العالم
29 تشرين الأول 2019, 10:30

وثيقة حول الأمازون خطّها الأساسيّ "الارتداد"

بعد ثلاثة أسابيع من التّبادل المنفتح والحرّ والمحترم، صدرت الوثيقة الختاميّة حول الأمازون وتتضمّن إضافة إلى المقدّمة والخاتمة، خمسة فصول، تعالج مواضيع عديدة، من بينها: الرسالة، الانثقاف، الإيكولوجيا المتكاملة والدفاع عن الشعوب الأصليّة وطقس ليتورجيّ خاصّ بمنطقة الأمازون، دور المرأة والكهنة الجدد لاسيّما في المناطق التي يصعب فيها على المؤمنين الحصول على الإفخارستيا.

وفي تفاصيلها، تتّخذ الوثيقة خطًّا أساسيًّا يدور حول "الارتداد" الّذي "يترجم في استحسان على مختلف الأصعدة: المتكامل والراعوي والثقافي والإيكولوجي والسينودسي".

"في الفصل الأول الذي يحمل عنوان "ارتداد متكامل"، تحث الوثيقة منذ البداية على "ارتداد متكامل" من خلال حياة بسيطة ومتّزنة على مثال أسلوب القدّيس فرنسيس الأسيزي، مطبوعة بعلاقة متناغمة مع البيت المشترك. هذا الارتداد سيحمل الكنيسة على الانطلاق والخروج للدخول في قلوب جميع سكّان الأمازون. فمنطقة الأمازون في الواقع تملك صوتًا يشكّل رسالة حياة ويُعبر عنها من خلال واقع متعدّد الإثنيات والثقافات. لكن النصّ لا يسكت عن العديد من الآلام والعنف هذه الأمور التي تجرح اليوم منطقة الأمازون وتهدّد حياتها: تخصيص الخيور الطبيعية، نماذج الإنتاج الوحشية، اجتثاث الغابات، التلوّث، التغيير المناخي والإتجار بالمخدّرات والإدمان، الإتجار بالبشر والمجموعات المسلّحة غير الشرعية. واسعة أيضًا صفحة الهجرات المرّة في منطقة الأمازون والّتي تُفصَّل إلى ثلاثة مستويات: تحرّك مجموعات الشعوب الأصليّة التقليديّة، التنقّل القسريّ للسّكّان الأصليين والهجرة الدولية واللاجئين. وبالتالي هناك حاجة لراعوية خاصّة بهذه المجموعات قادرة على إدماج الحقّ بالتنقّل الحرّ. كذلك تدعو الوثيقة إلى التنبّه أيضًا إلى التنقّلات القسرية لعائلات الشعوب الأصلية إلى المدن وتسلّط الضوء على أنّ هذه الظاهرة تتطلّب عملاً راعويًا متكاملاً في الضواحي، من هنا تأتي الدعوة لإنشاء مجموعات رسولية تهتمُّ بهذا الجانب بالتنسيق مع الرعايا وتقدّم ليتورجيات إنثقافية وتعزّز اندماج هذه الجماعات في المدن.

