لبنان
19 نيسان 2022, 07:50

يونان أعلن قيامة الرّبّ في قدّاس إلهيّ وهذا ما قاله في رسالة الفصح!

تيلي لوميار/ نورسات
أعلن بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان قيامة الرّبّ يسوع في قدّاس القيامة المجيدة ورتبة السّلام احتفل به صباح الأحد في كنيسة مار إغناطيوس الأنطاكيّ- المتحف، عاونه فيه القيّم البطريركيّ العامّ وأمين سرّ البطريركيّة المونسنيور حبيب مراد، وأمين السّرّ المساعد في البطريركيّة الأب كريم كلش، بحضور ومشاركة مدير إكليريكية سيّدة النّجاة في دير الشّرفة الأب جول بطرس، ونائب مدير إكليريكيّة الشّرفة وقيّم الدّير الأب سعيد مسّوح، والأب حميد مسّوح وهو الكاهن المرتسم حديثًا في أبرشيّة حمص وحماة والنّبك، والشّمامسة، والرّاهبات الأفراميّات، وجمع من المؤمنين.

وكان البطريرك يونان قد أصدر رسالة القيامة بعنوان "الصّليب درب القيامة"، وجاء فيها:

"إلى إخوتنا الأجلّاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الاحترام،

وأولادنا الخوارنة والكهنة والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات الأفاضل،  

وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرّبّ اللّائذين بالكرسيّ البطريركيّ الأنطاكيّ في بلاد الشّرق وعالم الانتشار، نهديكم البركة الرّسوليّة والمحبّة والدّعاء والسّلام بالرّبّ يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:

" ܨܠܺܝܒܳܐ ܐܽܘܪܚܰܐ ܗ̱ܗ ܕܰܩܝܳܡܬܳܐ " "الصّليب درب القيامة".

1. مقدّمة  

يسرّنا في مستهلّ رسالتنا أن نتقدّم بأحرّ التّهاني وأخلص التّمنّيات بمناسبة عيد قيامة ربّنا يسوع المسيح من بين الأموات، إلى جميع إخوتنا رؤساء الأساقفة والأساقفة وأولادنا الخوارنة والكهنة والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات والمؤمنين، في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدّسة ومصر والأردنّ والخليج العربيّ وتركيا وأوروبا والأميركيّتين وأستراليا. وإلى الرّبّ يسوع المخلّص الّذي افتدانا بآلامه وموته وقيامته، نضرع، كي يمنحكم والعالم أجمع فيض نِعَمِه وخيراته وبركاته، ويعزّي قلوبكم برجاء قيامته الظّافرة، الّتي فيها انتصرت الحياة على الموت، والنّعمة على الخطيئة، والمحبّة على الكراهيّة، والرّجاء على اليأس، وعمّ فرح المسيح المنتصر في المجتمعات والأوطان.

قيامة الرّبّ يسوع هي تأكيدٌ ضامنٌ لقيامة القلوب من الخطيئة والشّرّ، إذ قد بدّدت الخوف والقلق والاضطراب، وحوّلت المستحيل إلى ممكن. نسأل الرّبّ أن يهبكم ثمار هذا الحدث الخلاصيّ، فنعبر معًا مع فصح المسيح وقيامته إلى حياةٍ جديدةٍ ملؤها السّلام الدّائم والمحبّة الحقيقيّة.

2. بالصّليب صالحَنا الله القائم من الموت  

قيامة الرّبّ يسوع في اليوم الثّالث إتمامٌ لذبيحته على الصّليب من أجل فداء البشريّة. لم يكن الصّليب فعل تعويضٍ دراميّ قام يسوع بتنفيذه لكي يُهدِّئ غضب الله الثّائر على خطيئة الإنسان، إنّما هو حركة تضامن إلهيّ مع واقع الإنسان، المليء بالتّناقضات والظّلم والموت وعبوديّة الشّرّ. إستعمل الله رمزًا بشريًّا ليُظهِرَ من خلاله قوّته الإلهيّة. من هنا نفهم كلمات بولس الرّسول: "فإنَّ كلمة الصّليب عند الهالكين جهالةٌ، وأمَّا عندنا نحن المُخَلَّصين فهي قوَّة الله" (1كور1: 18).

