يوحنّا العاشر بعد زيارة عوده: لاحترام كرامة الإنسان وكرامة اللّبنانيّين والعيش الكريم
"نحن اليوم في دارنا الكريمة، في مطرانيّة بيروت، مع أخينا سيّدنا الياس متروبوليت بيروت وتوابعها. واليوم كالعادة نحن موجودون سويّة كما من حين إلى آخر نلتقي ونتشاور في أمور كنيستنا وشعبنا وأوضاعنا وظروفنا وبلادنا خاصّة في هذا الظّرف الصّعب إن على الصّعيد المحلّيّ، أو الإقليميّ، أو الدّوليّ. العالم كلّه اضطرابات وحروب ومشاكل وقد أصبحت الأوضاع خانقة وصعبة على الجميع. لذلك نحن ككنيسة كما كلّ الإخوة والأحبّة نحمل همّ كنيستنا، همّ شعبنا وبلدنا خاصّةً في هذه الظّروف الصّعبة، المعيشيّة بشكل خاصّ والعامّة والسّياسيّة. لا شكّ أنّ كنيستنا، ونشكر الله على هذا، بتوجيه رعاتها وقيادة كلّ رعاتها في كلّ الأبرشيّات وفي كلّ المناطق، كلّنا نتحسّس هذه الظّروف والمعاناة الّتي يعانيها شعبنا نتيجة الظّروف الّتي نمرّ بها، وهمّنا الأوّل أن نكون إلى جانب شعبنا، أن نحثّ شعبنا على البقاء، وأن لا يترك هذه الدّيار وهذه البلاد.
في الشّهر الماضي قمت بجولة رعائيّة كنسيّة على عدّة أماكن، أوّلاً قمت بجولة على أبرشيّتنا في حماه والحدث الأساس كان تدشين وتكريس وافتتاح كنيسة بإسم القدّيسين بطرس وبولس في مدينة سقيلبية وكانت مناسبة لزيارة كلّ الرّعايا وكلّ المنطقة. كانت زيارة مؤثّرة جدًّا لأنّنا رأينا تمسّك الشّعب بأرضه، بكنيسته، بإيمانه، الكبار والصّغار والأولاد. يمكنني القول إنّ التّحدّي الأكبر الّذي نواجهه في هذه الأيّام في لبنان، في سوريا وفي كلّ المنطقة بشكل عامّ هو الهجرة، هجرة أبنائنا مسلمين ومسيحيّين. إنّما في هذه الجولة الّتي قمت بها لمست أنّه ما زال هناك أناس موجودون، هناك من يترك وهذه حقيقة إنّما هناك أناس موجودون بكثافة، شباب وصبايا وأولاد وأعني ليس فقط الكبار. كان شيئًا معزّيًا جدًّا خاصّة عندما نرى الإيمان الكبير والثّقة الكبيرة الموجودة في قلوب النّاس وتمسّكهم بالكرامة، تمسّكهم بعائلاتهم وأرضهم وكنيستهم في هذه الظّروف الصّعبة معيشيًّا وماليًّا وحتّى من حيث الاستقرار. مثلاً أبناء مدينة سقيلبية، بنوا كنيسة كبيرة، كاتدرائيّة، هذا دليل على أنّ الشّعب يقول نحن هنا وباقون ولهذا نبني الكنائس الكبيرة. لم ييأس.
أيضًا قمت بجولة إلى رعيّتنا في عمان، في مسقط، حيث أُعطيت لنا أرض لتُبنى عليها كنيسة أرثوذكسيّة أنطاكية، وهنا نحيّي سيّدنا غطّاس راعي تلك المنطقة حيث تمّ أيضًا بناء كنيسة وتمّ تكريسها على اسم القدّيس الحارث وهو من المنطقة، من نجران شمال اليمن وجنوب السّعوديّة، وقد سُمّيت الكنيسة على اسم هذا الشّهيد القدّيس المحلّيّ منذ القرون الأولى، الحارث النّجرانيّ. أيضًا لمسنا عند أبنائنا هذه الرّوح والعزيمة والقوّة أنّهم موجودون في تلك الدّيار ويريدون أن يكونوا فاعلين ولهم دورهم وهذا ما نشكر الله عليه. بالطّبع الكنيسة هناك هي الكنيسة الأرثوذكسيّة الوحيدة، وهي جامعة لكلّ الأرثوذكس ولغير الأرثوذكس وقد ساهم في بناء الكنيسة كلّ أبناء الرّعيّة حتّى من غير الأرثوذكس، الكلّ ساهم لأنّهم شعروا أنّها كنيستهم وهذا شيء يعزّي ويقوّي إذ نرى اللّحمة والوحدة بين جميع أبنائنا أينما كانوا.
