، في حين ينسى نقائصه هو، المهمّ أن يكون لدينا التّواضع والوداعة".

وأردف يونان: "ما سمعناه من سيادة المطران مار برنابا يوسف ومن الخوراسقف صفاء، أنّكم عملتم كثيرًا كي تنظّموا هذه الكنيسة وتعطوها هذه الحلّة الجميلة، ولم نكن نتوقّع حقيقةً أن تنجزوها في هذه الفترة القصيرة. كما سمعنا أيضًا أنّ البعض منكم قدّموا من وقتهم ومن مهاراتهم ومن مقتنى جيوبهم كي يؤسّسوا هذه الكنيسة، ويجب أن تكونوا فخورين بذلك. وفي المستقبل سيتذكّر أولادكم وأحفادكم أنّ آباءهم وأمّهاتهم هم الّذين أسّسوا كنيسة مار اسحق النّينوي في لانسينغ. صحيح لا يزال عددكم قليلاً في هذه المدينة، لكن يجب أن نتّكل على الله، مدركين أنّ من يتّكل على الله لا يخيب أبدًا. وكلّ الكنائس في بلاد الانتشار بدأت كما تنطلقون أنتم، كانت رعايا صغيرة وعائلات قليلة. فعندما بدأنا هنا قبل أكثر من 35 سنة في أميركا، لم نكن نعرف أنّ هناك مجموعة موجودة وأسّست، بل كنّا نفتّش عن العائلات ونؤسّس. لذلك كونوا أنتم دائمًا فرحين، كونوا رجال ونساء الرّجاء، متّكلين على الرّبّ يسوع، وربّنا أمين أن يكمّل معكم مقاصدكم".

وفي الختام ضرع يونان "إلى الرّبّ يسوع، بشفاعة أمّه وأمّنا مريم العذراء سيّدة النّجاة، شفيعة أبرشيّتنا العزيزة في الولايات المتّحدة الأميركيّة، أن يباركنا، ويبارككم وعائلاتكم وأولادكم، صغارًا وكبارًا، طالبين شفاعة مار اسحق النّينويّ، كي يعلّمنا التّقوى الحقيقيّة، حتّى نعرف أن نتجرّد عن كلّ شيء، ونبني كنيسة بشريّة قبل الكنيسة الحجريّة والخشبيّة، لأنّنا جميعنا إخوة وأخوات الرّبّ يسوع".

وكان المطران برنابا يوسف حبش قد ألقى كلمة في بداية القدّاس، رحّب فيها بالبطريرك يونان، فقال: "قلبي يجيّش بالفرح لأنّ غبطة أبينا البطريرك تواضعَ وتنازلَ بمحبّته لكنيسته، وشعر بفرح كبير بزيارة هذه الكنيسة رغم عدد عائلاتها القليل، إذ بسبب إيمانكم وعزيمتكم ومحبّتكم للمسيح واتّحادكم بالكنيسة، منحَنا ربّنا هذه الكنيسة، وفيها نعيش الأمانة لكنيستنا وتاريخها وآبائها، من أمثال شفيعها مار اسحق النّينويّ. نسأل الله أن يبارك هذه الرّعية، وأن تثمر المزيد من العائلات والدّعوات.

نصلّي في قدّاس الشّكر هذا مع سيّدنا البطريرك الّذي يصلّي أيضًا من أجلنا، ويباركنا دائمًا، فهو مرشدنا ومعلّمنا ومثبّتنا بالإيمان ومشجّعنا، طالبين أن يكون ذلك سببًا لنموّ هذه الرّعيّة وازدهارها".

وأنهى كلمته سائلاً الرّبّ "أن يجعل هذا القدّاس علامة اتّحاد حقيقيّ بالرّبّ وفيما بيننا، وأمانةً منّا لرؤسائنا الرّوحيّين الّذين يسهرون علينا ليلاً ونهارًا. نفرح اليوم بزيارة أبي الآباء، ونسأل الرّبّ أن يديمه بالصّحّة والعافية".

وقبل نهاية القدّاس، توجّه الخوراسقف صفاء حبش بكلمة بنويّة جدّد فيها التّرحيب بالبطريرك يونان، شاكرًا إيّاه على هذه الزّيارة التّاريخيّة. وتمنّى له وللوفد المرافق طيب الإقامة في ديترويت، ضارعًا إلى الرّبّ أن يمدّهم بالمعونة خلال هذه الزّيارة وبالصّحّة والعمر المديد.

وبعدما منح البطريرك يونان البركة الختاميّة، استقبل المؤمنين في قاعة الكنيسة.