فلو أدركْنا هذا الأمر لاستسهلنا كلّ تبعات الصّليب واستهنّا بكلّ تداعياته في حياتنا. علينا أن نأخذ الصّليب على عاتقنا بفرح ورجاء، لأنّنا ننظر إلى ما نحن مُقبِلون عليه بشغف، ونتخطّى كلّ الصّعوبات الآنيّة الآتية علينا، وكلّها عابر. فلا ننسى أبدًا أنّ الحياة بحدّ ذاتها تحمل صليبًا، ولكن مع يسوع تتبدّد عقبات الحياة وأتعاب سفرنا فيها، لأنّ فرح الرّبّ قوّتنا، وهو يريحنا من جميع أحمالنا الثّقيلة (را. متّى11: 28). "بين الصّعوبات العديدة الّتي نمرّ بها، لا ننسينَّ أبدًا أنّنا قد شُفينا بجراح المسيح. في ضوء القائم من بين الأموات تتحوّل آلامنا، فحيث كان هناك موت أصبح الآن هناك حياة، وحيث كان هناك حِداد، أصبح الآن هناك تعزية. أعطانا يسوع، بمعانقته للصّليب، معنىً لآلامنا. لنُصلِّ الآن لكي تنتشر ثمارُه المبرّرة والشّافية في جميع أنحاء العالم" (من رسالة قداسة البابا فرنسيس إلى مدينة روما والعالم لمناسبة عيد القيامة 2021).

فما الصّليب إلّا خشبةٌ ممدودةٌ مثل إنسانٍ فاتحٍ ذراعيه ليضمَّ إليه العالم. لقد صالحَنا الله بالصّليب! وكلّمنا كلامه الكبير والنّهائيّ بالصّليب، إذ كشف من خلاله كلّ حبّه ورحمته للإنسان، محقّقًا به الخلاص والفداء. بالصّليب يعبر كلّ إنسان إلى حياةٍ جديدةٍ روحيًّا وخلقيًّا واجتماعيًّا، إذ إنّ آلامه وأوجاعه ومآسيه لن تذهب سدىً، بل تحمل في ذاتها قيمةً مقدّسة. على الصّليب تجلّت المحبّة وعظُمَت الرّحمة للمؤمنين بسرّ الفداء، إذ بالصّليب ينالون الغفران، وبه يصبحون خلقًا جديدًا. من منبر الصّليب، كلّمَنا الله الآب، وكشف لنا أبوّته المتجلّية منذ البدء.  

وها هو مار أفرام السّريانيّ يتألّق في الكلام عن الخلاص الّذي منحَنا إيّاه الرّبّ يسوع بآلامه وصلبه كطريقٍ حتميّ يقودنا إلى القيامة: «ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܳܟ ܡܰܠܟܳܐ ܡܫܺܝܚܳܐ ܕܚܰܫܬ ܘܰܦܪܰܩܬܳܢ ܡܶܢ ܛܽܘܥܝܰܝ܆ ܒܪܺܝܟ ܝܳܠܽܘܕܳܟ ܕܰܚܠܳܦܰܝܢ ܠܡܰܘܬܳܐ ܝܰܗܒܳܟ ܕܬܰܚܶܐ ܠܰܢ. ܠܪܽܘܚ ܩܽܘܕܫܳܐ ܦܰܪܩܠܺܝܛܳܐ ܬܰܘܕܺܝܬܳܐ ܠܥܳܠܰܡ ܥܳܠܡܺܝ̈ܢ... ܢܰܘܕܶܐ ܒܰܨܠܺܝܒܳܐ ܚܰܝܳܐ܆ ܕܒܶܗ ܩܳܡܢܰܢ ܡܶܢ ܡܰܦܽܘܠܬܳܐ. ܢܶܥܢܶܐ ܟܽܠܰܢ ܫܰܘܝܳܐܺܝܬ܆ ܒܪܺܝܟܽ ܗ̱ܘ ܕܒܰܨܠܺܝܒܶܗ ܦܰܪܩܰܢ»، وترجمته: "المجد لك أيّها المسيح الملك، يا من تألّمتَ وخلّصتَنا من الضّلال. مباركٌ والدك الّذي أسلمكَ إلى الموت من أجلنا كي تحيينا، وللرّوح القدس الشّكر إلى أبد الآبدين... نعترف بالصّيلب الحيّ، إذ به قمنا من السّقوط. فلنهتف كلّنا كافّةً: مباركٌ هو مَن بصليبه خلّصنا" (من باعوث أيّ طلبة مار أفرام في صلاة السّاعة الثّالثة من بعد ظهر يوم الجمعة العظيمة، وفي صلاة السّاعة التّاسعة من صباح يوم سبت البشائر أيّ سبت النّور، في كتاب الفنقيث ܦܢܩܝܬܐ، وهو كتاب صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الخامس، صفحة 269-270-315).