في الفصل الثاني الذي يحمل عنوان "ارتداد راعوي" نجد التذكير بطبيعة الكنيسة الإرسالية: فالرسالة ليست أمرًا اختياريًّا لأنَّ الكنيسة هي رسالة والعمل الرسولي هو نموذج عمل الكنيسة بأسره. والتي عليها أن تكون "سامريّة" في منطقة الأمازون أيّ أن تذهب للقاء الجميع. ومن ثمّ من المهمّ أيضًا أن يُصار إلى انتقال من راعويّة الزيارة إلى راعويّة الحضور الدائم، ولذلك تقترح الوثيقة الختامية أن تؤمّن الجمعيّات الرهبانية في العالم نقطة رسوليّة في أحد هذه البلدان في منطقة الأمازون. كذلك لا ينسى السينودس العديد من المرسلين الذين قد بذلوا حياتهم في سبيل نقل الإنجيل في منطقة الأمازون والذي كتب الشهداء صفحاته المجيدة. في الوقت عينه تذكر الوثيقة أنَّ إعلان المسيح في المنطقة قد تمَّ غالبًا مع الاستبداد والاضطهاد، ولذلك تملك الكنيسة اليوم الفرصة التاريخية لكي تبتعد على السلطات الاستعمارية الجديدة من خلال الإصغاء إلى الصغار في منطقة الأمازون ومن خلال ممارسة نشاطها النبوي بشكل شفّاف. كذلك تذكّر الوثيقة بضرورة راعويّة خاصة بالشعوب الأصلية يكون لها مكانها المميّز في الكنيسة: وبالتالي من الضروري أن نخلق أو أن نحافظ على خيار تفضيلي للشعوب الأصلية وأن نعطي دفعًا رسوليًّا أكبر بين الدعوات بين السّكّان الأصليين لأنّه يجب على سكّان منطقة الأمازون أن يكونوا المبشّرين في منطقتهم. تطلب الوثيقة أيضًا فسحة خاصّة بشباب الأمازون مع أنوارهم وظلالهم إذ ينقسمون بين التقليد والتجدّد، فشباب منطقة الأمازون يملكون أحلام ورجاء الشباب الآخرين في العالم، وعلى الكنيسة المدعوّة لتكون حضورًا نبويًّا، أن ترافقهم في مسيرتهم لكي تتجنّب أن تُدمّر هويّتهم واحترامهم لذواتهم. وبشكل خاصّ تقترح الوثيقة خدمة خاصّة بالشباب متجدّدة وشجاعة بالإضافة إلى راعوية نشيطة على الدوام وتتمحور حول يسوع. فالشباب في الواقع هم الفسحة اللّاهوتية وهم أنبياء رجاء ويريدون أن يكونوا روّادًا وكذلك تريد الكنيسة في الأمازون أن تعترف بدورهم ومكانتهم. بعدها تتوقّف الوثيقة الختامية عند موضوع راعويّة المدن مع نظرة خاصّة إلى العائلات التي تعاني في ضواحي المدن بسبب الفقر والبطالة وغياب السكن بالإضافة إلى العديد من المشاكل الصّحّيّة، ونقرأ في الوثيقة أنّه علينا أن نكافح لكي نضمن الحقوق الأساسية للأشخاص الذين يعيشون في مدن الصفيح والأحياء الفقيرة. كذلك ينبغي تأسيس "خدمة للاستقبال" من أجل تضامن أخوي مع المهاجرين واللاجئين والمشرّدين الذين يعيشون في المدن.

في الفصل الثالث الذي يحمل عنوان "ارتداد ثقافي" تؤكد الوثيقة أنّ الانثقاف والعلاقات بين الثقافات هي أدوات مهمّة من أجل بلوغ ارتداد ثقافيّ يحمل المسيحيّ على الذهاب للقاء الآخر والتعلّم منه. إنّ شعوب الأمازون في الواقع تواجه من خلال "عطوراتها القديمة" اليأس الذي نتنفّسه في القارّة وتقدّم من خلال قيمها للتبادل والتضامن وروح الجماعة تعاليم حياة ونظرة متكاملة للواقع قادرة على فهم أنّ الخليقة مرتبطة ببعضها البعض وأن تضمن إدارة مستدامة. نقرأ في الوثيقة أيضًا أنّ هدف الدفاع عن الأرض ليس إلّا الدفاع عن الحياة وهو يقوم على الأساس الإنجيليّ للدفاع عن الكرامة البشرية، وبالتالي ينبغي احترام حقّ تقرير المصير، وحقّ تحديد الأراضي وحقّ الاستشارة المُسبقة والحرّة للشعوب الأصليّة. وفي إطار الانثقاف– أيّ تجسيد الإنجيل في ثقافات الشعوب الأصليّة– تُعطى فسحة للاهوت الشعوب الأصليّة وللتقوى الشعبية التي ينبغي مرافقتها وتقييمها وتعزيزها وتنقيتها أحيانًا لأنّه ينبغي على وقفات البشارة أن تقودنا إلى اللّقاء بالمسيح. من هنا يأتي الرفض القاطع للبشارة بأسلوب استعماري وللاقتناص لصالح إعلان منثقف يعزّز كنيسة ذات وجه أمازوني، ولهذا الغرض تقترح الوثيقة السينودسية أن تدرس وتجمع مراكز البحث الكنسيّة تقاليد ولغات ومعتقدات وتطلّعات الشعوب الأصليّة وتعزّز عملها التربوي انطلاقًا من هويّة هذه الشعوب وثقافتها. كذلك في المجال الصّحّيّ– تتابع الوثيقة الختامية– ينبغي على هذا المشروع التربوي أن يعزّز المعرفة القديمة للطّبّ التقليدي في كلّ ثقافة. قويّ أيضًا التذكير بتربية على التضامن تقوم على الإدراك لأصل مُشترك ولمستقبل يتقاسمه الجميع بالإضافة إلى ثقافة تواصل تعزّز الحوار واللقاء والعناية بالبيت المشترك.

