يوحنّا العاشر: صعوبات كثيرة تواجهنا لكنّنا لن نخاف وسنبقى متكاتفين وحاملين رسالة العيش المشترك
وألقى البطريرك يوحنّا العاشر عظةً، شرح فيها الانجيل المقدس وتناول قصّة زكا العشّار الذي " كان رئيس العشارين وسمع عن يسوع المسيح وأراد في داخله مشاهدته فصعد الى الشجرة لمشاهدته أثناء مروره بسبب كثرة الجموع وقصر قامته، وعندما مرّ يسوع طلب منه النزول عن الشّجرة، وقال له: "انزل يا زكا لقد تمّ خلاص في بيتك اليوم وسوف أذهب وأمكث فيه"، عندها أعلن زكا فرحه وتأثره بقبول يسوع له، وقرّر أن يعطي نصف ماله للفقراء والمساكين".
وتابع " نحن منذ أيام قليلة امضينا عيدي الميلاد ورأس السنة وحدث التجسد الالهي ليسوع المسيح، وأتمنّى لكم أن تكون أعياداً مباركةً للجميع وللبنان والمنطقة ونأمل أن تكون سنة مباركة وتحمل في طياتها بشرى السلام والطمأنينة والاستقرار للبنان والمنطقة. والآن أنهينا ليتورجيّاً طقوسيّةً، وهذه الحلقة التي نمر بها كل سنة التي هي الميلاد لندخل الى الحلقة اللّيتورجية الثانية، وهي الصوم الكبير الذي يحضّرنا لعيد الفصح المجيد والقيامة ويفصل بين الفترتين أحدان، أحد زكا العشار وأحد الكنعانية".
وتحدث يوحنّا العاشر عن "أهمية الفعل الذي نقوم به في الصوم من أعمال الفضيلة والاحسان والصلوات"، داعياً الى "التوقف عند حادثة زكا العشار التي تنطبق على كل واحد منّا لنتعلم منها في حياتنا اليومية. يجب أن يكون كل واحد منّا زكا لأنّه يريد الحقيقة ويسعى اليها ويبحث عنها ويريد الحق، وفي الوقت نفسه هناك ما يمنعه وهي ضعفه والمصالح واغراءات الحياة. هناك صعوبات ومعوقات كثيرة تحول دون بلوغنا الى الحق سواء من الداخل او من الخارج، لذلك يجب أن يكون كل واحد منّا زكا ويكون بطلاً وجريئاً مثله".
وشكر الرب "لأنّه في الآونة الأخيرة كان المسؤولون مثل زكا وارادوا للبنان الخير وبارادة صادقة تنازلوا عن مصالحهم الخاصة وحصل التوافق الذي آل الى انتخاب رئيس للجمهورية ومن ثمّ تشكيل الحكومة، والآن نأمل أن يوضع قانون انتخاب وأن تتمّ الانتخابات النيابية في موعدها، وهكذا تنتظم كل المؤسسات الدستورية في هذا البلد، ويسير كل شيء على ما يجب أن يسير عليه، من أجل انتظامه ومن أجل هذا الشعب الطيب الذي يطالب بلقمة عيشه وكرامته".
وتابع: "يجب أن نتعلّم كرجال دين وسياسيين ومؤمنين من زكا ونكون طلاب حق ونريد لبنان بلد الرسالة والمواطنة والدولة المدنية التي نرفع رأسنا بها، والتي تساوي بين كل الناس وكل أطياف ومكونات هذا البلد، فاذا قمنا بما قام به زكا نستطيع أن نحقّق البسمة والفرح لجميع أبناء هذا البلد، وبالتالي يكون لبنان رسالة للبلدان المجاورة ولكل البلدان. هذا ما نسعى اليه ونصلي من أجله ونحيي من هذا الدير الشريف فخامة رئيس الجمهورية وندعو له في هذا العهد الجديد بالصحة والقوة ليقود هذا البلد مع كل معاونيه الى بر الامان والسلام والاستقرار، ويحقق الشعار الذي أطلقه وهو الاصلاح والتغيير، كما غيّر وأصلح زكا نفسه، وليتمّ هذا الاصلاح والتغيير في هذا البلد العزيز على قلوبنا من أجل أن نهتم بشؤون وقضايا الناس"، سائلاً "ما أهميّة أن نتكلم عن حقوق الانسان والحرية والديمقراطية اذا كان الانسان لا يعيش بكرامة".
وأردف: "نتمنّى أن يقودنا الرب جميعاً، فخامة الرئيس ومعاونيه وكل الشعب الطيب حتى نعيش بأمان وسلام واستقرار، خصوصاً في ظلّ هذا العالم المضطرب من حولنا. ففي عيد الميلاد توجهت الى حلب لأكون الى جانب أبنائنا هناك الذين يعيشون ظروفاً أمنيّةً ومعيشيّةً صعبة، ورفعت الصلاة في كنيسة السيدة الأثرية التاريخية، وقلت لهم انّ من هذا المكان الشريف تخرج رجال عظام وليست هامات روحية وكنسية فحسب، بل هامات وطنية وثقافية وعلمية، ساعدت وخدمت واحترمت من قبل الجميع نذكر منها في العصر الحديث البطريرك الياس الرابع والمطران الياس يوسف وسيدنا بولس اعاده الله الينا بالسلامة، فهذه أماكن لها أهميّتها ليس فقط الدينية، وانّما الثقافية والتاريخية والحضارية ونأسف اليوم لعدم احترامها".
وأكّد يوحنّا العاشر "أنّنا باقون وثابتون وموجودون، هنا ولدنا، هنا نعيش وهنا سنبقى كشعبين سوري ولبناني وكمسيحيين في هذه المنطقة وهذا هو قرارنا، هناك صعوبات كثيرة وهناك مصالح دول تلعب بنا، ولكنّنا لن نخاف وسنتحدّى كل الصعوبات التي نواجهها رغم أنّهم يعتبروننا دولاً من العالم الثالث، ولكن مقاييس هذا الدهر غير مقاييس ربنا، فعلى الرغم من الصعوبات الداخلية والخارجية نحن متكاتفون، صامدون باقون وسنبقى حاملين تلك الرسالة العظيمة، رسالة السلام، رسالة الفرح والمحبة والعلم والثقافة والعيش المشترك".
وختم "هذا هو تاريخنا، هذا التاريخ الذي سطّره أجدادنا وآباؤنا بدمائهم عبر سنوات طويلة من أجل هذا الحق وهذه الحقيقة، وهو مجبول بدم أجدادنا وآبائنا الذين حافظوا على هذا الارث وأعطونا ايّاه لنحافظ عليه ونورثه لأبنائنا".