يوحنّا العاشر: كنيسة أنطاكية هي كنيسة أصالة وعراقة وكنيسة انفتاح ولقيا
"يطيب لي في موسم طفل بيت لحم ومن موقع عماد من نحتفل بميلاده بعد أيّام، في الأردنّ الشريف، أن أتأمّل وإيّاكم حدث الميلاد على لسان الملائكة: "المجد لله في العلاء وعلى الأرض السّلام وفي النّاس المسرّة". سلام الأرض ومسرّة شعوبها في العيش المتسالم هي مجدٌ لذاك العليّ للرّبّ القدّوس الّذي شاءنا على وجه البسيطة إخوةً على تنوّع ديننا وانتمائنا. سلام الأرضِ ومسرة بني البشر بتآخيهم هي مجدٌ لذاك العليّ الّذي شاء السّكنى بيننا واتّخذ من ميلاده نافذةً أو كوّةً أطلّ منها من سرمديّة وجوده على دهريّة زمننا. من هنا أنطلق، من كلمات الإنجيل، من كلمات بشرى الفرح الّتي استهلّ بها الإنجيليّون حياة المسيح.
سلام الأرض هو مسرةُ بني البشر وهو مجد ساكن السّماء. وهذا ما نكرّره دومًا في هذه الفترة. المسيح هو إله السّلام وأبو المراحم. ومن رمزيّة لقيا الله بخليقته الّتي يجسّدها الميلاد، يطيب لي أن أذكر قصّة أحد آباء الكنيسة الوارد في الأدب النّسكيّ. صادف ذاك الأب جمجمةً في أحد الأيّام. نكزها بعصاه وسأل من تكون؟ فأجابت: أنا إنسانٌ قابعٌ في الجحيم. عاود السّؤال وقال: وكيف حالكم هناك؟ فأجابت: منعدمو التّعزية وكلّ منّا مقيّدٌ إلى ظهر الآخر من دون أن يرى وجهه. قصّة قصيرة ومعبّرة في آن. الجحيم هو عدم رؤية وجه الآخر أو بالأحرى. الجحيم هو ألّا ترى وجه أخيك من الدّين أو الطّيف الآخر. لعلّ هذا ما يختصر خبرة عيشنا الواحد في هذا الشّرق وفي العالم. فردوسنا الأرضيّ أن نرى في وجه قريبنا وجارنا شيئًا من رحمانيّة محيّا خالق السّموات والأرض. وجحيمنا الأرضيّ إن جاز التّعبير هو ألّا نرى ذاك الوجه وألّا نلتقيه فلا نرى سماحة وجه القدّوس.
يحق لنا في كنيسة أنطاكية أن نفخر وبتواضع أنّنا كنيسة لقيا وتلاق. يحقّ لنا أن نفخر أنّنا المجس المسيحيّ الأوّل لعالم العروبة وللحضارة العربيّة. ويحقّ لنا أن نفخر وبتواضع أنّنا الجسر الأوّل بين الغرب وعالم الإسلام. نحن في كنيسة أنطاكية الأرثوذكسيّة نستخدم اللّغة العربيّة في صلواتنا وندرس اللّاهوت بها على الرّغم من معرفتنا بغيرها. كلّ ذلك لنقول إنّنا كنيسة أصالةٍ وعراقةٍ وكنيسة انفتاحٍ ولقيا في آن معًا. في هذه الرّبوع الأنطاكيّة تسمّى تلاميذ الرّبّ مسيحيّين. وفي هذه الرّبوع أيضًا تسمّى بطاركة أنطاكية بطاركة العرب. ولم يفرّق رغيفهم بين مسيحيّ ومسلم أيّام الحرب الأولى. هذا غيضٌ من فيض تاريخ هذه الكنيسة الّتي، ورغم وعورة التّاريخ، تجد في الآخر كنزًا وتحيا قيم العيش الواحد منذ فجر بشارتها.
كلّ الشّكر للأردنّ ولألبانيا اللّذين شاءا أن يكون هذا المؤتمر شهادةً حيّة في هذه الأرض المقدّسة وفي هذه الفترة الميلاديّة الّتي تَنشدُ فيها قلوبنا مجد ساكن السّماء في مسرّة بني البشر وفي السّلام الّذي يسود قلوبهم وديارهم في آن."