3. الصّليب مَبعث فرح القيامة  

قيامة الرّبّ يسوع هي إشراقة الحياة، وهي ينبوعُ فرحنا وعربون سلامنا. لقد قام المسيح وأقامنا معه! قام بعد أن سحقَ قيود الموت، وأقامنا بعد أن كسَرَ قيود ذنوبنا. "نحن نعلم أنّ إنساننا القديم قد صُلِبَ معه ليزول هذا البشر الخاطئ، فلا نظلّ عبيدًا للخطيئة... فإذا كنّا قد متنا مع المسيح، فإنّنا نؤمن بأنّنا سنحيا معه" (رو6: 6-8).

من هنا، إنّ صليب المسيح هو طريق الخلاص والدّرب المؤدّي إلى نور القيامة. هذه هي رسالة صلب يسوع وموته ودفنه. "من يموت مع المسيح يقوم مع المسيح، فالصّليب هو باب القيامة" (من كلمة قداسة البابا فرنسيس، في صلاة التّبشير الملائكيّ، الأحد 12 آذار 2017). الصّليب هو سلاح المسيح الجبّار، وعندما نشهد في حياتنا للقيامة، يسيرُ العالم كلّه نحو الفرح والسّلام والرّجاء والإيمان. فإن كنّا نقبلُ سرّ الصّليب ونتأمّل بعمقٍ في سرّ المحبّة الإلهّية، نستطيع أن نعكس نِعَمَه على واقع حياتنا اليوميّة، فنشترك مع جميع المؤمنين في عيش رجاء القيامة، في "وفرة الحياة" (يو10: 10)، إذ لا يمكن فصل حقيقة الصّليب عن سرّ القيامة، وإلّا أضحى رجاؤنا بؤسًا، وحياتنا موتًا، وما عرفنا أنّ "الله محبّة".  

قيامة الرّبّ لا تُعاش دون تذكُّر صليبه وحملِه في حياتنا. "لا يُخلّصُنا الله من الألم، بل من خلال الألم، ولا يحمينا من الموت بل بواسطة الموت، وهو لا يُحرّرنا من الصّليب بل بالصّليب" (اللّاهوتيّ ديتريش بونهوفر).  

بدون الصّليب لا يمكن أن يكون لنا نصيبٌ في مجد المسيح القائم. إنّ سرّ الصّليب هو سرّ المسيح، فبالصّليب عمّ فرح القيامة في العالم كلّه. حيث الصّليب تكون القيامة، وإلّا فهي شعرٌ وغناء. إن لم نَعِ الصّليب في حياتنا، فممَّ سنقوم؟ إن بقينا مرتاحين إلى ما نحن عليه وإن بقي ظلام الخطيئة مخيّمًا علينا، فكيف لنور القيامة أن يشعّ فينا؟ لا يمكننا أن نحتفل بقيامة المسيح ونعيشها ما لم يَطرُدْ نورُ المخلّص القائم من بين الأموات من نفوسنا ظلامَ خطايانا.

4. قيامة المسيح رجاؤنا  

قيامة يسوع أساس الإيمان المسيحيّ، والإيمان بقيامته هو محور الإيمان به إلهًا ومخلّصًا: "إن كان المسيح لم يَقُم، فتبشيرنا باطلٌ وإيمانكم أيضًا باطل" (1كور15: 14). قيامة يسوع تشهد لقوّة الله العظيمة، لأنّه هو الوحيد القادر على غلبة الموت وقهر القبر. في قيامته من بين الأموات، ذكّرنا الرّبّ يسوع بسلطانه على الحياة والموت، وقيامته شهادةٌ وتأكيدٌ على قيامة البشر، ودعوة رجاءٍ لنا للعيش بإنسانٍ جديدٍ متّشحٍ بالمسيح: "وإذا كان رجاؤنا في المسيح مقصورًا على هذه الحياة، فنحن أشقى النّاس أجمعين. إنَّ المسيح قام من بين الأموات وهو بكر الّذين ماتوا" (1كور15: 19-20).  

لا يستطيع المؤمن أن يغفل عن الصّلبان الّتي تُحيط به من كلّ الجهات، بل يواجهها بروح القيامة، ويُلبِسها نور الحياة. القيامة تحوّل الصّليب أداةَ فرحٍ وسبيلاً للحياة وشاهدًا للمحبّة وآيةً للمشاركة والتّعاضد.  