أمّا في الفصل الرابع والذي يحمل عنوان "ارتداد إيكولوجي" تؤكّد الوثيقة أنَّ السينودس يطلب، إزاء أزمة اجتماعية بيئيّة لا مثيل لها، كنيسة أمازونية قادرة على تعزيز إيكولوجيا شاملة وارتدادًا إيكولوجيًّا لأنَّ كلّ شيء مرتبط ببعضه البعض. كذلك تتمنّى الوثيقة الختامية بأنّه وإذ تمَّ الاعتراف بالجراح التي سبّبها الكائن البشري في المنطقة أن يتمَّ البحث عن نماذج تنمية عادلة وتضامنيّة، وهذا الأمر يُترجم من خلال موقف يربط العناية الراعوية بالطبيعة بالعدالة من أجل الأشدّ فقرًا وبؤساء الأرض. ولذلك على الكنيسة لكونها جزء من تضامن دولي أن تعزّز الدور الأساسي للوحدة الإحيائية الأمازونية من أجل توازن الأرض وأن تشجّع الجماعة الدولية على تأمين موارد اقتصادية جديدة من أجل حمايتها وأن تعزّز أدوات الاتفاقية حول التغيّرات المناخية. تؤكّد الوثيقة أيضًا أنّ الدفاع عن الحقوق البشرية وتعزيزها بالإضافة إلى كونها واجبًا سياسيًّا ومهمّة اجتماعيّة هي أوّلاً متطلّبًا للإيمان، وإزاء هذا الواجب المسيحيّ تدين الوثيقة انتهاك الحقوق البشرية واستنفاذ الموارد الطبيعية، وتدعم وتعضد، بالاتفاق مع الكنائس الأخرى، حملات سحب الاستثمارات لشركات استخلاص المعادن التي تسبّب أذى إيكولوجيًّا لمنطقة الأمازون، وتقترح تنمية برامج تنشئة من أجل العناية بالبيت المشترك. كذلك توجّه الوثيقة نداء من أجل تحمّل المسؤوليّة: لأنّنا مدعوّون جميعًا لحراسة عمل الله، وبالتالي فالجماعات الأمازونية هي رائدة العناية بالشعوب الأصليّة وحمايتها والدفاع عنها، والكنيسة هي حليفتها وتسير معها بدون أن تفرض أيّ أسلوب في التصرّف وتعترف بحكمة الشعوب حول التنوع البيئي ضدّ جميع أشكال القرصنة الحيوية. هذا وتعيد الوثيقة التأكيد على التزام الكنيسة في الدفاع عن الحياة منذ الحبل بها وحتى موتها الطبيعي وفي تعزيز الحوار المسكوني والحوار بين الثقافات من أجل الحدّ من هيكليات الموت والخطيئة والعنف والظلم.