كان هناك أيضًا زيارة إلى مصر في أواسط الشّهر الماضي، حيث كان هناك اجتماع للجمعيّة العموميّة لمجلس كنائس الشّرق الأوسط الّتي تحصل كلّ أربع سنوات، حصلت تعيينات وانتخابات للّجنة التّنفيذيّة، والأمانة العامّة وكانت كلّ الكنائس الموجودة في الشّرق الأوسط، الأرثوذكسيّة، الكاثوليكيّة، البروتستانتيّة بحضور الرّؤساء بضيافة إخوتنا الأقباط قداسة البابا تواضروس، بضيافة ابراهيميّة في وادي النّطرون، في دير الأنبا بيشوي وكان لقاءً معزّيًا مقوّيًا لأنّه كان هناك مجال لكلّ تلك الكنائس في الشّرق الأوسط أن تلتقي للتّباحث في مشاكلنا وهمومنا وهي مشتركة، وكيف يمكن أن نتعاون.
لا يمكن إلّا أن أذكر أنّنا في لقاءاتنا الرّوحيّة الكنسيّة أو حتّى الرّسميّة، في مصر التقينا مع فخامة الرّئيس السّيسي، في عمان مع رئيس الحكومة، ووزير الخارجيّة، ووزير الأوقاف، في أحاديثنا مع الرّسميّين السّياسيّين أو مع المدنيّين أو مع الكنسيّين والرّوحيّين، دائمًا نحمل هموم شعبنا وبلدنا وقضايانا وبالتّالي أسمح لنفسي القول بكلّ بساطة إنّنا كلّنا في كنيستنا سفراء حقيقيّين لبلادنا ولقضايانا، ما يحدث في لبنان بشكل خاصّ وما نطلبه وما ننشده وما نرفع الصّوت من أجله، من أجل الاستقرار والأمان، والآن نحن مقبلون على الاستحقاق الدّستوريّ الأكبر وهو انتخاب رئيس لجمهوريّة لبنان. كلّ هذه القضايا كما المعاناة الّتي نعانيها في سوريا كما في العراق وكما في كلّ المنطقة، نحملها في قلوبنا وندفع الجميع كنسيّين ومدنيّين وسياسيّين كي يتحسّسوا ويعرفوا الواقع الحقيقيّ وبأنّ هذا الشّعب هو شعب مسالم وطيّب، ينشد السّلام والأمان والاستقرار وأبسط مقوّمات الحياة وأن يعيش بكرامة كسائر الشّعوب. نرجو أن يلقى هذا الكلام آذانًا صاغية عند أصحاب القرار والمسؤولين في كلّ المنطقة وإنّها مناسبة من هذه الدّار الكريمة، من مطرانيّة بيروت، أن نؤكّد على كلّ هذه المواضيع ونؤكّد مع سيّدنا الياس سويّةً على ضرورة احترام كرامة الإنسان وكرامة اللّبنانيّين والعيش الكريم ومعالجة الأوضاع الّتي وصلنا إليها والأوضاع المعيشيّة والوضع الماليّ وحقوق النّاس، وقضيّة مرفأ بيروت وكلّ القضايا العالقة، هذه قضايا يجب أن يتمّ الاستمرار في معالجتها لأنّ لبنان لا يستأهل إلّا كلّ خير والشّعب اللّبنانيّ لا يستحقّ إلّا كلّ خير. حيثما نذهب، مصر، عمان، سويسرا، فرنسا نرى أولادنا هناك والمسؤولون في تلك الدّول يشكروننا ويذكرون الدّور الكبير والعظيم الّذي قام به أولادنا في تلك الدّيار فنحزن أنّ إنساننا في الخارج يمكن أن يكون العبقريّ والمنتج والمخترع والعظيم والمعروف وفي بلده كأنّه يُطمس أو لا مجال أن يتحرّك ويعمل. نحن نطلب ونبتغي، في لبنان وسوريا والعراق وكلّ المنطقة، الثّقافة والعلم والحضارة والعطاء. هذا ما يطلبه شعبنا ويبتغيه ويرجوه. كذلك نصلّي ونرفع الصّوت إلى كلّ المسؤولين خاصّة في بلدنا لبنان أن نضع أيدينا في أيادي بعض ونترفّع عن الأمور الشّخصيّة والتّحزّبات وغيرها ونعمل لمصلحة لبنان، مصلحة الشّعب اللّبنانيّ. نأمل هذا بدعاء سيّدنا وبجهد كلّ الطّيّبين في هذا البلد وهناك الكثير".