في اليوم الثّالث حدث ما لا يمكن أن يتصوّره عقلٌ بشري. لقد قام المسيح وفيه ومعه نقوم نحن أيضًا، منتقلين من الموت إلى الحياة، ومن عبوديّة الخطيئة إلى حرّيّة الحبّ. تؤكّد لنا قيامة يسوع أنّ الكلمة الأخيرة ليست للموت بل للحياة. "إنّ قيامة المسيح رجاؤنا! هذا ما تعلنه الكنيسة اليوم بفرح. تعلن عن الرّجاء الّذي أصبح الآن ثابتًا ولا يُقهَر، لأنّ الله قد أقام يسوع المسيح من بين الأموات... إنّها تستحضر الأمل الّذي يمكن أن يستدعي الشّجاعة لفعل الخير، حتّى عندما يكون ذلك مكلفًا. اليوم تغنّي الكنيسة "اليوم الّذي صنعه الرّبّ" وتستدعي النّاس للفرح" (من بركة قداسة البابا بنديكتوس السّادس عشر لمدينة روما وللعالم بمناسبة عيد القيامة 2009). إنّ القيامة خلقٌ جديدٌ، إنسانٌ جديدٌ، وشعبٌ جديد. القيامة برهانٌ على قوّة الحياة الجديدة وسيادة النّور والحقّ: "إذا كان أحدٌ في المسيح فهو خليقةٌ جديدةٌ، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكلّ قد صار جديدًا" (2كور5: 17).

في أبيات الآلام برتبة السّجدة للصّليب يوم الجمعة العظيمة، يحلّق الآباء في سماء الرّوح متأمّلين بالرّباط الوثيق بين الصّليب والقيامة: «ܐܰܚ̈ܰܝ ܢܰܥܺܝܪ ܥܰܝ̈ܢܰܝ ܠܶܒܰܢ܆ ܘܢܶܚܙܶܐ ܠܰܒܪܳܐ ܕܰܬܠܶܐ ܒܩܰܝܣܳܐ. ܢܦܽܘܚ ܒܰܢ ܪܺܝܚܳܐ ܕܰܙܩܺܝܦܽܘܬܶܗ܆ ܘܢܶܫܬܰܘܬܰܦ ܠܰܢ ܒܚܰܫܳܐ ܕܡܰܘܬܶܗ܆ ܘܢܶܚܕܶܐ ܥܰܡܶܗ ܒܝܽܘܡ ܢܽܘܚܳܡܶܗ»، وترجمته: "فلنوقظ يا إخوتي عيون قلوبنا، وننظر الإبن معلَّقًا على خشبة الصّليب. فتفوح منّا رائحة صلبه، ونشترك في آلامه وموته، لنفرح معه يوم قيامته" (من أبيات الآلام ܒ̈ܳܬܶܐ ܕܚܰܫܳܐ، في رتبة السّجدة للصّليب يوم الجمعة العظيمة).

5. صدى العيد في عالمنا اليوم

كما أنّ الصليب هو الدّرب إلى القيامة، نصلّي كي يكون صليب شعبنا وأوطاننا المعذَّبة والمضطهَدة قد شارف على نهايته، وكي نعيش في هذا الشّرق فرح القيامة، قيامة بلداننا من كبوتها وحروبها العبثيّة والفساد المستفحل في إداراتها ومؤسَّساتها، والّذي يُفقِد المواطنين، وأبناءنا منهم، الأمل في بناء مستقبلهم في أرضهم الأمّ، فيجدون في الهجرة أملاً لهم بغدٍ أفضل نتمنّاه لهم في بلادهم وبين أهلهم وأحبّائهم.