أمّا الفصل الخامس فيحمل عنوان "دروب ارتداد سينودسيّة جديدة" وتؤكّد فيه الوثيقة أنَّ تخطّي الإكليروسية والفروضات العشوائية وتقوية ثقافة الحوار والإصغاء والتمييز الروحي والاستجابة على التحديات الرعوية، هي الخصائص التي ينبغي أن يقوم عليها الارتداد السينودسيّ الذي دُعيت الكنيسة إليه لكي تتقدّم بتناغم بدفع من الرّوح القدس المحيي وبشجاعة إنجيليّة. وبالتالي فالتّحدّي هو أن نفسّر في نور الروح القدس علامات الأزمنة ونحدّد الدروب التي يجب اتّباعها لخدمة مشروع الله. وتتابع الوثيقة مؤكّدة أنّه ينبغي تعزيز وتوسيع مشاركة العلمانيين أكان في الاستشارات أو في اتّخاذ القرارات في حياة ورسالة الكنيسة، انطلاقًا من تعزيز منح درجات كهنوتية للرجال والنساء بشكل متساوٍ. كذلك تخصّص الوثيقة مساحة واسعة لحضور وآنيّة دور النساء. فكما تقترح حكمة الشعوب القديمة تملك الأمّ الأرض وجهًا نسائيًا وفي عالم الشعوب الأصليّة تشكّل النساء حضورًا حيًّا ومسؤولاً في التعزيز البشري. ولذلك يطلب السينودس بأن يتمّ الإصغاء إلى صوت النساء وأن تتمّ استشارتهنَّ وأن يُشاركنَ بشكل أكثر فعاليّة في اتّخاذ القرار ويساهمنَ في السينودسية الكنسية ويحملنَ بقوّة مسؤوليّة القيادة داخل الكنيسة والمجالس الراعوية أو حتى في الإدارة. هذا وتحدّد الوثيقة الختامية أمرًا ملحًّا تعزيز وتنشئة ودعم الشمامسة الدائمين. فالشماس، تحت سلطة الأسقف، هو في خدمة الجماعة ويطلب منه اليوم  أن يعزّز الإيكلوجيا المتكاملة والتنمية البشرية والراعوية الاجتماعية وخدمة الذين يعيشون في أوضاع ضعف وفقر، متشبّهًا بالمسيح. وبالتالي ينبغي التركيز على تنشئة دائمة يتخلّلها دراسة أكاديمية وتطبيق عملي راعوي يشارك فيهما أيضًا زوجة وأبناء المرشّح. وتتابع الوثيقة مؤكّدة على أن تكون تنشئة الكهنة إنثقافية: فالحاجة هي إعداد رعاة يعيشون الإنجيل ويعرفون القوانين الكنسيّة ويكونون متعاطفين على مثال يسوع: قريبين من الأشخاص وقادرين على الإصغاء والشفاء والتعزية من دون فرض أنفسهم ومظهرين حنان الآب. كذلك يقترح السينودس أن تكون مراكز التنشئة في داخل واقع الأمازون وأن تُتاح لشباب من خارج منطقة الأمازون الفرصة في المشاركة في تنشئتهم في الأمازون. هذا ويضع السينودس في محور الجماعة المسيحية المشاركة في الإفخارستيا بالرغم من أنَّ العديد من الجماعات الكنسية في المناطق الأمازونية لديها صعوبة في الحصول عليها. وإذ تركّز الوثيقة على تقدير العفّة كعطية من الله بقدر ما تسمح للكاهن بأن يكرّس نفسه بشكل كامل لخدمة الجماعة، تجدّد الوثيقة رفع الصّلاة ليكون هناك العديد من الدّعوات التي تعيش العفّة بالرغم من أنّ هذا الانضباط ليس مطلوبًا من طبيعة الكهنوت نفسه. وإذ تأخذ بعين الاعتبار المساحة الواسعة للأراضي الأمازونية والنقص في عدد الكهنة، تقترح الوثيقة النهائية تحديد معايير وشروط من قبل السّلطة المسؤولة من أجل منح السيامة الكهنوتية لرجال مؤهّلين معروفين من قبل الجماعة وأن يكون لديهم خدمة شمّاسية خصبة وينالوا تنشئة ملائمة للكهنوت وأن يكون لديهم عائلة مكوّنة بشكل قانوني وثابت من أجل دعم حياة الجماعة المسيحية من خلال إعلان الكلمة والاحتفال بالأسرار في المناطق البعيدة من منطقة الأمازون. وتتابع الوثيقة بالقول للاستجابة بشكل كاثوليكيّ حقيقيّ على طلب الجماعة الأمازونية بالحصول على طقس ليتورجي يعزّز رؤية العالم والتقاليد والرموز والطقوس الأصليّة يُطلب من الكنيسة في الأمازون أن تؤسّس لجنة تملك الكفاءات لكي تدرس صياغة طقس ليتورجي خاصّ بالأمازون يعبِّر عن الإرث الليتورجي واللاهوتي والروحاني للأمازون. وفي الختام وبهدف تعزيز عملية انثقاف الإيمان، يُعبر السينودس عن ضرورة تشكيل لجان من أجل ترجمة وتنقيح نصوص الكتاب المقدّس والنصوص الليتورجية إلى لغات مختلف المناطق. وفي الختام تطلب الوثيقة السينودسية حماية العذراء سيّدة الأمازون وأمّ الأمازون والتي تكرّم بصفات مختلفة في مختلف مناطق الأمازون".

 

المصدر: فاتيكان نيوز