يوحنّا العاشر: نناشد المسؤولين وبكلّ قوّة تسهيل تشكيل الحكومة رأفة بلبنان وإنسانه
في عظته دعا يوحنّا العاشر مجدّدًا إلى تشكيل حكومة في لبنان، في سياق حديثه عن التّجذّر المسيحيّ في الشّرق، فقال بحسب إعلام البطريركيّة: "نحن، كمسيحيين أنطاكيين، مزروعون في هذا الشرق ومنغرسون فيه منذ فجر المسيحية. نحن جيرة جباله ووديانه. نحن صخره وأرزه الذي يمد روحه في أغصانه ليلاقي الجميع، وفي كل أنحاء العالم، في عصر تنمو فيه روح التزمت والانغلاق والإثنيات والقوميات.
وهنا، وأمام هذا الإعصار القاسي الذي يجتاح لبنان، أريد أن أؤكد من جديد أنّنا كأرثوذكس أبعد ما نكون عن الخطاب الطائفي الفئوي. ونحن مجبولون، أولاً وأخيرًا، على الوطنية التي ترى في الوطن البوتقة التي تصهر الجميع في وحدانية حال، وتحفظ لكل مكون من طوائفه دوره وكيانه. والأرثوذكس مع غيرهم في هذه الديار صنعوا مجد لبنان وأفاضوا طيبه على الدنيا.
نصلّي اليوم بقلب واحد وبفمٍ واحد من أجل خير لبنان. لبنان الذي يعبر هذا المخاض يدعونا جميعًا لنتوافق ونكون صفًا متراصًّا وجبهةً داخليةً متماسكة لتشكيل حكومة، تكون حكومة إنقاذ، في أسرع وقت. لذا نناشد الجميع وبكل قوة تسهيل هذا الأمر رأفةً بلبنان وإنسانه. فالأولوية اليوم ليست للمصالح والتجاذبات وتقاذف المسؤوليات إنّما هي تفعيل عملية الإنقاذ وتحقيق ما يسحق الفساد ويعالج الانهيار ويرفع الألم عن الناس ويعيد إليها كرامتها ويلبّي تطلّعات الشباب ويطمئنه إلى استقرار غده. ولعلّ لبنان يحتاج في أقرب وقت إلى أن تنخرط مختلف مكوّناته وشرائحه وطاقاته في حوار جدّي يعالج بشكل جذري مكامن الخلل في الحياة السياسية فيه والأسباب التي تُنتج هذه الأزمات الكبرى كي لا يبقى غارقًا دائمًا في تداعيات نتائجها. وهذا ما نرجوه وندعو اليه.
وهنا أريد أن أؤكد في هذا السياق أنّ ما يهمنا ككنيسة هو أن ننظر أولاً إلى خير مجتمعاتنا وأن نُقصي عنها كل الشوائب لينمو إنساننا روحًا وجسدًا. لبنان لم يوجد ليكون ساحةً لتصفية المصالح. ونحن لا ننسى أنّ المسيح قد أتى إلى دنيانا من أجل الإنسان الذي يرزح تحت صليبِ خطيئةٍ وشقاءٍ وتعب. ولذلك فهمّ قلبنا الأساس هو الإنسان، وخاصة ذاك الذي يشقى ويجوع ويعطش. في خمسينيات القرن الماضي أطلق ابننا الطيب الذكر غسان تويني صرخته الشهيرة "بدنا ناكل جوعانين"، وها نحن أيضًا ندعو الساسة في هذا البلد إلى وضع الخلاف السياسي جانبًا والنظر إلى الإنسان ولقمة عيشه. إختلفوا سياسةً واتفقوا إنماءً. إختلفوا سياسةً واتفقوا خدمةً ورأفةً بإنسان يقاسي البطالة وغلاء المعيشة. إختلفوا سياسةً واتفقوا واجتمعوا يدًا واحدة تجتث من يسرق لقمة الإنسان ويرميها في مزاريب الهدر والفساد.
وبالمناسبة نحن نثمّن إصرار الشباب على حراكه، ولكننا في الوقت نفسه، ندعو جميع الذين خرجوا إلى الشوارع يطالبون بحقوقهم إلى الابتعاد عن العنف وإلى الحفاظ على الطابع السلمي لتحرّكاتهم كي لا ينزلق البلد إلى نزاعات مدمّرة تزيد على مأساة الشعب الحالية مآسٍ إضافية تؤخّر تعافي لبنان وتعمّق مشاكله الاقتصادية والمالية والاجتماعية الكثيرة.
نرفع صلواتنا من هذا الدير الشريف إلى السيدة العذراء من أجل لبنان ومن أجل شفاء جميع الجرحى. صلاتنا أن يفتح الجميع قلوبهم لرحمات الله ليتحقق خير هذا البلد وازدهاره وسلمه. صلاتنا من أجل هذا الشرق الجريح بكل بلدانه والذي يتلمس فجر القيامة من عتبات الصليب".