يحلّ عيد القيامة ولبنان لم يقم من عذاباته، إذ تستمرّ المعاناة والآلام الّتي سبّبها السّياسيّون الطّائفيّون المستأثرون بحكم الوطن، من جرّاء الفساد والإهمال والتّنكّر لمسؤوليّة خدمة الشّعب الّذي سبق وانتخبهم. نأمل ونصلّي كي تكون الانتخابات النّيابيّة القادمة جسر العبور، بحيث يختار المواطنون اللّبنانيّون بحرّيّة ضمير، دون الرّضوخ للإغراءات والاستغلال، ممثّليهم في البرلمان من أصحاب الكفاءة، وممّن يُشهَد لهم بالنّزاهة والاستقامة. وإنّنا نشجّعهم على مشاركةٍ واعيةٍ وشُجاعةٍ في الاقتراع، لأنّ خلاص الوطن منوطٌ بصوابيّة خيار اللّبنانيّين في الانتخابات النّيابيّة الّتي يجب أن يليها، دون أيّ مماطلةٍ أو تعطيلٍ لأيّ سببٍ أو مبرِّرٍ، تشكيل حكومةٍ إنقاذيّةٍ من اختصاصيّين، للبدء بمسار التّعافي الاقتصاديّ والاجتماعيّ، دون أن نتجاهل ضرورة إجراء الانتخابات الرّئاسيّة في مواعيدها الدّستوريّة، فلا يقع الوطن في فخاخ الفراغ المعطِّل، لأنّ لبنان لم يعد قادرًا على الاستمرار بتحمُّل التّعطيل والاكتواء بفراغ دستوريّ رئاسيّ.

وعلى كلّ ذلك أن يترافق مع التّسريع في الانتهاء من ملفّ التّحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، ومحاكمة المتَّهَمين والمتورّطين، وتحديد المسؤوليّات، ورفع الحصانات عن كلّ من يثبت تورُّطه في جريمة تدمير العاصمة بيروت، والّتي لم يُعرَف لها مثيل في العصر الحديث.

كما أنّ تحرير أموال المودعين وتوحيد سعر صرف العملات الأجنبيّة تجاه اللّيرة اللّبنانيّة، هي ملفّات طارئة وعاجلة وضروريّة لإعادة الثّقة بالنّظام اللّبنانيّ والمؤسَّسات اللّبنانيّة الرّسميّة منها والخاصّة، والّتي وحدها يمكنها وقف نزيف الهجرة وتشجيع المستثمرين على الاستثمار مجدَّدًا في هذا البلد الغالي.  

ولنا علامة رجاءٍ في زيارة قداسة البابا فرنسيس إلى لبنان، الّتي نأمل أن تتمّ في شهر حزيران القادم، كي تكون بركةً لهذا البلد المتألّم والمهدَّد بمصيره، فلا بدّ لليل المعاناة والآلام أن يعقبه فجر القيامة والخلاص. وسيذكّر قداسته بقيمة لبنان وتميُّزه بوحدة مواطنيه رغم تعدّديتهم، وبضرورة أن ينهض من وهدة الأزمات الّتي تعصف به على كلّ المستويات السّياسيّة والاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة، ويعود للعب دوره المميّز في محيطه والعالم، غير ناسين ما قام ولا يزال يقوم به قداسته من أجل لبنان من مبادراتٍ للوقوف إلى جانبه ومساعدته في هذه الظّروف العصيبة الّتي أوصله إليها السّياسيّون والمتحكّمون به وبمصير أبنائه.  

وأنظارُنا تتّجه إلى سوريا الّتي ترزح تحت وطأة الحرب العبثيّة رغم المبادرات الجدّيّة والاتّصالات الجارية لإنهاء الصّراع الّذي دمّر البلاد وفتّتَها. نسأل الرّبّ يسوع القائم من بين الأموات أن يزرع السّلام والأمان في أرجاء هذا البلد العزيز، فيعود الشّعب المشرَّد إلى وطنه، ويساهم جميع أبناء سوريا في إعادة إعمار بلدهم، إذ يكفي سوريا والسّوريّين أن تكون هذه الأرض حلبةً تُتفَّذ عليها مشاريع الدّول الكبرى على حساب الشّعب السّوريّ الأبيّ الّذي لا يريد سوى السّلام والاستقرار الدّائم في أرضه، لا أن يكون لاجئًا في أصقاع المعمورة. وقد زرنا العاصمة دمشق في آذار الماضي، حيث لمسنا، من خلال مشاركتنا في مؤتمر عن خدمة المحبّة، العملَ الهامَّ الّذي تقوم به الأبرشيّات والمؤسَّسات الكنسيّة في سبيل مساندة المؤمنين في هذه الظّروف العصيبة، بمؤازرةٍ مشكورةٍ من الهيئات والمنظَّمات الكنسيّة العالميّة.  

والعراق، الّذي رغم إنجاز الانتخابات النّيابيّة، لا تزال الصّراعات الدّاخليّة فيه تمنع تشكيل حكومةٍ منتجةٍ تُنهي حالة الفوضى القائمة، وتثبّت دعائم بناء الدّولة الحديثة، لينعم العراقيّون بخيرات بلدهم، ويتخلّص وطنهم الغالي من كلّ الجيوب الإرهابيّة الّتي تعكّر صفو السّلام والأمان الّذي يستحقّه هذا الشّعب الرّافض لكلّ محاولات تقسيمه وتحريض مكوّناته ضدّ بعضها وتأليبها ضدّ مصلحة بلدها. نصلّي كي يتمكّن المكوِّن المسيحيّ، وهو مكوِّنٌ أصيلٌ في بلاد الرّافدين، من متابعة الشّهادة لإيمانه في أرضه رغم الصّعوبات والتّحدّيات الجمّة. وقد سُرِرْنا وابتهج قلبنا بزيارة شمالي العراق في الأيّام القليلة الماضية، حيث شاركْنا بفخرٍ واعتزارٍ في التّطواف والمسيرة السّنويّة التّقليديّة في شوارع بخديدي- قره قوش يوم عيد الشّعانين، وسطَ ما يقربُ من عشرين ألف شخص، في مشهدٍ لا مثيل له، يثلج القلوب وينعِش النّفوس بنفحة الرّجاء كي يتجذّر أبناؤنا في أرضهم الأمّ.  

ولا يسعنا إلّا أن نجدّد صلاتنا بحرارةٍ من أجل إحلال السّلام والأمان في العالم، وخاصّةً على نيّة إنهاء الحرب المدمِّرة بين روسيا وأوكرانيا، والّتي تهدّد السّلام والاستقرار العالميّين، وتذكّرنا بالحقبة السّوداء من تاريخ البشريّة، بعد أن اعتقدْنا أنّها ولّت دون عودة، وأنّ المجتمع الدّوليّ تعلّم من تجارب الحروب العالميّة وويلاتها ومآسيها، والّتي نعيشها للأسف بشكلٍ يوميّ ومنذ عشرات السّنين في بلداننا المشرقيّة.

كما نضرع إلى مخلّصنا المنبعث من القبر من أجل جميع أبنائنا وبناتنا في بلدان الشّرق، في لبنان، وسوريا، والعراق، والأراضي المقدّسة، ومصر، والأردنّ، والخليج العربيّ، وتركيا، وفي بلدان الانتشار، في أوروبا والأميركيّتين وأستراليا، كي يباركهم ويحفظهم وعائلاتهم، بالأمانة الرّاسخة ليسوع فاديهم ولتعاليم أمّهم الكنيسة المقدّسة، رغم التّحدّيات الكثيرة الّتي يجابهونها.

وإنّنا نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيّين، سائلين الله أن يرحم الشّهداء ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشّفاء التّامّ. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات الّتي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله كي يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السّماويّة.

6. خاتمة  

أيّها الرّبّ يسوع القائم منتصرًا على موت الصّليب، أهّلنا أن نعمل اليوم، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، كي نحيا بإيمانٍ ورجاءٍ سرَّ الصّليب، لعيش مفاعيل قيامتك في حياتنا، فنُظهِر صورتك الّتي ألبسْتَنا إيّاها. امنحنا أنّ نعيّد القيامة ونستمدّ منها حياةً مشرقةً، فنغلب الشّرّ بالخير، ونعمل على تطهير ذواتنا من الحقد والكراهيّة، ونخلق جسورَ تواصلٍ وتلاقٍ بين المتباعدين والمتخاصمين. هبنا أن نتمثّل بشجاعتك وأنتَ لم ترهب شيئًا حتّى الموت، بل واجهْتَ الصّليب بمحبّةٍ، فقُدْتَنا إلى القيامة. أعطِنا أن نعيش إيماننا بك والتزامنا بكنيستك بأصالةٍ وعمقٍ، فنستحقّ أن نُدعى أبناء القيامة: "فأعرفه وأعرف قوّة قيامته والمشاركة في آلامه، فأتمثّل به في موته، لعلّي أبلغ القيامة من بين الأموات" (فيل3: 10-11).

وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الرّوحيّون الأعزّاء، بركتنا الرّسوليّة عربون محبّتنا الأبويّة. ولتشملكم جميعًا نعمة الثّالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والرّوح القدس، الإله الواحد. والنّعمة معكم. كلّ عام وأنتم بألف خير.  

ܡܫܺܝܚܳܐ ܩܳܡ ܡܶܢ ܒܶܝܬ ܡܺܝ̈ܬܶܐ... ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ  

المسيح قام من بين الأموات... حقًّا قام!".